الحريّة لمعتقلات/معتقلي الرّأي
بقلم حمّه الهمّامي
“أمام المواقف لا نطلب ودّ أحد”
الرّفيق الرّاحل برهان القاسمي
“الدّرك الأسفل من الجحيم لأولئك الذين يقفون موقفا رماديّا في الأزمات…”
دانتي أليغري
كلّ التّضامن مع شيماء عيسى وعيّاشي الهمّامي وأحمد نجيب الشابّي، آخر الملتحقين بالسّجن في قضيّة ما بات يعرف بـ”التّآمر على أمن الدّولة” التي اتّفق أهل العقول جميعا أنّها لا تستند إلى إثباتات ووقائع مادّية تؤكّد أنّ من شملتهم القضيّة “متآمرون، إرهابيّون، متواطئون مع الأجنبيّ”، وهو ما جعل محاكمتهم، التي لم تتوفّر فيها أدنى شروط المحاكمة العادلة، باطلة والأحكام الثّقيلة الصادرة عنها جائرة، لا هدف منها سوى تصفية الحساب مع خصوم سياسيّين.
حزب العمّال يرفض الظّلم
لم يتوان حزب العمّال منذ تأسيسه عن رفض الظّلم مهما كان مصدره ومهما كانت ضحيّته. وهو يستند في ذلك إلى عقيدته الاشتراكيّة وإلى قيم شعبنا وإرث حركاته التقدّميّة إضافة إلى ما راكمته الإنسانيّة من مكاسب في معاركها من أجل التحرّر والانعتاق. ومن هذا المنطلق ناهض منذ عهد بورقيبة كلّ محاكمات الرّأي وكل محاكمات تصفية الحسابات السّياسيّة التي لا تهدف إلى محاكمة الطرف المعني من أجل ما ارتكبه من جرم يقتضي العقاب بل تهدف إلى التخلّص منه كخصم سياسي مقلق أو منافس على الحكم. ومن هذا المنطلق أيضا دافع حزب العمّال عن معتقلات/معتقلي الرّأي وطالب لهم بالحرّيّة كما دافع عن حقّ كل شخص مهما كانت التّهم الموجّهة إليه في محاكمة تتوفّر له فيها شروط الدّفاع عن النفس أمام قضاء مستقلّ وطبقا لقوانين عادلة.
إنّ هذا الموقف المبدئيّ لحزب العمّال نابع من الهدف الذي يعمل من أجل تحقيقه وهو تأسيس دولة وطنيّة مستقلّة لا تابعة، قائمة على الحريّة، لا على الخوف، على المساواة لا على التّمييز، على الحقّ لا على العسف، على التّضامن لا على الشّماتة، على الكرامة لا على العبوديّة، على العدالة الاجتماعيّة لا على الاستغلال والحيف.
إنّ كلّ من تابع مواقف حزب العمّال منذ تأسيسه يمكنه أن يلاحظ أنّه لم يَحِدْ عن هذا الخط. وهو مستمرّ في نفس النّهج إلى اليوم في مواجهة الاستبداد الشّعبويّ الذي ابْتُليَتْ به بلادنا. وهذا السّلوك لا يمسّ في شيء من استقلاليته الفكرّية والسّياسيّة. فأن ترفض أَنْ يتعرّض خصمك أو من يختلف معك في الرّأي أو الموقف إلى المظالم ومنها عدم احترام حقّه في محاكمة عادلة لا يعني بالضرورة أنّك تتبنّى أفكاره ومواقفه ولا يعني أنّك “تبيّض” ممارساته أو تستثنيه من المحاسبة في حال ارتكابه جرما كما لا يعني أنّك ملزم بالتحالف أو بالقيام معه بأعمال مشتركة وإنّما يعني أنّك تريد إقامة مجتمع إنساني بحقّ لا ظلم فيه ولا تعدّي على حريّة المواطن/المواطنة وكرامته وحقوقه ولا محاسبة فيه إلّا على جرم حقيقيّ مرتكب ومثبت.
في بلادنا ثمّة من تتّفق معه وثمّة من لا تتّفق معه مطلقا، وثمّة من تطالب بإطلاق سراحه لأنّه سجين رأي وثمّة من تطالب له بمحاكمة عادلة في ظروف ديمقراطيّة على جرم ارتكبه وأنت منقاد في كل ذلك بالمبدأ والقيمة وليس بالعلاقات والمصالح الفئويّة، الضيّقة والظرفيّة. وهذا هو المعنى الحقيقيّ لدولة القانون المفقودة في بلادنا حيث يوظّف القضاء بالكامل لخدمة الحاكم الفرد وتستخدم قوانين جائرة لضرب الحقوق والحرّيّات بشهادة “أهل الدّار” أنفسهم.
