بقلم فضيلة بن محمد
كنا ننتظر من ثورة “17 ديسمبر 2010 – 14 جانفي 2011” نظاما جديدا يقطع مع ماض مقيت منحاز للأثرياء وأصحاب المناصب وأعوانهم وظالم للفئات الشعبية في جميع مجالات الحياة، إلا أننا انزلقنا إلى القاع بمنظومة إخوانية ظلامية أعادتنا إلى عهد الاغتيالات والرعب ثم بمنظومة شعبوية يمينية رجعية استبدادية دمّرت كل مناحي الحياة من اقتصاد وتعليم وصحة ونقل… وهمّشت المزيد من الشباب وعمّقت تعاسة الطفولة وحطمت النساء وسدّت كل أبواب الإسعاد وهمّشت النخب وألجمت الأفواه وملأت السجون وجوعت النساء والرجال والأطفال حتى أننا نرى يوميا المرضى والمتسولين منتشرين على قارعة الأرصفة والشوارع والحدائق.
سأفرد بالذكر المجال الصحي وتأثره بأوضاع النقل. من من الشعب لا يعرف حالة الصحة ببلادنا؟ من يجهل أوضاع المستشفيات والمستوصفات والمراكز الصحية العمومية من نقص الكادر الطبي إلى عدم توفر أهم التجهيزات اللازمة والأدوية الضرورية وحتى بعض المواد والأدوات الطبية البسيطة؟ من لا يعلم باكتظاظ هذه المراكز – وأخص بالذكر أقسام التوليد ومراقبة الحوامل – بالمرضى والنساء نتيجة لعدم تواجدها بمدن الجهات المهمشة (الشمال الغربي،الوسط،الجنوب) كما لا وجود لمراكز الاختصاص الطبي إلا في المدن الكبرى وهي قليلة مما يجعل المرضى الفقراء والنساء خاصة الحوامل يتجشمون عناء السفر ونفقات التنقل وأعباء التحاليل المختلفة. من لا يدرك أن المصحات الخاصة وأقسام التوليد أفرغت جيوب المرضى والنساء وأثقلت كاهلهم هروبا منهم من رداءة أوضاع القطاع العمومي؟ إن شعبنا المفقر يعيش هذه الحالات المزرية يومياً ويعاني بسببها ماديا وجسديا ونفسيا ،وقد فقد أحبة وأصدقاء وأقارب ضحايا الإهمال واللامبالاة والأخطاء ونقص الأدوية والمستلزمات الطبية والعناية الضرورية وللنساء النصيب الأوفر من هذه المآسي. إذن، ما العمل أمام هذه المعضلة وكيف نزيل هذه الآفات التي تنخر الصحة ونتخلص من عبء المصاريف وأتعاب التنقل ونقص الكوادر والضروريات الطبية والاستشفائية لنضمن العلاج الجيد والصحة والسلامة؟ هنا إذن، لا بدّ من منظومة سياسية وطنية شعبية همها مصلحة أبناء وبنات الشعب عموما دون اعتبار الفوارق الاجتماعية والمهنية والجنسية وأن نتجنب صحة للأغنياء وأخرى للفقراء ولابد أن يخصص صندوق ضمان اجتماعي موحد لكافة العاملين نساء ورجالا دون تمييز وأن تتكفل الدولة والأعراف بتأمين نفقاته .كما يجب تحرير المرأة من العمل بالليل والاشتغال بالصناعات المضرة التي من شأنها التأثير سلبا على صحتها وصحة أطفالها (أجنة أو رضع أو أطفال) ، ويجدر الاعتراف وجوبا بالأمومة كوظيفة اجتماعية تتكفل الدولة بنفقاتها خلال فترة الحمل ومنحها عطلة محترمة قبل وبعد الولادة لأن غالبية نسائنا يتحملن هذه المعضلات بمفردهن لذلك ينهكن في سن مبكرة وتكثر أمراضهن وتردّدهن على مختلف المستشفيات. إن من أوكد الإجراءات أيضا تطوير المنظومة الصحية العمومية وتقريب المستوصفات ومراكز التوليد إلى