تتصاعد مخاطر الحرب في منطقة الكراييب وجنوب القارّة الأمريكية بعد التهديدات المتكررة والاستفزازات المستمرة الصادرة عن مجرم الحرب ترامب الذي يسرع الخطى لإعادة ترتيب الأوضاع في العالم واستعادة ما فقدته الإمبريالية الأمريكية في السّنوات الأخيرة من نفوذ في عدة مناطق في مواجهتها مع القوى الإمبريالية الصاعدة. فمنذ اليوم الأول من عودته إلى البيت الأبيض، في نهاية جانفي المنقضي، تدخّل ترامب في كلّ مكان تقريبا وحشر أنفه في كل الملفّات العالقة أو الجديدة المرتبطة بتطوّر الصراع صلب قوى الهيمنة. ومن الملفات التي أعلن ترامب منذ حملته الانتخابية مباشرتها هو ما شهده جنوب القارّة الأمريكية من تغييرات أوصلت حكومات مناهضة، بهذه الدرجة أو تلك، للهيمنة الأمريكية، وهي تغييرات شملت في السنوات الأخيرة عديد البلدان التي ظلت لعقود مستعمرات أمريكية جديدة وآخرها كولومبيا التي كان نظامها في السابق من متصدّري نهج التبعية ممّا حوّلها إلى قاعدة متقدمة للتدخل والعدوان والتآمر.
لقد أعاد ترامب، مثل كل أسلافه، أسطوانة استهداف فنزويلا باعتبارها رأس حربة الأنظمة الفالتة عن القبضة الأمريكية والتي تسرّبت عدوى مواقفها لبقية الأقطار التي أصبح يحكمها اليسار الإصلاحي المناهض للسياسات الأمريكية المعربدة، وها هي الشيلي تحث الخطى نحو صعود مرشحة تحالف اليسار في الدور الثاني الذي ينتظم قريبا. إنّ استهداف فنزويلا، إضافة إلى كونه يعكس طبيعة التعاطي الإمبريالي مع سيادة الدول والشعوب، فإنه يهدف إلى توجيه رسائل إلى الأنظمة “المتنطعة” في نظر اليانكي الأمريكي بأن مصيرها سيكون العدوان إن تمسّكت بتوجهاتها الوطنيّة المستقلة نسبيّا. كما أن الخاص والعام يعي أن الوجه الآخر للصراع مع فنزويلا هو الصراع حول ثروة النفط التي تحوزها أراضيها والتي ظلت لعقود تحت سيطرة الاحتكارات الأمريكية، لكن وصول هوغو شافيز إلى الحكم في فنزويلا أنهى هذه السيطرة بتأميم قطاع النفط مثل عديد القطاعات الحيوية الأخرى، وهو ما واصله الرئيس مادورو التي طوّر علاقاته مع منافسي واشنطن، أي بيكين وموسكو، ومع بعض القوى الأخرى الخارجة عن السيطرة الأمريكية مثل إيران، ممّا أضر بمصالح الشركات الغربية والأمريكية أساسا.
كلّ ذلك غذّى مخططات التآمر لضرب فنزويلا وإسقاط نظامها بهدف السيطرة عليها وإرجاعها إلى الزريبة الأمريكيّة. وقد استمرّت الإدارة الأمريكية لسنوات في اعتماد حجة دكتاتورية نظام مادورو ومعاداته للديمقراطية معتمدة على الجناح اليميني المتطرف في المعارضة كأداة لتنفيذ مخطط ضرب النظام من الداخل، لكن ذلك فشل فشلا ذريعا رغم مليارات الدولارات المخصصة وآخرها إسناد جائزة نوبل للسلام إلى المعارضة اليمينية المتطرفة “ماريا ماتشادو” المعروفة بدعمها اللامشروط للكيان الصهيوني. ولمّا لم يثمر ذلك شيئا يذكر وخاصة أمام التفاف الشعب الفنزويلي حول قيادته في رفضها للهيمنة والتدخل الخارجي، اتّجه ترامب إلى اعتماد تعلة جديدة/قديمة هي “تورّط فنزويلا في التجارة العالمية للمخدرات” مدّعيا أنّ الولايات المتحدة “تضرّرت” من ذلك وهو ما يعطيها “الحقّ”، في نظره، في العدوان على دولة فنزويلا لـ”حماية أمنها القومي”. وها هي القوات المسلحة الأمريكية تنظم إنزالا إجراميا استعراضيا على باخرة في عرض المحيط الأطلسي دون أيّ اعتبار لسيادة الدول والقوانين الدولية، وها هي تلوّح بتنظيم الإنزال القادم على أرض فنزويلا لإسقاط نظامها ووضع اليد على نفطها وثرواتها. هذا وقد أعطى ترامب تفويضا لجيشه ومخابراته “للتصدّي لتجارة المخدّرات في جنوب القارة الأمريكيّة” ليكون ذلك تعلّة للاعتداء على مناوئي الهيمنة الأمريكية وفي مقدّمتهم نظام كولومبيا الذي تحدّى رئيسه عنجهية رعاة البقر في عقر دارهم بفضح تواطؤهم مع العدوان الصهيوني على فلسطين.
إنّ المجرم ترامب يدق طبول الحرب في منطقة الكراييب وجنوب القارة، كما يستأنف إجرام دولته في التدخل والعدوان ومصادرة سيادة الشعوب والأوطان. إن الإمبريالية، كما كانت دوما، هي خطر على الشعوب وعلى كرامتها وحريتها. وهي خطر على السلم العالمي، فمن أجل الثروة والمال هي مستعدة لتدمير كل العالم وهو ما يجري في أماكن عديدة منه. إنّ حزب العمال يدين هذه العنجهية ويعبّر عن تضامنه مع فنزويلا ومع شعبها الصامد في وجه الحصار والاستهداف ومع كل الشعوب والبلدان الأخرى المستهدفة في المنطقة. إن الطّريق الأقصر لتحرّر شعوب أمريكا الجنوبية هو وحدتها وصمودها في وجه ترامب الذي لا يرى في أمريكا الجنوبية سوى حديقة خلفية لإدارته الاستعمارية. وكما انتفضت هذه الشعوب ضدّ كل الغزاة، ستنتصر اليوم على مجرم الحرب ترامب. إن أبناء شافيز وأحفاد بوليفار سينتصرون كما ستنتصر قضية الطبقة العاملة والشعوب التائقة للتحرر في أمريكا الجنوبية وفي كل العالم.
صوت الشعب صوت الحقيقة