في التصدّي للظّلم مناعة للشّعب والمجتمع
إنّك حين تتصدّى للظّلم في لحظة معيّنة بشكل مبدئي وثابت إنّما أنت تهيّئ الأرضيّة لا للدّفاع عن نفسك فقط وإنّما للدّفاع عن شعبك ومجتمعك أيضا وتعمل على تحويل قيم الحريّة والديمقراطيّة والمساواة إلى جزء من هويّته وثقافته ممّا يجعله يرفض المظالم والانتهاكات ويتصدّى لها. وفي المحصّلة فإنّ من يقبل ظلم خصمه أو يفرح له أو يشجّع عليه ويعبّر عن الشماتة بل يطالب بسجن ذلك الخصم أو حتى إعدامه دون محاكمة، عليه أن يستعدّ لكي يكون هو نفسه ضحيّة المظالم والتشفّي والشماتة حين يتغيّر الوضع لغير صالحه لأنّه ساهم في زرع الوحشيّة والكراهيّة في وعي النّاس وهو ما يجعل قطاعا منهم يقوم ضدّه كما قام هو في السّابق ضدّ غيره ويطالبون بسحقه خارج القانون مثلما طالب بسحق غيره. ومن منّا لا يتذكّر ما حصل لموسيليني مثلاً، فالذين كانوا يصفّقون له هم الذين سحلوه، حين انقلبت الأوضاع، ومثّلوا بجثّته في الشّارع.
إنّ قصيري النّظر الذين لا يفكّرون إلّا في مصالحهم الآنيّة وهم في السّلطة غالبا ما يكونون من الأوائل في دفع ثمن حساباتهم الضيّقة. ولا أدلّ على ذلك ممّا نعيشه اليوم. إنّ حركة النهضة لم تفكّر حين كانت في الحكم وصادقت، هي وحلفاؤها، على قانون الإرهاب سنة 2015 بكلّ ما فيه من مصائب (المحاكمة عن بعد، عدم الكشف عن الشّهود، تحديد مدّة الاحتفاظ بـ15 يوما عوض 48 ساعة، حرمان المحامي من مقابلة منوّبه خلال الـ48 ساعة الأولى، إعطاء القاضي سلطة تقديريّة بما يمكّنه من عدم تقديم وثائق الإدانة…) في أنّها ستكون من أوّل ضحاياه حين تدور عليها الدّائرة. كما أنّها لم تفكّر، حين حافظت على قانون الطّوارئ الفاشيّ (1978)، في أنّه سيُستعمل ضدّها يوم تفقد السّلطة. وإلى ذلك فإنّها لم تقدّر عاقبةَ المماطلة في إنشاء المحكمة الدستوريّة وتفكيك القضاء وإفساده وتوظيفه عوض إصلاحه وتدعيم استقلاليّته. فهي تدفع اليوم ثمن كل حساباتها الفئويّة التي أسهمت في إجهاض ثورة الشّعب التونسيّ.
إنّ من يراهن على نظام مستبدّ، كما توهّم ذلك من ساندوا انقلاب 25 جويلية 2021، للتخلّص من خصم سياسيّ فهو يعبّر عن عجزه عن تغيير الواقع، إضافة إلى أنّه ينسى أو يتناسى أنّ الاستبداد لا صديق له وهو لا يستثني عند الاقتضاء حتّى من صفّق له في يوم من الأيّام. وهكذا فإذا أردت أن تهزم خصما سياسيّا رَاهِنْ على صحّة تصوّراتك وبرامجك، أوّلا، وعلى نشاطك صلب الشّعب لإقناعه بها وتعبئته حولها، ثانيا، واصبر عليه، أي على الشّعب، حتّى يتعلّم من تجربته، ثالثا، وتسلّح بنظرة تاريخيّة تراعي تعقيدات الواقع ومصاعبه كي لا تستسلم للإحباط، رابعا. وحتّى تفلح في مسعاك، فأنت تحتاج إلى الحريّة، حريّة الفكر والتّعبير والتنظّم والإضراب والتّظاهر التي تساعدك على الوصول إلى العمّال والكادحين والفقراء والنّساء والشّباب، وهو ما لا يوفّره لك الاستبداد الذي يعادي الأحزاب السياسيّة ومنظّمات المجتمع المدني المناضلة ونخبه المثقّفة والمبدعة ويسعى إلى إلغاء دورها تمهيدا لإلغاء وجودها على غرار ما يحصل منذ مدّة مع الأحزاب والجمعيات والمنظمات وفي مقدّمتها الاتحاد العام التونسي للشغل بعنوان مقاومة الفساد والإرهاب والتّآمر الخ…
ومن النّافل أنّ الطّبقات والفئات الكادحة والشّعبيّة هي الأكثر حاجة إلى الحرّيات التي هي السّلاح الذي يمكّنها من تثقيف نفسها والرّفع من وعيها ومن درجة تنظيمها ووحدتها في مواجهة مستغلّيها ومضطهِديها. إنّ ما يريده الاستبداد هو تجريدها من هذا السّلاح ليشتّت صفوفها ويفرض عليها سياسته التقشّفية والتفقيريّة ويتمكّن من مواجهتها بسهولة بما لديه من أجهزة قمعيّة منظّمة ومدرّبة. لذلك فإنّ من يدّعي خدمة الشعب بمساندة الاستبداد الشعبويّ هو كاذب ومعاد لهذا الشّعب لأنّه يساهم بموقفه هذا في تأبيد عبوديّته. إنّ ألفباء العلوم السّياسيّة تعلّمنا أنّ الاستبداد هو الإطار السّياسيّ الذي يحقّق فيه أعداء الشّعب استغلالهم له ولا يمكن أن يشكّل بأيّ وجه من الوجوه إطارا لتحقيق أدنى مطالبه وطموحاته في التّحرر السياسيّ والانعتاق الاجتماعي المرتبطين عضويّا بعضهما ببعض.
