ثنائية “الدولة والمليشيات”، صراع نفوذ عسكري ومالي معقّد يحول دون بناء مؤسّسات قويّة
غياب الشرعية وعدم وجود سلطات منتخبة يؤزّم المشهد، والتدخلات الأجنبية تعرقل الحلول وتعزّز الانقسامات
بقلم سمير جراي
بالنسبة لنا كمتابعين للأوضاع السياسية والعسكرية من داخل العاصمة طرابلس لم تكن الاشتباكات والفوضى الأمنية التي حدثت منذ ثلاثة أيام مفاجئة، كانت جميع المؤشرات تدلّ على مواجهة مسلحة مباشرة قريبة ستندلع بين حكومة الدبيبة والأطراف العسكرية الداعمة لها من جهة وبقية الأطراف السياسية والعسكرية المعارضة لها، لعدة أسباب سنحاول شرحها تباعا.
تزايد الخلافات بين الدبيبة وحلفائه ومحاولات بسط النفوذ العسكري والسياسي
ثلاثة أيام ساخنة عاشتها العاصمة طرابلس عقب مقتل رئيس “جهاز دعم الاستقرار” عبد الغني الككلي (غنيوة)، تطورت بعدها الأحداث إلى اشتباكات مسلحة عنيفة بين داعمي الدبيبة ومعارضيه. ويسعى رئيس حكومة الوحدة الوطنية إلى بسط نفوذه على العاصمة وكامل المنطقة الغربية (من مصراتة إلى رأس جدير) مستندا إلى شرعية دولية مؤقتة واعتراف أممي مهزوز. في المقابل تبرز بعض التشكيلات المسلحة في حالة صراع بينها من أجل تعزيز قوتها وسيطرتها داخل طرابلس وخاصة في المناطق الحيوية (مطار معيتيقة، مطار طرابلس الدولي، ميناء طرابلس، شركة الكهرباء، منشآت ومقرات حكومية وإدارات مالية…) والأحياء الشعبية الكبرى، واتباع سياسة فرض الأمر الواقع والتفوق العسكري على الحكومة. هذه المليشيات المسلحة تتبع شكليا (على الورق) إمّا الحكومة (وزارتي الدفاع أو الداخلية) أو المجلس الرئاسي، لكنها واقعيا تمارس سلطتها الفعلية حسب أهواء ومصالح المتحكمين فيها. وهذا هو الإشكال الرئيسي في ليبيا، فكل حكومة تمسك بزمام الأمور منذ 2011 تجد نفسها مجبرة على التعامل مع هذه القوات أو التشكيلات أو المليشيات، فهي التي تؤمّن وجودها في العاصمة وكل الحروب التي حدثت كانت بسبب إمّا خلاف بين رؤساء هذه الأجهزة والحكومة أو خلافات بين هذه الأجهزة نفسها على مناطق النفوذ والسيطرة. يوجد اليوم في طرابلس أربع تشكيلات مسلحة كبرى وهي:
قوة الردع الخاصة، يرأسها عبد الرؤوف كارة وهو سلفي مدخلي، وتتبع شكليا المجلس الرئاسي وتعتبر غير نظامية،
اللواء 444 قتال، يرأسه محمود حمزة وهو رئيس الاستخبارات العسكرية، ويتبع رئاسة الأركان العامة للجيش، وزارة الدفاع بحكومة الدبيبة ويعتبر نظامي،
اللواء 111 ينضوي تحت جهاز يتبع “ركن حرس الحدود والأهداف الحيوية” ويتبع رئاسة الأركان العامة للجيش، وزارة الدفاع بحكومة الدبيبة، ويرأسه عبد السلام زوبي وهو وكيل وزارة الدفاع،
جهاز دعم الاستقرار، يرأسه عبد الغني الككلي المعروف بغنيوة، ويتبع شكليا المجلس الرئاسي ويعتبر غير نظامي.
