بقلم عمار عمروسية
يبدو أن سلطة “قيس سعيد” ممعنة مثل سابقاتها في إدارة الشأن العام الجهوي وفق ثنائية تأمين استخراج الفسفاط ونقله مقابل فرض صمت القبور على الجميع بالرغم من التردي المريع لمجمل المرافق العمومية التي أسهمت في تزايد معاناة الأهالي وحوّلت حياتهم إلى جحيم حقيقي تجاوز حتّى ما كان قائما قبل الثورة.
فالكثيرون بقرى ومدن الجهة لا يجدون حرجا في مقارنة أوضاعهم بما يحدث في “غزة” ويستدلون في تعليقاتهم تلك بشحّ المياه في حنفيات منازلهم نتيجة الانقطاعات المتكرّرة وضعف الخدمات الصحية سواء بالمراكز المحلية أو بالمستشفى الجهوي “الحسين بوزيان” الذي اقترن ذكره في بلاغات هيئات المجتمع المدني بالمسلخ الجهوي الذي تزهق فيه أرواح مرضاه نتيجة افتقاره الفظيع لأدوية ومعدّات واختصاصات أساسية أعطت الكثير من الوجاهة للتعليقات الشعبية الشائعة القائمة على إطلاق العنان لنمط من الكوميديا السوداء، جعلت من جهة “مستشفى الحسين بوزيان” نظيرا لأشهر مشافي “غزة” مثل “المعمداني” و”ناصر” ومن جهة أخرى طرقات حتّى مراكز المدن نظيرا لمثيلاتها في مناطق “سوريا” المدّمرة نتيجة أعمال الجماعات الإرهابية والاعتداءات الصهيونية.
طرقات الجهة تئن تحت الدوران المستمر لعجلات شاحنات نقل الفسفاط التي كثيرا ما تحوّلت إلى عربات حوادث قتل وفواجع زيادة عن مفاقمة مشكلات التلوّث البيئي .
عين الحكم وانشغال مؤسساته المركزية والجهوية على الدوام ساهرة على دوران ماكينة الذهب الأسود (الفسفاط).
فالمغاسل بالمدن المنجمية (الرديف، أم العرائس، المتلوي، المظيلة ) تؤمن على مدار الساعة اشتغالها على حساب سيادة الشحّ المائي الذي يلحق الأضرار بالبشر والشجر.
لا شيء يوقف دوران المغاسل واشتغال المركب الكيماوي بالمظيلة حيث تنعم جبال تراب الفسفاط بتدفق المياه الذي يغيب في هذا الحرّ الشديد عن قرية “هشام بن جدّو” أولّ شهداء انتفاضة الحوض المنجمي الباسلة 2008.
وهناك غير بعيد يكتوي أهل الشهيد “حفناوي المغزاوي “ورفاقه بمدينة” الرديف ” بمغانم الاستحمام المستدام للتراب الذي لا يتوقف أمام صرخات الغاضبين ضمن الفعاليات المتكرّرة لحركة “يزينا”.
تمعن السلطة الشعبوية في تعميق العقوق التاريخي للدولة نحو الجهة وتفاقم من التدحرج الشامل للأوضاع الأمر الذي جعل الجهة من ناحية في مراتب متقدّمة قياسا بمعدّلات البطالة ومن جهة أخرى تقريبا في ذيل قائمة ترتيب نسب النجاح في المناظرات الوطنية مثل البكالوريا وغيرها.
تسوء الأوضاع بمجمل الجهة وترتفع وتائر النكوص نحو الخلف وهو ما نلمسه في تفشي مظاهر عديدة على نطاق واسع مثل تزايد معدّلات الجريمة، تفشي الإدمان على الكحول وجميع انواع المخدرات زيادة عن كثرة “الحارقين”….
بلدات الحوض المنجمي أضحت طاردة لسكانها بسبب عوامل عديدة حتّى أنّ الكثير من متساكني بلدة “ام العرائس” أقدم على التفويت في عقاراته والنزوح النهائي نحو مدن الشريط الساحلي وعلى الاخصّ ولاية “نابل “.
تغرق الجهة في مشكلاتها القديمة والمستجدّة وتنغمس السلطة الشعبوية في التعاطي الأخرق والبائس في المعالجات القائمة على تنشيط حملات “البروباغندا “بهدف المغالطة والتسويف وفي أحسن الأحوال اللجوء من حين لآخر لبعض الإجراءات الشكلية والمحدودة بهدف شراء السلم الاجتماعية والهدوء.
ولعلّ ما يلفت الانتباه أنّ حجر الأساس في سياسات الحكم عبر كلّ العهود ظلّ على الدوام محكوما بالمحافظة على تدٍفق “الفسفاط” وعائدات مبيعاته من العملة الصعبة.
فالعصا والرشاوي محكومتان بالأرباح التي لا يعود منها للجهة سوى النزر القليل قيسا بالدمار الكبير الذي طال ويطال البشر والبيئة وهو الذي يرفع منسوب الاحتقان الاجتماعي المتنامي في الأسابيع الأخيرة وينذر بأيام عصيبة على نظام الحكم المنتشي بخفوت الحراك الاجتماعي وتراجعه ضمن سياق عام وطني مثقل بهبوط المعنويات وتراجع أدوار مختلف الأجسام الوسيطة.
ومعلوم أنّ هذا التراجع ليس سوى أمرا عرضيا ومثلما أسلف فقد بدأت بواكير طور جديد أهمّ خصائصه نهوض أصحاب الحقوق من جديد دفاعا عن مصالحهم وهو ما نلمسه في :
عودة الحراك المنتظم لمن طالت بطالتهم الذين يصرّون تقريبا أسبوعيا لتنظيم وقفات ومسيرات احتجاجية أمام مركز الولاية.
انتشار مظاهر الاحتجاج على الانقطاعات المتكرّرة للمياه وخروجها من بؤرها القديمة ونعني مراكز المدن (الرديف، المتلوي، المظيلة، قفصة المدينة …) إلى بعض المناطق الريفية مثلما حصل صباح يوم 7جويلية بمنطقة “الناظور “حيث عمد الأهالي إلى حرق العجلات وغلق الطريق الرئيسية رقم 15 الرابطة بين قفصة والقصرين .
صوت الشعب صوت الحقيقة