إنّ نظاما تتوفّر فيه الحريّات هو أفضل لشعبك، بعمّاله وكادحيه وفقرائه ونسائه وشبابه ومثقّفيه ومبدعيه الأحرار، و لك أنت كثوريّ ويساريّ، حتّى لو استفاد منه خصومك الرّجعيوّن، من نظام يقمع ويستبدّ ويكتم الأنفاس وينكّل بمنتقديه ومعارضيه بدعوى محاربة “المتآمرين والفاسدين والمحتكرين و…و…و…”، وهو في الحقيقة يخدم بسياسته تلك هؤلاء المحتكرين والفاسدين والمستغلّين الذين يدّعي محاربتهم حتّى وإن تخلّص من بعضهم لسبب من الأسباب. إنّ الاستبداد هو الفساد المطلق وهو الإطار السياسي الذي تحقّق فيه الأقليّات الريعيّة والمضاربة والعميلة مصالحها على حساب الشعب.
إنّ من يريد سدّ الباب أمام استيلاء “خصم سياسيّ رجعيّ” على السّلطة، عليه أن يتصدّر هو النضال ضدّ الدكتاتوريّة القائمة فعليّا ويقدّم المثال في التّضحية والعطاء، لا أن يتذيّل لها ولسان حاله يقول “المهمّ أنّها أزاحت ذلك الخصم”، ليقع عبدا ذليلا لتلك الدكتاتورية يبرّر جرائمها وهي تذلّه وتزدريه أمام الرّأي العام وتسخر من نصائحه بل لا تعيره أيّة أهميّة. إنّ زاوية النظر في التعاطي مع الوقائع والأحداث التي تجري أمامنا ينبغي أن تكون فعلا قيم الحريّة والديمقراطيّة الحقّة لا الشّكليّة، لا النّزعات الذّاتيّة القائمة على الاستئصال والتشفّي والشّماتة والانتهازيّة المقيتة وهي كلّها ظواهر تفكّك المجتمع وتزرع فيه الشّقاق وتهيّئ الأرضيّة المناسبة للهيمنة عليه لفترة طويلة من الزّمن.
لا معنى للتحرّر الوطني دون تحرّر الإنسان من أيّ استلاب مادّي ومعنوي
يدّعي بعض التافهين وقصيري النّظر أنّهم يساندون “مسار 25 جويلية” لأنّه يعطي الأولويّة للسّيادة الوطنيّة التي كانت على الدوام، حسب زعمهم، “همّهم الأوّل”. إنّ السّيادة الوطنية لا معنى لها إن لم تتحقّق فعليّا في الواقع. إنّ سلطة الانقلاب لم تُلغ أيّا من الاتّفاقيّات التي عقدتها المنظومات المتعاقبة على الحكم منذ عقود مع الشّركات والقوى الاستعماريّة بل إنّها حافظت عليها جميعا بما فيها الاتّفاقية العسكريّة مع الولايات المتّحدة الأمريكيّة (حليف رئيسي خارج الناتو) وأضافت إليها أخرى مثل الاتفاقية المذلّة والمهينة مع الاتّحاد الأوروبيّ حول الهجرة غير النّظاميّة التي تحوّلت بمقتضاها بلادنا إلى حارس حدود أوروبا الجنوبيّة والاتفاقيّة العسكريّة الأخيرة مع الجزائر التي لم تنشر للرأي العام ولا حتّى عرضت شكليّا على البرلمان الرّسمي. كما أنّها لم تتوقّف عن إغراق البلاد في المديونيّة والتبعيّة التجاريّة والتكنولوجيّة وفي تدمير منظوماتها الإنتاجيّة ممّا زادها ضعفا على ضعف في وجه الأجنبيّ الاستعماري والرّجعي. وحتّى التطبيع الذي اعتبره سعيّد ذات يوم “خيانة عظمى” لم يتمّ تجريمه بل إنّ سعيّد، حسب رئاسة البرلمان، عطّل التّصويت على مشروع القانون الذي كان قدّم إلى البرلمان للغرض.
وإلى ذلك فإنّ السّيادة الوطنيّة تتحوّل إلى كذبة إن لم تقترن بتمتّع الشّعب بحريّته وحقوقه السياسيّة التي تتعرّض كما هو معلوم للتّصفية الممنهجة تشريعا (دستور 2022، المرسوم 54…) وممارسة وهو ما يفسّر تفاقم القمع وإقصاء عامّة الشعب من الشّأن العام واحتكار قيس سعيّد كل السلطات وتحويلها إلى مجرّد وظائف تحت إمرته. كما أنّ السيادة الوطنيّة تتحوّل إلى مغالطة إن لم تقترن بتوفّر مقومات العيش الكريم لكافّة الطبقات والفئات الشّعبيّة. وهي مقوّمات غائبة تماما في واقعنا اليوم. إنّ شعار “الدّولة الاجتماعيّة” الذي رفعه سعيّد والذي يستند إليه البعض لتبرير تحوّلهم إلى خدم للاستبداد، هو شعار تضليليّ مثله مثل شعار السّيادة الوطنيّة، لا علاقة له بواقع الطّبقات والفئات الكادحة والشعبيّة التي تشهد أوضاعها تدهورا مريعا بسبب مواصلة سلطة الانقلاب انتهاج نفس الخيارات الاقتصادية النيوليبرالية المتوحّشة المملاة من المؤسّسات المالية الدوليّة والتي تفاقم البطالة والفقر والبؤس وتدهور المقدرة الشرائيّة وتردّي الخدمات العامّة من صحّة وتعليم ونقل وسكن علاوة على تردّي الأوضاع البيئيّة على غرار ما يحدث في قابس.