من هو عبد الغني الككلي؟ ولماذا قُتل؟
عبد الغني الككلي (غنيوة) هو رئيس “جهاز دعم الاستقرار” وهو من التشكيلات المسلحة الأربع الكبرى التي تسيطر على طرابلس، والككلي رجل مدني كان يشتغل في فرن نشأ في بنغازي وعاش شبابه في درنة، برز سنة 2011 من خلال مشاركته في الثورة، وبعد سقوط النظام شكّل قوة مسلحة في حي أبوسليم، وتعاضمت قوّته المسلحة التي ساهمت بشكل كبير في عملية فجر ليبيا عام 2015، وخلال سنوات تغيّر اسم تشكيله المسلح عدة مرات، أبرزها “قوة الأمن المركزي” منحته حكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج منذ العام 2016 شرعية وصلاحيات أمنية واسعة لوقوفه معها وتأمينها أثناء دخولها لطرابلس، تمكّن حتى عام 2019 من مدّ نفوذه داخل أغلب أحياء وسط طرابلس.
وشارك الككلي كقوة أساسية في “عملية بركان الغضب” التي تصدّت لدخول حفتر إلى طرابلس 2019 و2020.
سنة 2021 شرعن المجلس الرئاسي مليشيا الككلي تحت اسم “جهاز دعم الاستقرار”، وبسبب ولائه لحكومة الوحدة الوطنية تمكّن الككلي من بسط سيطرته على عدة مناطق خارج طرابلس، ومدن أخرى جنوب وغرب وشرق طرابلس مثل غريان وزليتن.
أصبح بعد ذلك اسمه حاضرا بشكل ملفت في دوائر السلطة، وتمكن من تعيين عدة مقرّبين منه في مراكز مؤسسات الدولة، وهو ما أدخله في خلافات حادة مع بقية التشكلات التي تحدثنا عنها، ومؤخرا أجرى اتصالات غير مباشرة ونُشرت له صور مع قيادات عسكرية تابعة لحفتر ما أُعتبر دليلا على وجود اتصالات غير معلنة مع قوات حفتر.
واتّهِم الككلي بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وتحدثت تقارير دولية عن ارتكابه بصفة مباشرة أوغير مباشرة جرائم القتل خارج نطاق القانون، الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري، التعذيب الجسدي والنفسي للمحتجزين، الاغتصاب والاستغلال الجنسي داخل مراكز الاحتجاز، ترهيب الناشطين والصحفيين، الابتزاز المالي والفساد المؤسسي.
كما ذكرت لجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة سنة 2022 أنّ “جهاز دعم الاستقرار” الذي يقوده الككلي متورط في جرائم قد ترقى إلى جرائم ضدّ الإنسانية.
منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش وثّقتا بالتفصيل حالات تعذيب واحتجاز نساء ومهاجرين في سجون سرية تابعة له، مثل اليرموك والرويمي، دون محاسبة.
كل هذه السطوة التي امتلكها “الحاج” جعلته يتمرّد على حكومة الدبيبة ودخل معه في خلافات منذ سنتين تقريبا وقام الككلي بعدة أعمال ضدّ الحكومة منها السّيطرة على مقار حكومية واختطاف مسؤولين، ما دفع الدبيبة إلى اتخاذ قرار إبعاده وحلّ جهازه العسكري.بحسب معلوماتنا، دعا أحد القيادات العسكرية من التشكيلات الأخرى الككلي إلى اجتماع بمقر أحد المعسكرات في طرابلس، بحضور عدد من قيادات المجموعات المسلحة بغرض تهدئة التوترات الأمنية، ولعدم اتفاقهم حدثت مشاجرة واشتباك مسلح بين حراس القيادات وقُتل الككلي ولم تُعرف أسماء القيادات الأخرى التي حضرت الاجتماع، لكن المعلومات أكدت أنهم تابعين للواء 444، واللواء 111 الموالين للدبيبة ما جعل أصابع الاتهام توجه للدبيبة في تصفيته.
إثر هذه العملية اندلعت اشتباكات مسلحة عنيفة بين القوات التابعة لوزارة دفاع الدبيبة وعناصر “جهاز دعم الاستقرار”، ولأن مقتل غنيوة أثّر معنويا وعسكريا على وحدة جهازه انهار مقاتلوه بسرعة غير متوقعة وسيطرت قوات اللواء 444 واللواء 111 على مقراته وآلياته.
