تتطوّر الأوضاع في غزّة هذه الأيّام بنسق متسارع على كافّة الواجهات. ولكن العلامة المميزة والبارزة في هذا التطوّر المتسارع، رغم وحشية العدوّ الصّهيوني الذي لم يَبق أسلوب بشع لم يستعمله ضد البشر والشجر والحجر، ورغم مناورات الامبريالي الأمريكي وخداعه الذي لا ينتهي، ورغم تواطؤ أنظمة العمالة والخيانة الإجرامي وغير المسبوق، هي بلا أدنى شكّ أخبار المقاومة الوطنية الباسلة. فهذه المقاومة لم ترم المنديل مطلقا بعد 21 شهرا من المواجهة رغم حجم الدمار والخسائر في مستوى القادة والقواعد وفداحة المؤامرات الموجهة إليها من كل الجهات. إن طائر الفينق ينتفض كلّ مرة من الرّماد ليظهر أكثر قوّة وبأسا وشجاعة وهو ما أصبح يرعب عدوّها ورعاته من الامبرياليين المجرمين وعلى رأسهم الامبريالي الأمريكي كما يرعب أذنابه وخدمه من حكّام المنطقة بمن فيهم ساكن قصر رام اللّه الذي فرّك يديه فؤحا أكثر من مرّة قبل أن يستفيق من وهمه.
لقد نفّذت المقاومة في غزّة هذه الأيّام سلسلة من العمليّات النّوعيّة المفاجئة والمتتالية في خان يونس وبيت لاهيا وبيت حانون وغيرها من الأمكنة. وقد كبّدت هذه العمليّات العدو الصهيوني خسائر كبيرة في الجنود بين قتلى وجرحي في صفوف أعتى الفرق القتاليّة وآليات عسكريّة. وأظهرت بما لا يدع مجالا للشكّ وباعتراف العديد من قادة العدوّ السابقين والحاليين ومن إعلامييه ومحلليه ومراقبيه أن المقاومة أعادت تنظيم صفوفها وصياغة تكتيكاتها ودخلت في حرب استنزاف ضدّ العدو الذي طاله سلاح المقاومة حتّى في الأماكن الذي كان يظنّ أنّه يسيطر عليها بالكامل. وهو ما أجّج التناقضات والصراعات داخل الكيان وعمّق اليأس من تحقيق الأهداف التي رسمها المجرم نتنياهو وعلى رأسها القضاء على المقاومة والسيطرة على غزّة ووضعها تحت حكم بعض عصابات الخونة المؤتمرين بأوامره.
لقد بيّنت عمليات المقاومة المسترسلة والقوية والناجحة بشكل لافت أنّها استعادت المبادرة وباتت تحقق إنجازات غير مسبوقة في تاريخ كفاح الشعوب بالنظر إلى ضيق المساحة وقلة الإمكانيات والاختلال الفادح لموازين القوى. ولم يتوقف نشاط المقاومة عند المدن المذكورة بل إنّ الصليات الصاروخيّة عادت لتضرب مجددا مغتصبات غلاف غزّة من أرض فلسطين. وما من شكّ في أن هذه الهبة الجديدة للمقاومة تأتي في الوقت المناسب الذي اشتدت فيه المناورات ومخططات “اليوم الثاني” لتؤكّد ألّا بديل للمقاومة وأنه من الوهم الاعتقاد في القضاء عليها واستبدالها بأي عميل سواء كان اسمه محمود عباس أو أبو شناب. فالمقاومة ستبقى الرقم الصعب الذي لا يهزم والذي تمرّ عبره كل المفاوضات والاتفاقيات التي تخدم الشعب الفلسطيني. إن العمليات النوعية الأخيرة من شأنها شدّ أزر المفاوض الفلسطيني وإرباك المفاوض الصهيو أمريكي وخادمه العربي اللّذين يريدان افتكاك ما عجزا عن الحصول عليه بالسلاح.
إن القضية الفلسطينية تمر هذه الأيام بلحظات دقيقة تقابل بين إرادتين: من جهة إرادة تركيع غزّة وفرض الاستسلام عليها بما في ذلك تحويل جزء منها إلى فضاء مغلق لمن يرفض مغادرتها إلى مكان بديل فضلا عن تكليف عملاء محليين وعرب بالإشراف عليها، ومن جهة أخرى إرادة الصمود والمقاومة والتمسّك بالحق. ونحن لا نشكّ لحظة في أن النصر سيكون حليف هذه الإرادة الثانية رغم صعوبة الظرف حتى لو اضطرت المقاومة إلى تقديم بعض التنازلات الظرفية والجزئية التي تمكن من استعادة الأنفاس وتخفيف الوطأة على الشعب الفلسطيني الذي وجد وسيجد إلى جانبه أحرار العالم. إن مكاسب طوفان الأقصى لا تقف عند المنجزات التكتيكية العسكرية وتعزيز القناعة بإمكانية الانتصار عليه بل تعزيز القناعة بأنّه سيكون في النهاية وحشا من ورق ولكنها تتعدّى ذلك إلى مكسب آخر عظيم ذي أهمية كبيرة وهو افتضاح طبيعة الكيان الاستعماريّة والعنصريّة أمام العالم في نفس الوقت الذي برزت فيه عدالة القضية الفلسطينية باعتبارها قضية تحرّر وطني.
إن دورنا كقوى ثورية وتقدمية في تونس هو الاستمرار في دعم القضية الفلسطينية. وما من شكّ في أن أحد محاور الدعم الهامّة اليوم يتمثل في تكثيف الضغط من أجل تجريم التطبيع مع الكيان الغاصب لأن التطبيع سيكون أحد أهمّ عناوين المعركة القادمة ضد الكيان وراعيه الامبريالي الأمريكي وخدمهما من عملاء المنطقة وخونتها.
المجد للمقاومة
نعم لتجريم التطبيع
صوت الشعب صوت الحقيقة