وهكذا فإنّ من يمارس الاستبداد بدعوى الدّفاع عن السّيادة الوطنيّة إنّما هو يغالط ويخادع لأنّه في الواقع يدافع عن “سيادة” نظامه الاستبداديّ لا عن سيادة الوطن ولأنّ ما يحرّكه كلّما تعرّض لنقد أو تشهير من منظّمات حقوقيّة دوليّة وإقليميّة أو من وسائل إعلام أجنبيّة إنّما هو خوفه على كرسيّه لا على سيادة الوطن المهدورة طولا وعرضا.
السّياسة تصوّرات وبرامج وممارسة
إنّ الحريّة والدّيمقراطية وحقوق الإنسان بالنّسبة إلينا مكاسب يحقّقها الشّعب بنفسه ولنفسه ليبني بها ذاته ويعزّز كرامته في إطار دولة وطنيّة، ديمقراطية، شعبية، متحرّرة من كلّ تبعيّة. وعليه فإنّ الحريّات والحقوق لا تتحقّق عن طريق نظام الاستبداد والعمالة والاستغلال ولا بالتعاون معه وإنما بالنضال ضدّه وعلى أنقاضه كما أنها لا تتحقّق بالمراهنة على العسكر أو بالاتّكال على الأجنبي. فالعسكر كما الأجنبي إذا تربّع على الحكم بشكل مباشر أو غير مباشر فلكي يبقى لا لكي ينسحب بعد مدة انتقالية مزعومة والأمثلة على ذلك كثيرة. ونحن إذ نشير إلى هذا الأمر فلأنّه ثمّة اليوم في بلادنا من يراهن على دعم “الخارج” للتخلّص من سلطة الانقلاب ويهلّل بكلّ موقف يصدر عن مسؤول غربيّ فيه نقد لتلك السلطة ولا يتردّد في توجيه الدعوات إلى العسكر لكي “يتحمّل مسؤوليّته”. وفي مثل الوضع الحالي، الذي يشبه في بعض خصائصه وضع 1987، على كلّ ذي عقل أن يظلّ يقظا ومستعدّا لكل الطّوارئ. ففي أوقات الأزمات وحين يكون الشعب بلا رؤية وبلا تنظيم وقيادة فإنّ القوّة الأكثر تنظيما في المجتمع، ونقصد هنا الأجهزة، هي التي تنتهز الفرصة لكي تتربّع على عرش الحكم مدعومة بالأجنبيّ الذي تحرّكه مصالحه.
وهنا نأتي إلى الوجه الآخر من المسألة المتعلّق بالنّضال ضد الاستبداد وكيفيّة إزاحته فنؤكّد أنّ السياسة تصوّرات وبرامج ينبغي أن تكون واضحة وحاضرة في كل خطوة حتى تكون للشّعب بوصلة بل حتّى يعرف من هم أصدقاؤه الحقيقيّون ومن هم خصومه وأعداؤه. إنّ السياسة ليست “غمّة” أو “هات نلمّو بعضنا وبعد توّة نشوفو” أو “هات نتخلّصو من سعيّد وبعد كل واحد يضرب على صلّاح بلادو” أو “موش وقت توّة باش تنقد النهضة أو الدستوري الحرّ أو غيره” إلى غير ذلك من الدّعاوي الباطلة الخ… فما هذه إلّا طريقة للمغالطة وزرع الارتباك والغموض وفي النّهاية تحميل الجميع وزر ما ارتكبه غيرهم من جرائم على حساب هذا الشعب وتعبيد الطريق لاستبدال دكتاتورية بأخرى قد تكون أكثر وحشيّة أو في أفضل الحالات ذات طلاء ليبرالي زائف. وبودّنا أن نتساءل هنا لماذا الخوف من النّقد والجدل والمطالبة بالمحاسبة؟ لماذا يُطلب من حزب العمّال مثلا الصّمت وقبول العمل مع “حركة النهضة” أو غيرها (الدستوري الحرّ الخ…) وتحمّل النّقد وحتى السبّ والشّتم ولا يُطْلب من هذه الحركة تقديم الحساب على عشر سنوات من الحكم التي أضرّت بالشعب التونسي وبمصالحه وفسحت المجال لصعود الشعبويّة التي، للتّاريخ، ما كانت لتصعد لولا أصوات حركة النّهضة وائتلاف الكرامة؟ أليس لحركة النّهضة حساب تقدّمه إلى الشّعب أم أنّ الشعب ليس جديرا بذلك بل هو مجرّد حطب يُستعمل في الانتخابات لتمرير اختيارات معادية لمصالحه أصلا؟