يعتبر ما حدث إلى حدّ اللحظة انتصارا للدبيبة على حليفه القديم وخصمه الجديد، ومن الطبيعي أن يرى في انتصاره فرصة سانحة للإطاحة ببقية أعدائه الجدد من التشكيلات التي لا يضمن ولاءها الكامل، ومن هنا يتجه نظره إلى قوة الردع الخاصة، إلا أنّ المعطيات المقدمة له لم تكن بالدقة اللازمة ولا ببعد النظر، واستهان بخصمه الذي يسيطر على مناطق شعبية كبرى (سوق الجمعة المعروفة بثقلها السكاني وأعيانها) ومرافق حيوية مثل مطار معيتيقة والميناء، ومن هنا بدأت مواجهة الليلة الثانية.
لنعد قليلا إلى الوراء، منذ أشهر حدث صراع مسلح بين قوة الردع (عبد الرؤوف كاره) واللواء 444 (محمود حمزة) ويعتبر حمزة “ابن كاره تنظيميا” حيث كان يقود فرقة عسكرية تسمّى (20-20) قبل أن ينشقّ عنه ويتولى قيادة اللواء 444، هذا اللواء من ناحية أخرى موال لتركيا بشكل كبير حيث يعتمد عليه الأتراك في رسم خريطة السيطرة العسكرية والسياسية في المنطق الغربية، وتلقى دعما عسكريا وتدريبات مكثفة عالية الحرفية لعناصره، في مقابل ولاء قوة الردع الخاصة للمخابرات البريطانية. يمكن هنا أن نشير إلى بعض المعطيات حتى نتبين طبيعة المصالح والخلافات بين القوتين، فمنذ سنتين تسعى حكومة الدبيبة إلى إعادة تهيئة وتطوير مطار طرابلس الدولي الذي دُمّر في حرب “فجر ليبيا” خلال المعركة بين قوات مصراتة بقيادة صلاح بادي آنذاك وقوات الزنتان، (الآن قوات مصراتة والزنتان متحالفتان وتدعمان الدبيبة بحكم أن الأخير من أبناء مصراتة ووزير داخليته عماد الطرابلسي من الزنتان، باستثناء اللواء أسامة الجويلي الزنتاني الذي قاد غرفة عمليات المنطقة العسكرية الغربية ضدّ حفتر أثناء حربه على طرابلس سنة 2019 وهو الآن موال لحفتر ضدّ مصراتة وحكومة الدبيبة) إلا أنّ قوة الردع الخاصة تعرقل هذا المشروع لأنه سيؤول للأتراك بما أنّ الشركات العاملة على تطويره وتشغيله وتأمينه تركية وبالتالي ستفقد قوة الردع أحد أهم مراكز نفوذها الاستراتيجي والمالي وهو مطار معيتيقة في حال افتتاح مطار طرابلس الدولي.
فالخلاف إذن استراتيجي وعميق بين اللواء 444 وقوة الردع وهو ما سرّع في الأحداث مع رغبة كل منهما في إنهاء الآخر، وسارع الدبيبة إلى اتخاذ القرار بإنهاء وجود “الردع” وأصدر حزمة قرارات بحلها وحل كل الأجهزة التي تتبعها والإدارات التي تتحكم بها، وهنا كانت القطرة التي أفاضت الكأس بالنسبة للردع ورأت في القرارات إنهاء لوجودها فسارعت بعملية استباقية واندلعت المواجهة المسلحة ليلة الاثنين أُسْتُعْمٍلتْ فيها كل أنواع الأسلحة.
استبسلت “قوة الردع” في الدفاع عن مقراتها ومناطق سيطرتها وكبّدت القوات التابعة للدبيبة خسائر وانسحبت من عدة نقاط سيطرت عليها، والأهم أنّ “قوة الردع” تمكنت من إقناع عدة كتائب أخرى (كانت تعاديها وتختلف معاها عقائديا وسياسيا) من مدن مثل الزاوية وغريان وزوارة وصبراتة وإقناع قيادات مليشياوية بالالتحاق بصفوفهم، وفعلا وصلت عدة كتائب مدججة بالسلاح من مدينة الزاوية (غرب طرابلس) إلى العاصمة وقلبت المعادلة العسكرية لصالح قوات الردع.
