الرئيسية / صوت العالم / قمّة الناتو بلاهاي أو قمّة الــ 5 بالمائة: تدعيم الآلة الحربية الامبريالية على حساب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للشعوب
قمّة الناتو بلاهاي أو قمّة الــ 5 بالمائة: تدعيم الآلة الحربية الامبريالية على حساب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للشعوب

قمّة الناتو بلاهاي أو قمّة الــ 5 بالمائة: تدعيم الآلة الحربية الامبريالية على حساب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للشعوب

بقلم منذر خلفاوي

التأمت القمة 32 لمنظمة حلف شمال الأطلسي يومي 24 و25 جوان بلاهاي عاصمة هولندا، وقد ضمّت إلى جانب الأعضاء الاثنين والثلاثين من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وكندا الدول الشريكة مثل استراليا واليابان وكوريا الجنوبية، وهي تنعقد في ظل تواصل الحرب الروسية الأوكرانية و بعد حرب الــ 12 يوما ضدّ إيران من قبل الامبريالية الأمريكية والكيان الصهيوني و الإعلان عن وقفها من الجانبين كما لا تزال آلة الدمار والإبادة ضد الشعب الفلسطيني متواصلة لتسفّه وعود ترامب الكاذبة لفرض اتفاق لوقف الحرب.

حلف الشمال الأطلسي ” الناتو” حلف الإجرام ضدّ الشعوب

تأسس الحلف سنة 1949 بواشنطن بعد الحرب العالمية الثانية وهزيمة الفاشية بهدف التصدي للتمدد الشيوعي للاتحاد السوفياتي وضمان هيمنة الإمبريالية الأمريكية سياسيا وعسكريا وسدّ الباب أمام عودة هيمنة ألمانيا والتصدي لنهوض وتطوّر القوى اليسارية كالجبهة الشعبية في فرنسا وإيطاليا الخ، وكذلك منع نموّ حركات التحرر الوطني بإفريقيا وآسيا وبالتالي ضمان التفوّق الأمريكي. ورغم الإعلان عن تفكك الاتحاد السوفياتي سنة 1992 فإنه لم يقع حلّ هذا الحلف بل بالعكس، ولتشريع وجوده كان لا بدّ من خلق ذرائع عدة مثل التصدي للتهديدات المحتملة ضدّ أوروبا و”العالم الحر” وذلك بمنع انتشار الأسلحة النووية والكيميائية والبيولوجية كما ادّعى أيضا مقاومة الإرهاب والحكومات الاستبدادية… الخ لزرع الخوف لدى الشعوب لتبرير مزيد التسلح خوفا من تقلص مرابيح شركات تصنيع الأسلحة التي تخشى استتباب السلم العالمي.
إنّ التوسّع المطّرد لحلف شمال الأطلسي والتحاق أعضاء جدد في كل مرة يعني ضخّ مزيد الأموال للتزوّد بالأسلحة الأمريكية إذ تمّ بين 2015 و2024 مضاعفة حجم التمويلات لبلدان الاتحاد الأوروبي لتوريد العتاد العسكري الأمريكي بصفة رئيسية (64 % من إجمالي الصفقات).
لقد خاض الناتو الحروب خارج القارة الأوروبية في أعمال عدوانية وليست دفاعية كما يزعم، مثل الحرب على يوغسلافيا سنة 1999 وعلى أفغانستان سنة 2001 والمساهمة لوجيستيا ومخابراتيا في الحرب على العراق سنة 2003 والإطاحة بالنظام الليبي سنة 2011، كل ذلك دون الرجوع لمجلس الأمن.
لقد تطوّر حضور الناتو خارج مجاله الجغرافي بإقامة مكاتب اتصال في إفريقيا والربط ببلدان شمال إفريقيا عبر إطلاق الحوار المتوسطي سنة 1994 ليشمل الجزائر ومصر والأردن وموريتانيا والمغرب وتونس والكيان الصهيوني الذين يجلسون جنبا إلى جنب على طاولة المفاوضات، والادعاء كون النقاشات تدور حول الديمقراطية وحقوق الإنسان بينما في الواقع يتمّ تناول قضايا الحرب على الإرهاب وحماية الحدود الأوروبية من تدفق المهاجرين، وفي ذات السياق تشهد القارة الإفريقية انتشار القواعد العسكرية الأمريكية والفرنسية وزرع أجهزة المراقبة والهدف هو حماية مصالح أعضاء الحلف وليس مصالح الشعوب كما يدّعون.