ألا يفهم الذين يدفعون إلى هذا الطّريق، طريق “الغَمّة”، أنّ الشّعب لن يسير وراءهم وأنّه سيبقى يصفّق لسلطة الانقلاب أو لأيّ سلطة أخرى استبداديّة يمكن أن تخلفها خوفا من العودة إلى الوراء؟ أفلا يدرك البعض أنّه من دون تقييم عشرية ما بعد الثورة تقييما عميقا وجدّيا، لا يمكن تحقيق أيّ تحوّل جدّي في أوضاع بلادنا وشعبنا الذي قام بتلك الثّورة أملا في تغيير أوضاعه الماديّة والمعنويّة بصورة جذريّة؟ إنّ سياسة “بوس خوك وعفا الله عمّا سلف” هي التي تثير المخاوف في صفوف النّاس اليوم من تكرار تجارب الماضي وهي التي تُطيل في أنفاس سلطة الاستبداد. إنّ البعض يصمّ أذنيه إزاء ما يتردّد في صفوف الناس:”تحبّو ترجعولنا حكم النّهضة” أو “تحبّو ترجعولنا حكم التجمّع”؟ إنّ الناس، ولا نقصد هنا حفنة المطبّلين من جماعة “اللّه ينصر من صبحْ”، بل الجمهور الواسع من المواطنات والمواطنين، ينتظرون بديلا آخر واضحا يقطع مع تجاربهم المؤلمة ويطمئنهم من أنّه لن يعاد إنتاجها وهو ما يقتضي أنّ من له حسابا مع الشعب عليه أن يتقدّم به إليه وهذا الأمر ليس من باب التّرف بل إنّه شرط لا غنى عنه لقطع أيّ خطوة إلى الأمام. ومن لم يفهم ذلك من دعاة “أعطيك نتلمّو” فإنّه لا يدرك مقتضيات الساعة وفي مقدّمتها مقتضيات استعادة ثقة الشعب إذا كان ثمّة إيمان حقيقي بأنّه هو من يصنع التّغيير ويقلب الموازين لا “اللمّات الفوقيّة المرمْرمة” بعنوان “مواجهة العدوّ المشترك” ولا التّعويل على الخارج والأجهزة، كما أنّه لا يدرك أنّ سرّ نجاح بعض تجارب العمل المشترك في عدّة بلدان يعود إلى أنّ الأطراف التي تجمّعت مع بعضها قامت بتوضيح أمورها قبل ذلك تقييما وبرنامجا. وفي هذا السّياق فإنّ منطق “كلّنا مسؤولون” ما هو إلّا محاولة لتعويم المسألة والتّهرّب من المسؤوليّة. إنّ من كان في السّلطة هو الذي كان يرسم الاختيارات والتوجّهات وينفّذها وهو ما يجعل منه المسؤول الأوّل عن نتائجها أمّا من كان يعارضه ويحذّر وينبّه فلا مسؤولية له وحتّى إن كانت له مسؤولية فهي ربّما في كونه لم يقم بالجهد اللّازم أو لم تكن له القوّة اللازمة لإسقاط تلك الاختيارات وسدّ الباب أمام الانقلاب الشعبوي.
وهكذا فإنّه في حال غياب تعاط جدّي مع الوضع الذي نحن فيه فإنّ الأمور ستسير نحو تكرار نفس المأساة ليكون تاريخ بلادنا السّياسيّ تكرارا مهزليّا لنفس الشيء. ويعود الناس من جديد إلى استعمال الأقوال التي تُحبط وتبرّر الخنوع مثل “اللّه يرحمك يا رجل أمي الأوّل” و”شد مشومك لا يجيك ما أشوم منّو” و”أخطى راسي واضرب” أو “خلّي أهل البلاء في بلاه” أو “هالبلاد ما تقوملهاش قايمة”.
إنّ حزب العمّال له من التجربة ما يجعله يفتخر بكونه كان على الدوام وما يزال وسوف يبقى نصيرا للحقوق والحريّات بشكل مبدئي ثابت لا على مستوى القول فحسب وإنّما على مستوى الفعل أيضا وهو في هذا المجال لا يستحقّ دروسا من أحد ومن باب أولى وأحرى ممّن سجلّه في هذا المجال لا يؤهّله لذلك، ولن تفلّ فيه لا ضغوط أنصار الانقلاب الذين يتّهمونه بالتواطؤ مع حركة النهضة والدساترة لأنّه يدافع عن دولة الحقّ ولا ضغوط الأطراف الأخرى من قوى اليمن الدينيّ والليبرالي والإصلاحي التي تبحث عن “لمّ الشمل” بأيّ ثمن، ممّا يؤدّي إلى تبييض هذا الطرف السياسي أو ذاك وغضّ الطرف عن أفعاله التي أجهضت الثورة وجاءت بالاستبداد الشعبوي إلى السّلطة. فكما أنّ دعم الاستبداد بدعوى التصدّي لهذا الخصم السياسيّ أو ذاك يؤدّي إلى التذيّل للاستبداد وتبرير جرائمه والإطالة في عمره فإنّ الانخراط الأعمى في أيّ ائتلاف يمينيّ، ديني ليبرالي، معارض بدعوى أنّ الوقت ليس للتباينات وليس للتقييم وتحميل المسؤوليات لن يؤدّي إلّا إلى التذيّل له والمساهمة في إيقاع الشعب التونسي في شرك دكتاتورية جديدة.