نجاح قوة الردع في توحيد هذه الكتائب والجماعات ضدّ حكومة الدبيبة يعود إلى سببين رئيسيين:
أولا، أنّ الدبيبة لم يغدق الأموال والوظائف على هذه المجموعات مثلما فعل مع غيرها، وهي تريد الإطاحة به ليأتي غيره يكون لها الفضل في حمايته وترتزق من وجوده، وثانيا أنّ هذه المليشيات ترى في الدبيبة خطرا حقيقيا يهدد وجودها من خلال سعيه لحلّ كل التشكيلات غير النظامية التي لا تتبع وزارة الدفاع أو وزارة الداخلية.
تواصلت الاشتباكات في كل مناطق طرابلس من جنزور غربا حتى تاجوراء شرقا وعين زارة جنوبا، حتى صباح الأربعاء، ولحسن الحظ لم تسجّل إصابات في صفوف المدنيين وقتل نحو عشرة عناصر من المسلحين.
لصالح من تجري الأوضاع؟
لم يحقق الدبيبة غايته بل انعكست الأوضاع ضدّه بتوحيد عدة كتائب تهدف للإطاحة به واكتسبت قوة عسكرية موحدة وهو ما يجعلها ترفع من سقف مطالبها في المفاوضات الجارية الآن، كما أنها ساهمت في خروج عشرات المتظاهرين ليل الأربعاء يطالبون باستقالة الدبيبة.
من ناحية أخرى برزت مدينة مصراتة التي ينتمي إليها الدبيبة والتي لم تدخل المعركة بكل ثقلها ورفضت الإطاحة بالحكومة إلا عن طريق انتخابات عامة، وهي التي ما زالت تعطي الدبيبة أملا في مواصلة الحكم وإيجاد توافقات معينة والإبقاء على هذه التشكيلات مع توزيع المهام والمناصب وعدم الدخول في مواجهات مباشرة حاليا.
من الأكيد أنّ هذه الحرب بين كل الأطراف المسلحة نظامية كانت أو غير نظامية لها تنسيق وترتيبات مع جهات أجنبية وخاصة الأمريكان والبريطانيين والإيطاليين والأتراك وبدرجة أقل الفرنسيين ويعتمد الدبيبة خاصة على تركيا والولايات المتحدة وإيطاليا وتربطه معهم مصالح تضمن بقاءه في السلطة مقابل مصالحهم الاقتصادية والاستراتيجية في المنطقة ولا يسعنا في هذا المجال الحديث عنها بإطناب وربما نعود إليها في مقال آخر.
جهود التهدئة ودخول المجلس الرئاسي بقيادة محمد المنفي على الخطّ
إثر الاشتباكات ومع تعالي الأصوات المنادية بضرورة وقف الاقتتال وتجنيب العاصمة ويلات الصراع المسلح أصدر رئيس المجلس الرئاسي قرارا ينص على إلغاء قرارات الدبيبة ذات الطابع العسكري (حل التشكيلات غير النظامية والتي تتبع الرئاسي بالأساس) وهو ما يفسّر حجم الضغط الذي مورس عليه خاصة من أعيان وقادة منطقة سوق الجمعة الذين اجتمع معهم في وقت سابق، إلا أنّ قرارات المنفي تبقى مجرد حبر على ورق فهو لا يمتلك إلا إصدار البيانات ولا قيمة لها أمام القرارات العسكرية من الأطراف المتداخلة في الصراع.
قوات محايدة تضمن اتفاق هشّ لوقف إطلاق النار
بما أنّ المعركة انتهت بلا غالب ولا مغلوب باستثناء الشعب الليبي الذي يعاني ويلات هذه الصراعات، فقد تدخلت قوات عسكرية تتبع رئاسة الأركان العامة للجيش بوزارة الدفاع التابعة للدبيبة ولكنها لا تواليه بالكامل، أي أنها تعتبر نفسها قوات عسكرية محايدة لا تتدخل في حروب سياسية، (التشكيلات المسلحة تعرف بعضها جيدا وتعرف كل تشكيل يوالي من) وتمركزت في خطوط التماس بالمناطق لمنع الاحتكاك وضمان وقف إطلاق النار.
يبقى هذا الاتفاق مرتبطا بمدى نجاح الاتفاقات التي ستنتج عن المشاورات الجارية حاليا بين مختلف الأطراف المحلية والدولية من أجل المرور إلى ترتيبات أمنية وعسكرية جديدة تعطي كل الأطراف تطمينات باستمرار وجودها وعدم إسقاطها.
