بقلم سناء بعزاوي
القيروان – تونس
في خطوة تعكس استمرار التضييق على الحريات الصحفية في تونس، تمّ يوم الثلاثاء 15 جويلية 2025 استدعاء الصحفي القيرواني ناجح الزغدودي للتحقيق، وذلك على خلفية نشره محتوى إعلاميا يوثّق الوضع البيئي المتأزم في ولاية القيروان، في خرق واضح للضمانات الدستورية التي تكفل الحق في التعبير والحق في بيئة سليمة.
الزغدودي، وهو صحفي مستقل وناشط محلي معروف بمتابعته اللصيقة لقضايا الجهة، تحدث عن تفشي التلوث البيئي في القيروان، وعن الإخلالات العميقة في إدارة النفايات المكدسة في كل أحياء المدينة، وغياب الإرادة السياسية لوضع حدّ للمأساة البيئية التي تهدد حياة المواطنين وصحة الأطفال والمحيط الطبيعي.
الحقوق الدستورية في الميزان
ما يثير الاستغراب والقلق هو أن استدعاء الزغدودي يأتي رغم أن ما قام به محميّ دستوريًا بشكل صريح. إذ ينص الفصل 47 من دستور الجمهورية التونسية على أنّ:
“تضمن الدولة الحق في بيئة سليمة ومتوازنة والمساهمة في سلامة المناخ. وعلى الدولة توفير الوسائل الكفيلة بالقضاء على التلوث البيئي”.
كما ينص الفصل 37 من نفس الدستور على أنّ:
“حرية الرأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر مضمونة. لا يجوز ممارسة رقابة مسبقة على هذه الحريات”.
انطلاقًا من هذه المبادئ، فإن ما قام به الزغدودي لا يُعد جريمة بأي معيار قانوني أو أخلاقي. لقد مارس حقّه كمواطن أوّلاً، وكصحفي ثانيًا، في الدفاع عن الحق في بيئة سليمة، دون أي تحامل أو تزييف للحقائق، بل من خلال توثيق الواقع كما هو، ومن موقع المراقبة التي يفترض أن تكون جوهر عمل الصحفي في دولة ديمقراطية.
هذا الاستدعاء يعكس سياسة ممنهجة لتجريم نقل الواقع، خصوصا عندما يتعلق بفشل الدولة في توفير الخدمات الأساسية، مثل الماء النظيف والهواء النقي وإدارة النفايات، بدعوى تشويه صورة المدينة !
هذا ما يمكن اعتباره سياسة تجريم الحقيقة، فلا يخفى عن أي متابع للشأن العام أن النظام الشعبوي القائم يلاحق كل من يتنفس، فعلاوة على محاكمة معارضيه، تتزايد يوما بعد يوم المحاكمات على معنى المرسوم 54 سيء الذكر لكل من يسمح لنفسه بالتذمر في تدوينة أو منشور من غلاء الأسعار أو البطالة أو غيرها من المشاكل.
في شهادته، أكّد الزغدودي أنه لا يحمل أي نوايا عدائية، بل نقل ما يعيشه سكان القيروان يوميًا من تهميش بيئي وصحي، وأنه طالب فقط بأن تتحمل السلطات مسؤولياتها، في ظل ما أسماه بـ”السكوت العام على الجريمة البيئية المستمرة”.
لا لتكميم الأفواه
استدعاء صحفي على خلفية محتوى بيئي يطرح أسئلة كثيرة:
هل تحوّل نقل الواقع إلى تهديد يجب إسكاته؟
أين موقع الدولة من التزاماتها الدولية في مجال حماية البيئة؟
ما هو مستقبل الصحافة إذا كانت كل محاولة لتوثيق الفشل الإداري تواجه بالتتبع والتحقيق؟
العديد من النشطاء والصحفيين ومنظمات المجتمع المدني عبروا عن تضامنهم مع الزغدودي، مؤكدين أن التضييق على صوت واحد لن يخفي الحقيقة، بل يكشف عمق الأزمة في إدارة الملف البيئي والحقوقي في البلاد.
إن السكوت عن هذا الاستدعاء هو سكوت عن الحق في العيش في بيئة نظيفة، وعن الحق في التعبير والنشر دون تهديد أو تتبع. وكل من يطالب بهذه الحقوق لا يجب أن يحاسب بل ما يجب القيام به هو حلحلة هذه الملفات الحارقة ومقاومة كل محاولات التغطية على الفشل.
ان ما تثيره هذه القضية هو توسع دائرة العنجهية، فعلى شاكلته يعين قيس سعيد مسؤولين جهويين يبيعون الوهم، ويراكمون الفشل على جميع الأصعدة ولكنهم يرفضون أي شكل من أشكال النقد للأوضاع المتردية ويعممون سياسة تكميم الأفواه وضرب الحريات، وهو ما يجب على كل نفس حر رفضه ومواجهته.
صوت الشعب صوت الحقيقة