ومن المضحكات المبكيات أنّ معظم هؤلاء الذين يزايدون اليوم على حزب العمّال ويحاولون إعطاءه دروسا في” التكتيك السياسي” متظاهرين بالراديكاليّة، كانوا جميعا في البداية من مؤيّدي انقلاب 25 جويلية 2021 ولم ينفضّوا من حوله إلّا بعد مدّة وفيهم من ما يزال إلى اليوم يدعو قيس سعيّد إلى “الحوار” وهم لا يريدون أن يفهموا أنّ المعارضة معارضات وأنّ من حقّنا أن نسلك طريقا مستقلّا وذلك هو معنى الديمقراطيّة. فأنت حرّ في التّعبير عن موقفك السياسيّ بالشّكل الذي تراه مناسبا ونحن أحرار في التّعبير عن موقفنا السياسيّ بالشّكل الذي نراه مناسبا. نحن مع حريّة الجميع في التّعبير عن آرائهم وفي التنظّم وفي التّظاهر ونريد أن نصارع خصومنا في السياسة وهم أحرار لا سجناء كما أنّنا نريد مصارعتهم بأسلحة فكريّة وفكريّة فقط دون عنف أو ترهيب أو تكفير أو تحريض أو تخوين، وندين سلطة الاستبداد التي تنتهك هذه الحقوق والحريّات وتستعمل نفس أساليب التشويه والتشهير التي استعملها أسلافها الذين تدّعي أنّها جاءت لمقاومتهم وإراحة الشعب منهم. فالانتصار إلى الحريّات ليس معياره أن أتحالف معك أو أن أصطفّ وراءك والعكس بالعكس، فمن حقّك أن تختار حلفاءك كما أنّه من حقّنا أن نختار حلفاءنا وفق الشروط التي نقتنع بها في ظرف معيّن علما وأنّ لنا تجارب عديدة ماضيا وحاضرا في العمل المشترك وقامت كلّها على الوضوح رغم ما فيها من نقائص وهنات ورغم ما تخلّلها من نجاحات وإخفاقات. لا تُحاسِبْني على عدم مشاركتك نشاطا ما لسبب سياسيّ أراه من جهتي وجيها، بل حاسبْني عمّا إذا كنت لا أدافع عن حقّك في ذلك النشاط أو إذا كنت أسكت عن انتهاك حقك فيه أو أقبل أن يَطالك الظّلم. حاسبني إن كان همّي أن أركّز في معارضتي عليك أنت لا على نظام الاستبداد الذي يجثم بكلكله على المجتمع ويمارس الظلم على الجميع ولكن لا تحاسبني عن تبايناتي معك وعن حقّي في إقناع الشعب بأنّك لن تحرّره باختياراتك النيوليبرالية المتوحّشة من التبعيّة والاستبداد والاستغلال والفقر والبؤس (والمسألة ليست مسألة نظريّة بل خبروك فيها لسنوات أو عقود)، فنحن في حزب العمال نتّعظ بالتاريخ ولا نريد لشعبنا أن يجد نفسه مجدّدا يدور في دائرة مفرغة. هذا ما لا يفهمه بعض منتقدينا اليوم بل إنّهم لا يفهمون في النهاية أنّه لا يمكنهم الادّعاء بالدّفاع عن الحريات بأساليب تتنافى معها كما لا يمكنكم الادّعاء بمقاومة قيس سعيّد بأساليب قيس سعيّد نفسها “يا معايا يا إنت ماكش ديمقراطي” بهدف جرّ الجميع في استقطاب جديد يمين/يمين يكون الشعب هو الخاسر فيه، بل إنّهم لا يفهمون أنّ “اللمّات الغامضة” لن تحقّق ما يُرفع لها من شعارات وهي التحرّر من الاستبداد لأنّها لن تقدر على تجميع الشّعب، الذي يفترض أن يكون صانع ذلك الإنجاز، حولها.
