الرئيسية / صوت الوطن / يوسف الوسلاتي: الصحفي المنحاز للحرية ولقضايا شعبه
يوسف الوسلاتي: الصحفي المنحاز للحرية ولقضايا شعبه

يوسف الوسلاتي: الصحفي المنحاز للحرية ولقضايا شعبه

حوار: سمير جراي

كمال الدايخ

جمعتني بيوسف الوسلاتي مهنة المتاعب، عرفته في بداية تسعينيات القرن الماضي اشتغلنا سويّا في دار الأنوار، كان زميلا مخلصا تميّز بكتاباته النقدية في المجالين السياسي والاجتماعي، بعد سنوات غادرنا ليواصل مسيرته المهنية بجريدة الشعب، اقتربت من يوسف أكثر بعد الثورة وتحديدا خلال المؤتمر الثالث للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين/أفريل 2014 حيث فاز الزميل الراحل بعضوية المكتب التنفيذي، كان يوسف حريصا كل الحرص على مسألة الحريات والتي يعتبرها خطا أحمر ورغم حرصنا في تلك الفترة على ضرورة الالتفات أكثر إلى الجوانب الاجتماعية والمادية للصحفيين دون التغافل طبعا عن مسائل الحريات، إلا أن يوسف كان يتبنّى موقفا آخر لطالما اختلفنا حوله، كان أقرب ما يكون إلى زميلات وزملاء كثر تعرّضوا إلى مضايقات وهرسلة أثناء القيام بواجبهم الصحفي كما كان يوسف دائم التواجد بمقرّ النقابة وبالمقهى المجاور يجلس يناقش مع كل الزملاء سبل إيجاد حلول لمشاكل القطاع والوقوف إلى جانب الزميلات والزملاء ممّن تعرضوا للطرد التعسفي والتنكيل بهم وكان لا يفوّت أيّة فرصة لينقل واقع الصحفي التونسي كما هو دون رهبة أو خوف.

هشام السنوسي

هشام السنوسيإذا كانت تجوز الاستعارة وتسمح بالقول “صحفي عضوي” فإن هذه الصفة تنطبق تماما على الراحل يوسف الوسلاتي، فهو لم يفصل بين الانتماء الاجتماعي والفكري وبين مهنة الصحافة بمعنى الانحياز لقضايا شعبه خاصة الشرائح الهشة،
وبقدر وضوح هذا الانتماء الذي لا يقبل المساومة، بقدر ما كانت له قدرة على الحفاظ على التوازنات داخل الهيكل النقابي بالنظر للدور الذي لعبه كقيادي داخل المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين. وقد تجلت جرأته أيضا في العمل صلب الاتحاد العام التونسي للشغل والتوفيق في العلاقة مع النقابة وقد يكون يوسف أحد الجسور التي متّنت العلاقة مع الجامعة العامة للإعلام.
الموت حق ولكن تمنيت لو أنّ يوسف لم يغادر تونس وهي على هذه الحال من التوتر وانسداد السبل، تمنيت لو أن ذلك الطالب المجازف الذي مارس السياسة المحفوفة بالخطر والضريبة القصوى، تمنيت لو أنه غادر وروحه محفوفة بالأمل وآفاق الغد الأفضل.

فطين حفصية

فطين حفصيةيوسف لم يستغن عن ردائه القديم

اخترت هذا العنوان المجازي لأؤكد أن فقيد الساحة الصحفية والنقابية والحقوقية يوسف الوسلاتي ظل كما عرفته منذ عقود… صحفيا متواضعا مقبلا على مهنته وزملاءه وقلمه وساحة دفاعه عن مشاكل الوطن والمواطن بلا ضجيج أو إرباك، يحمل أسئلة الآني والحاضر والمستقبل حتى وإن اعتلى أعلى مراتب القرار التحريري والنقابي التنفيذي.
لم يغيّر أيضا رداءه القديم في الدفاع عن الحق وعن المهنة وعن الصحفيين الشبان منهم وعن القطاع وهيكله وخاصة عن الوطن في كل الأزمنة: زمن “الرخاء الديمقراطي” و”التدافع” وقبلها سنوات الجمر حين كان العديد يختبإ عن الكلام ولو مع نفسه.
مثّل يوسف طليعة مهنية ونقابية منذ أخذت النقابة الوطنية للصحفيين ناصية استقلاليتها عن سلطة الخطاب الواحد والرأي الواحد والشخص الواحد وكان من الفاعلين في مرحلة تحسّس الجسم النقابي لأصول الفعل النقابي وطيلة كل الامتحانات التي خاضتها هياكل المهنة لم يتغيب عن الصفوف الأولى وظل يكافح من المسافة صفر ضدّ كل السلطات لأجل قطاع موحد متضامن وصحافة حرة.
خاض تجربة المكتب التنفيذي وناضل من كل المواقع نهاية بإجماع كل الجسم الصحفي على شخصه لترأس أول مؤتمر للمكتب التنفيذي بعد تدابير 25 جويلية حيث باتت الصحافة تخوض حروبا على جبهات عدة مع السلطة والفصل 54 وجزء شارعيا يعتبرها “عدوا “.
مثل أيضا أحد أعمدة ما يمكن وصفه بالانتقال الاعلامي صلب اختبار الانتقال الديمقراطي الذي عاشته البلاد.
وكان حضوره على الساحة الصحفية متنوعا إذ يعتبر من القلائل الذين جمعوا بين العمل الصحفي الالكتروني والمكتوب والإذاعي والتلفزي وهي خصلة لا تتوفر إلا للصحفيين الذين راكموا رأس مال مهني معتبر ومسارا متينا، ومن هنا كان عنصر تأثير وتحريك من المنابر المتنوعة يبسّط ويفكك ويحلل ويعالج ويترك بصمة في تقلبات الشأن العام.
تخسر الساحة الصحفية والنقابية والنضالية اليوم فردا آمن بنضال الكلمة والصوت والحق منذ نشأته التلمذية مرورا بتجربته الطلابية والسياسية والحقوقية ثم المهنية، كما نخسر شخصا هادئا حكيما في وقت تحتاجه كل هذه الساحات، وصبرنا ما تركه من أثر وخصال ووصايا كان ينثرها دوما بطابع الودّ والحب والهدوء والرفاقية.