ترامب ومنطق القوة

منذ وصوله للحكم، هدد ترامب الدول أعضاء حلف الناتو بالانسحاب إذا لم يقع الترفيع في ميزانيات دفاعها وعدم استعداد إدارته تحمّل أعباء نفقات التسليح والحروب والحقيقة. إنّ الامبريالية الأمريكية تضغط وتناور بحكم حاجتها للحلف سياسيا وعسكريا من ناحية ورغبتها في التفرغ لمواجهة الامبرياليات الأخرى وخاصة الصين من ناحية أخرى. والأهمّ من كل ذلك بالنسية إلى ترامب، كتاجر ممثل مصالح شركات السلاح، هو جني الأرباح من ميزانيات الدفاع الأوروبية التي ستتدفق لشراء الطائرات والرادارات والدبابات والمسيّرات… الخ من المصانع الأمريكية وحسب الاتفاقات الحاصلة منذ مدة بين الدول الأعضاء للترفيع في ميزانيات الدفاع إلى نسبة 2 % من الناتج الداخلي الخام التي لم تتحقق سنة 2024 إذ أن 23 دولة فقط قدرت على تحقيق ذلك بينما 8 دول لم تلبّي الهدف مثل إسبانيا وإيطاليا. وأثناء القمة الأخيرة في لاهاي حُدّدت نسبة 5 % كمعيار جديد يجب أن تبلغه ميزانيات الدفاع من الناتج الداخلي الخام بحلول سنة 2035 وهو القرار الذي تمّ التصويت عليه بالأغلبية. وتنقسم النسبة إلى 3,5 % لأغراض التسلح و1,5 % لتطوير البنى التحتية والاتصالات والدفاع السيبرياني باعتبار تدهور البنى التحتية الغير قادرة على تحمّل المعدات الحربية المقبلة كالقناطر والطرقات …الخ المتخلفة عن العصر والمهترئة.

الانعكاسات الكارثية لقرار الـ 5 % على الشعوب دافعي الضرائب

أغلب الحكومات التي رضخت لقرار الإدارة الأمريكية هي حكومات يمينية أو يمينية متطرفة معادية للشعوب والأقليات وللمهاجرين وداعمة للكيان الصهيوني وهي تطبّق سياسات نيوليبرالية متوحشة ضدّ العمال والكادحين لذلك لا تعارض شروط حليفهم ترامب ذو النزعة الفاشية بينما حكومات قليلة فقط لم تقبل بشروط الناتو الجديدة مثل إسبانيا، مثلما عارضت الدنمارك والنرويج وإسبانيا إقامة أسلحة نووية على أراضيها في أوقات سابقة ورفضت بعض البلدان مشاركة الناتو في الحرب الثانية على العراق.
وتعمل القوى اليسارية والثورية على التصدي لهذه البرامج المملاة من الامبريالية الأمريكية وتخوض النضالات والاحتجاجات ضدّ الحروب وضدّ سياسات التقشف وضدّ الاعتداء على حقوق الشعوب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وأكثر من ذلك هي تطالب بالانسحاب من الناتو بل وحلّه كحلف عدواني.
تبرّر الدول الرأسمالية وحكوماتها في خطابها عند وضع ميزانياتها أنها تفتقد للموارد الكافية لتحسين ظروف عيش الشعب الكادح والشباب والمتقاعدين فترفع في سنّ التقاعد لتحرم آلاف الشباب من الالتحاق بسوق الشغل وتخفض في جرايات التقاعد عوض تحسينها ولا تعمل على تحسين النقل العمومي ولا تخصص الموارد لبناء المساكن الاجتماعية ذات التكلفة المناسبة. وفي الوقت الذي تدّعي فيه أنها تفتقر للموارد المالية لتلبية المطالب الأساسية للمنظمات النقابية والمحتجين والمضربين نجدها اليوم مستعدة لتوفير مليارات الدولار للتسليح والحرب التي تعود بالثراء على المستثمرين الرأسماليين ولتمويل شركات تصنيع الطائرات والدبابات والمسيّرات والصواريخ والسلاح النووي ..الخ عوض تحسين المدارس والجامعات ورياض الأطفال…
سنة 2024 خصّصت دول الناتو الــ (32) “1275 مليار دولار” للتسلّح وسيصل إلى “2758 مليار دولار” عند تطبيق معيار الــ 5 بالمائة أي أكثر من الضعف على حساب ما هو مخصّص لقطاعات حيوية كالصحة والتعليم، والمسألة ليست كما يروج في وسائل الإعلام المأجورة على أنها مسألة أمن للتصدي للاعتداءات بل هي سياسة سباق محموم للتسلح وإعداد لحروب إجرامية ضدّ شعوب العالم وقد عبّر “مارك روت” الأمين العام لحلف الناتو عن حقيقة أهداف المنظمة وهي تغني عن كل تعليق بقوله: “الناتو هي التحالف العسكري الأقوى في تاريخ البشرية، أقوى حتى من الإمبراطورية الرومانية ومن امبراطورية نابوليون” والكل يعلم أنّ الإمبراطورية الرومانية لم تكن تدافع عن أمنها بل كانت تعتدي وتضطهد لتتوسّع على حساب الشعوب.

تصعيد النضال من أجل السلام وضدّ الحرب مهمة عاجلة

إن الحركات والمنظمات المدنية الديمقراطية والأحزاب الثورية الغربية التي ما فتئت تلف الفئات والطبقات الاجتماعية وتنزل للشوارع بالملايين ضدّ الحرب في غزة وإيران وبلدان العالم يمكنها توسيع النضال لإسقاط الحكومات اليمينية المعادية للحرية والديمقراطية بالرغم من الهيمنة المؤقتة للفاشية والشعبوية التي تقود العالم نحو الدمار الشامل والبربرية وما يطرح على الشعوب العربية وأحزابها الثورية هو العمل من أجل إسقاط الأنظمة العميلة لحلف الناتو والمطبّعة مع الكيان العنصري، وهو الحل الأمثل لإسناد القضايا العادلة مثل القضية الفلسطينية وغيرها.

إلى الأعلى
×