حزب العمّال لا يحتاج إلى دروس ممّن هم في حاجة إليها
إنّ حزب العمّال وقف في وجه انقلاب 7 نوفمبر 1987 قولا عملا ورفض سنة 1988 التّوقيع على الميثاق الوطنيّ ووجد نفسه وحيدا تقريبا في هذا الوضع ولكنّه لم ينثن وتصدّى لكلّ الهجومات البائسة التي طالته من قبيل اتّهامنا بالتطرّف (أنتوما ديما ضدّ، أنتوما ما يعجبكم شي) وعدم الواقعيّة والتمسّك بالشّعارات القُصْوَوِيّة الفارغة وعدم مراعاة مصلحة البلاد إلى غير ذلك من الترّهات. وبعد سنوات اقتنعت الغالبيّة، بعد أن طالتها عصى القمع والتّهميش وحتّى التّنكيل ممّا كانت تسانده وتدعو إلى السّير وراءه)، بطبيعة ذلك الانقلاب الدكتاتوريّة وبكذب شعار “لا ظلم بعد اليوم” و”لا رئاسة مدى الحياة”. وللتّاريخ لا أحد من المعنيّين، أفرادا وأحزابا ومنظّمات، نقد ذاته بعمق ونزاهة واعتبر أنّه أخطأ بل كان الجميع يردّد: “تغيير 7 نوفمبر كان ضروريّا لكنّ بن علي انحرف به” متناسين أنّ أيّ تحليل ملموس للسّياق الذي جاء فيه ذلك الانقلاب يبيّن لكل ذي بصيرة أنّه جاء لإنقاذ النظام وليس لإحلال الديمقراطيّة. ولكن ذلك هو حال كلّ القوى السياسية التي لا تنقاد بمبادئ ولا تقيم علاقتها بالشعب على أساس واضح ونزيه ولا يوجد في تقاليدها مبدأ النّقد والنّقد الذّاتي.
أمّا بعد الثورة فإنّ حزب العمّال ظلّ متمسّكا بأهدافها، مساندا لمطالب الشّعب. وفي هذا السياق عارض الحكومات المتعاقبة زمن الترويكا ثمّ زمن تحالف “النداء/النهضة” فتحالف “النهضة/قلب تونس” وبيّن باستمرار سعي تلك الحكومات المحموم إلى الالتفاف على الثّورة وإدارة الظّهر إلى مطالب الشّعب وخدمة مصالح الأقليّات المافيوزيّة وإغراق مؤسّسات الدّولة والمجتمع في الفساد والمحسوبيّة ومفاقمة التبعيّة للخارج في كافّة المستويات علاوة على زرع بذور العنف والإرهاب التي أدّت إلى الاغتيالات السياسيّة وعلى رأسها اغتيال الشهيدين شكري بلعيد والحاج محمد البراهمي. وقد تعرّض نتيجة ذلك (كما تعرّضت الجبهة الشعبيّة التي ساهم في تأسيسها) إلى حملات تشهير وتشويه وتحريض عديدة بما فيه من قبل أطراف ساهمت في تلك الحكومات وهي تزايد اليوم على حزب العمّال وتتظاهر بتقديم الدروس إليه وهي لا تملك الجرأة على مراجعة نفسها أمام الشعب بعد أن تبيّن أنّها ساهمت بشكل أو بآخر في إعداد الأرضيّة الملائمة لبروز الشعبويّة الفاشيّة.
وفي يوم 25 جويلية 2021 صدح حزب العمّال بموقفه معتبرا ما أقدم عليه قيس سعيّد انقلابا بينما غالبيّة الأطراف الأخرى إمّا هلّلت به أو في أفضل الحالات ساندته مساندة نقديّة. وها إنّ الحياة بيّنت مرة أخرى سلامة موقف حزب العمّال الذي لم يكتف بإعلانه بل كرّسه في ممارسته ولم ينخدع لا بدستور 2022 ولا بانتخابات برلمان الدمى سنة 2023 أو بانتخابات 2024 الرئاسية التي أسالت لعاب العديد الذين انتابهم الوهم بأنّهم سيغيّرون الحالة بالمشاركة في المهزلة ولم يعيروا دعواتنا إلى مقاطعتها لعزل سلطة الانقلاب أكثر ما يمكن وعدم لعب دور ديكور لها ومساعدتها على الرّفع في نسبة المشاركة بل إنّهم سخروا منّا إلى أن وجد كلّ المترشّحين أنفسهم على الهامش هذا إن لم يجد البعض منهم أنفسهم في السّجن أو ملاحقين بتهم عدّة. فهل قرأتم، أيّها النّاس، مواقف ينتقد فيها أصحابها أنفسهم وهل سمعتم أكثر من أنّ “ما وقع يوم 25 جويلية كان أمرا لا بدّ منه ولكنّ قيس سعيد زاغ به عن هدفه واستولى عليه لنفسه” أو “إنّنا شاركنا في الانتخابات لأنّها السبيل الوحيد لتحريك الوضع وإقامة الحجّة على سعيّد” الخ… وحتّى المتضرّرون من الانقلاب حاولوا بكلّ الوسائل في البداية إرضاء قيس سعيّد ودعوته إلى الحوار والتفاهم ولكنّه لم يُصغ إليهم واستغلّ تردّدهم للمضيّ قدما في تصفية مكتسبات الثورة الديمقراطيّة وإلغاء دستور 2014 التي شرّعها. أفلا يتواضع بعض الناس ويكفّون عن إعطاء الدروس والحال أنّهم أحوج إليها ويراجعون مواقفهم أمام العموم إذا كانوا حقّا يعتبرون الشعب مصدر الشرعية الديمقراطيّة؟