معضلة حلّ المليشيات
من المهمّ أن نشير إلى أنّ ما يقوم به الدبيبة بغضّ النظر عن شرعيته أو مشروعيته السياسية يمكن وصفه بالتاريخي فلم تجرؤ أيّ حكومة منذ 2011 على الإقدام على حل المليشيات المسلحة التي لا تخضع إلى الدولة أو السلطة السياسية الموجودة حتى وإن كانت شرعيتها مطعون فيها، وتمسّك الدبيبة بضرورة أن تخضع كل التشكيلات إلى قوانين الدولة وأن تكون تحت سيطرة الأجهزة الرسمية وهو أمر محمود وإن كانت أهدافه سياسية وتندرج ضمن أجندات معينة. ففي رأينا أن تحتكر الدولة السلاح وتنهي سطوة المليشيات في ليبيا في الظروف الراهنة هو السبيل الوحيد للتقدم نحو مسار سياسي يفضي إلى إجراء انتخابات نزيهة وشفافة تضمن لليبيين حق اختيار من يقودهم، وهي المعضلة التي واجهت كل الحكومات منذ 2011 وظلت المليشيات وأمراء الحرب خارج سيطرة الدولة وهم من يتحكمون بزمام القرارات السياسية والعسكرية وبولاءات أجنبية لا تريد الاستقرار لليبيا.
حفتر وعقيلة صالح يراقبان لاقتناص الفرصة
في الجهة المقابلة يتابع حفتر من الجهة الشرقية ما يحدث في الغرب عن كثب ويرسم تحالفاته بناء على مصالحه وعلى المنتصر الذي يمكن أن يفتح له أبواب العاصمة والاستيلاء عليها وفرض سلطة العسكر والسلاح والأمر الواقع لكن ذلك لم يحن بعد فجميع المتصارعين الذين تحدثنا عنهم يرفضون حكم العسكر ومشروع حفتر للدولة وقد يتحالفون ضدّه ويتناسون خصوماتهم إذا ما حاول مرة أخرى الدخول إلى المنطقة الغربية.
أمّا مجلس النواب الذي يتحكّم فيه رئيسه عقيلة صالح بدعم من حفتر فإنه يرى فيما يحدث في طرابلس فرصة سانحة لإنهاء حكومة الدبيبة التي يسعى منذ عامين لإسقاطها، وقد حمّل في بيان له حكومة الدبيبة مسؤولية الأعمال العسكرية مطالبا جميع الأطراف بضرورة دعمه من أجل تشكيل حكومة موحدة لكل ليبيا وإسقاط الدبيبة الذي يرفض مغادرة السلطة إلا بإجراء انتخابات وفق ما نص اتفاق “تونس-جينيف” الذي أتى به إلى الحكم.
ويريد عقيلة صالح، الذي يتحالف مع الرئيس السابق لمجلس الدولة خالد المشري المنتمي إلى الإخوان من أجل البقاء في السلطة، تغيير الحكومة لتدوير فترة انتقالية أخرى عبر حكومة أخرى تدوم لسنوات ويحافظ مجلسا النواب والدولة على بقائهما في المشهد لأن أيّ انتخابات جديدة ستزيحهما بعد قرابة عشر سنوات من تحكّمهما في المشهد السياسي، ولا يكفينا المجال هنا للحديث عن الخلافات السياسية المعقدة والمصالح المتبادلة ودور مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة في الأزمة وربما نعود إليهما في مقال آخر.
لم نتوسع كثيرا في تفكيك المشهد الحالي نظرا لتعقيداته الكثيرة، ولكن حاولنا أن نوضّح المهمّ فالأهم من خلال الأحداث الأخيرة، وربما يتطلب تبيان المشهد كاملا مقالات عديدة لشرح تركيبة المليشيات والتشكيلات المسلحة والقوات النظامية والجهوية والمناطقية والقوات الأجنبية الموجودة في ليبيا فضلا عن الأزمة السياسية المركبة التي تراوح بين الجمود السياسي واستغلال الصراع المسلح لتحقيق مكاسب سياسية زادت الشعب الليبي معاناة وألما وفقرا.
صوت الشعب صوت الحقيقة