المواطنين والمواطنات في الأرياف والقرى والمدن الصغيرة حتى نتجنب الولادات في الطريق والبيوت وحتى نضمن ولادات سليمة وفي ظروف حسنة. كما على منظومة الحكم التي نريدها توزيع المستشفيات والصيدليات ومخابر التحاليل المختلفة في عموم جهات البلاد. إن المنظومة الناجحة هي التي تعمل جاهدة على توفير التجهيزات والأدوية والوسائل اللازمة حسب حاجيات المرضى، ولتحقيق ذلك لابد من الاعتماد على الذات بتشجيع معامل الأدوية وتطويرها وإنشاء أخرى لتصنيع أجهزة ووسائل ضرورية نحتاجها للغرض، وهكذا نوفر العملة الصعبة من ناحية ونقضي على التبعية لجهات نهابة من ناحية أخرى، كما ينبغي التخفيض في أسعار الأدوية ومعاليم التحاليل والتصوير والفحوصات وكذلك أسعار وسائل النظافة والوقاية وحاجيات النساء الضرورية الشهرية وعند الولادة. ولا ننسى أن نضع في الحسبان ونعمل بحزم على مقاومة آفة التدخين والمخدرات والكحول والبغاء بالعلاج وبالتوعية المكثفة والمتواصلة حتى نتصدى للعصابات التي تراكم أرباحا طائلة على حساب التدمير الصحي للنساء والشباب خاصة. للصحة علاقة بقضايا أخرى لا تقل أهمية ولكن سأتعرض لها من زاوية ارتباطها بمسألة النقل. تأثرت الصحة بأحوال النقل سلبا في تونس إذ تضررت النساء والشعب عامة من حالة هذا القطاع، إذ تسبب أسطول النقل في حوادث وكوارث كثيرة، فكم تضررت النساء العاملات موتا وجرحا وإعاقة من رداءته وأرهقت جراء تأخر مواعيد الحافلات والانتظار لساعات في القر والحر، وكم تحمّلن الاكتظاظ وحالات الاختناق وعدوى الإنفلونزا والتحرش مما يخلق التوترات والتشنجات اليومية وارتفاع السكري والضغط ما يسبب أمراض الدم والكلى والأعصاب، ناهيك أنها عبارة عن “خردة” تنفث أدخنة سوداء تسبب سرطان الرئة والدم يستنشقه الراكب والراجل وهناك حافلات وقطارات متروكة بدون صيانة لا دور لها سوى تلويث البيئة ونشر الأمراض. لذا ولتجاوز آثار منظومة العجز والفشل علينا أن نعمل على تحقيق منظومة وطنية تراعي حقوق الشعب والعمال والنساء وترسي نقلا راقيا متطورا يريحهم من الشقاء ويساهم في خلق حياة مريحة وصحة سليمة وذلك بتطوير كامل أسطول النقل وشراء وسائل نقل جيدة (لا ضاربة في القدم) لعموم الجهات بما يناسب الحاجة في هذا العصر المتسارعة أحداثه وحاجياته، وانتداب سواق بعد تكوينهم لتفادي النقص الكبير الحاصل حاليا والعناية بالبنية التحتية من مدّ وإصلاح طرقات وسكك حديدية وبناء وتعهّد بالجسور والموانئ لربط المدن والجهات ببعضها وتيسير حركة التنقل وتقصير المسافات، ومن الضروري العمل على توفير الكوادر البشرية المختصة عوض إدارة الظهر وتكديس الثروات بأيدي “كمشة” من النهاب الذين ديدنهم الانقضاض على مستحقات الشعب في الصحة والتعليم والنقل والترفيه… كما يلزم القضاء على الصفقات المشبوهة والفساد بجرأة وشجاعة لا بالتهديد والوعيد. إن هذه البدائل لا تتحقق إلا بثقافة ديمقراطية شعبية تقدمية وفكر نير يقطع مع الظلام والرجعية والاستبداد.
صوت الشعب صوت الحقيقة