إنّ الانتصار إلى الحقّ ورفض الظلم واستهداف الحريات العامّة والفرديّة من خلال استهداف مختلف الوسائط التي تتحقّق بها من أحزاب وجمعيّات ومنظّمات ووسائل إعلام بذرائع مختلفة لا يعني طمس التّناقضات والتّباينات الجوهريّة والعميقة مع هذا الطرف أو ذاك خاصّة من يتحمّل مسؤولية فيما نحن عليه اليوم ونعني حركة النهضة في المقام الأول التي ظلّت حاضرة في الحكم لمدة عشرية كاملة، وكما لا يعني بالضرورة التّحالف أو العمل معه تحت شعار وحدة وطنيّة زائفة لا تقنع الشعب في شيء ولا تفتح على أفق تحرّري وديمقراطي بحق. ينبغي أن تكون خطوط التباين واضحة، قولا وممارسة، كما ينبغي أن تكون أسس أيّ عمل مشترك واضحة أيضا أمام الشعب التونسي الذي مجّ بمعنى ما السّياسة والسياسيّين لأنّه أصبح لا يرى فيهم، حسب تجربة عشر سنوات من حكم اليمين الدّيني الليبرالي وإفساده للحياة السياسيّة وتعفينها، (وهو ما عارضناه وقاومناه كما ذكرنا بكل قوة في كافة السّاحات -الشارع، البرلمان، الحركة النقابية والطلابيّة…- واتُّهمنا من أجل ذلك بما لا يُتصوّر من التّهم وتعرّضنا لشتى التشويهات بنفس أساليب منظومة اليوم)، سوى كتلا تتصارع على الحكم من أجل تحقيق مصالحها الأنانيّة واستعماله كبش فداء لا غير وهو ما دفع فئات واسعة منه إلى الارتماء ذات مساء 25 جويلية 2021 في أحضان الشعبويّة الاستبدادية، الفاشية ولا نعتقد أنّه من الممكن تغيير وعيه اليوم بصورة عميقة وجدّية دون التباين بل القطع مع ما ساد في السّابق وتقديم تصوّرات وبرامج واضحة تخدم مصلحته العامة ولا تقف عند حدّ الحريات الفردية والعامّة وإنّما تشمل أيضا الحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة والبيئيّة إذ لا فصل بين هذه وتلك.
لقد ساهم حزب العمّال في عدّة تجارب عمل مشتركة سواء قبل الثّورة أو بعدها. وهو يساهم إلى اليوم في بعض التّجارب مثل الشّبكة التّونسيّة للحقوق والحريّات كما أنّه لا يتوانى عن المساهمة في تحرّكات ميدانيّة مشتركة ضدّ القمع وهو يدافع عن ذلك أمام الملأ لأنّه مقتنع بما يفعله تمام الاقتناع ولأنّه يرى فيه ضرورة يقتضيها الواقع. ولكنّ حزب العمّال اليوم كما بالأمس يعتبر أنّ للعمل المشترك، في أيّ مستوى من المستويات، قواعده وضوابطه وفي مقدّمتها الأرضيّة السياسيّة والبرنامج اللّذين ينبني عليهما ذلك العمل ويتمّ الالتزام بهما قولا وفعلا. لأنّ في غياب ذلك سيكون الخاسر الحقيقي هو الشّعب التّونسيّ أوّلا والقوى الثوريّة والديمقراطيّة والتقدميّة ثانيا. وفي هذا السّياق فإنّ حزب العمّال يضع صلب اهتماماته وحدة القوى الدّيمقراطيّة التّقدميّة والثوريّة من أجل التخلّص من الاستبداد على أسس صلبة وسليمة وهو ما سيسمح لها بأن تشكّل قطبا مستقلّا، وازنا، يكسر محاولات فرض استقطاب ثنائي جديد، يمين شعبوي/يمين ديني ليبرالي، ويطمح إلى الحكم وإلى تنفيذ برنامجه الذي يجد فيه الشعب تجسيدا لشعار ثورته المركزي “شغل، حريّة، كرامة وطنيّة”. وما من شكّ في أنّ الأوضاع يمكن أن تطرح في الأثناء التقاءات وتقاطعات ظرفيّة حول قضايا محدّدة لكن حتّى هذه الالتقاءات والتّقاطعات ينبغي أن تُبنى على الوضوح في أفق التقدّم بالحركة لا الالتفاف عليها عن طريق “الغَمّة”.
وفي الختام
إنّها فرصة للنّقاش والجدل بعيدا عن الأساليب الهابطة الرائجة اليوم والمستوحاة من قاموس سقط متاع الحشود الفاشية بمختلف تلويناتها مدفوعة الأجر. واليوم كما بالأمس فإنّ حزب العمّال وهو يحدّد خطوط التّباين بينه وبين خصومه السّياسيّين سيظلّ على الدوام خصما أبيّا للظّلم مهما كان مصدره ومهما كانت ضحيّته وهو لن يكون أهلا للبقاء إذا مدّ يوما يده إلى/أو وضعها في يد ظالم مستبدّ. “ليس في قضيّة الحريّة حلّ وسط”، “الحريّة حقّ مشاع لبني الإنسان وغاصبها مجرم” هكذا قال المناضل المغربي الكبير محمّد عبد الكريم الخطّابي.
الحرّيّة لمعتقلات/معتقلي الرّأي
الحريّة للشّعب التّونسي
يسقط الانقلاب، يسقط الاستبداد
تنتهي الأحداث وتبقى الدّروس
تونس، في 10 ديسمبر 2025
صوت الشعب صوت الحقيقة