أيمن الرزقي

أيمن الرزقيأيّ مشعل للفكر قد انطفأ، أيّ قلب توقف عن الخفقان. بكلمات انجلس أودّع مشعل الفكر الحرّ الذي أبدا لن ينطفئ، الرفيق يوسف أو جوزيف كما يحلو لنا تسميته الذي عرفته في بدايات تجاربي المهنية قبل 20 سنة، كان ينصح بلطف وذكاء يشجع ويحث على المواصلة وقت كان الانتصار للكلمة الحرة يقود الى التنكيل ومخافر البوليس. واصلت طريقي في مهنة المتاعب وفي نقابة الصحفيين وكان يوسف دائما شامخا بمكانه على اليسار حيث ينبض القلب حرية وانتصارا لمن عاندتهم الأقدار. اليوم تعيدنا دواليب السياسة إلى واقع شبيه بزمن الاستبداد البنعليني فكم نفتقدك يا رفيقنا وعزيزنا ونحن نرفع راية المقاومة الإعلامية في وجه العبث والرداءة والتسلط.

كريم وناس

كريم وناسسلام يا صاحبي… سلام يا يوسف

بكل خشوع القلب وحرقة الفقد، نكتب إليك يا يوسف…
كيف نودّع من لم يكن مجرّد صحفي ولا زميل؟ كيف نرثي من كان في حضوره طمأنينة، وفي غيابه فراغ لا يُملأ؟

يوسف الوسلاتي… لم تكن كغيرك. كنت صوتًا حرًا في زمنٍ تُشرى فيه الأقلام، وضميرًا مهنيًا نقيًا وسط عواصف الانحراف والانتهازية. كنت تدافع عن حرية الصحافة لا على المنابر فقط، بل في كل جلسة، في كل اجتماع، في كل مواجهة. تدافع عنا جميعًا… حتى حين صمتنا.
كان وجهك دائمًا باسمًا، حتى في أحلك الأيام. كنت خفيف الروح، عميق المبدأ، تمدّ يدك قبل أن تُطلب، وتسند دون أن يُقال لك: ساعدني. وكنت حاضرًا متى ضاقت الأحوال، ومتى اشتدت المعارك… لم تتخلّ، ولم تتردّد.
لكننا، نحن، من تخلّى عنك أحيانًا… أو صمت حين ظُلمت، أو صدّق ما لم تقله. قالوا فيك ما ليس فيك، طعنوك وهم يبتسمون. لكنك كنت أكبر من الردّ، أسمى من الخصومة… كنت أنت، يوسف، كما عرفناك: نقيًّا، ساميًا، نادرًا.
نم في سلام، أيها الذي ما خان، ولا باع، ولا سكت.
صوتك باقٍ في قلوبنا، واسمك سيبقى حارسًا لذاكرتنا الصحفية، كما كنت دائمًا حارسًا لحريتنا.
سلام عليك يا صديق القلب، سلام على روحك النبيلة.
يوسف… لن ننساك يا رفيق.

نادية المنصوري

نادية المنصوريإلى روحك السلام، رحلت في صمت، دون ضجيج ودون أنين، كما عهدناك تعمل بصمت وتدافع بصمت يرهب الأعداء، إلى روحك السلام، ولكن ظلك سيرافقنا دائما، وابتسامتك المشعة ستظل تزهر قلوبنا بالأمل، كنت دائما السند لكل الزملاء والأصدقاء تدعم وتفتح الأبواب بلا حساب، فراقك صعب… ورحيلك له أجراس… إلى روحك السلام!!!

 

منية العرفاوي

منية العرفاويستحتاج المهنة لوقت طويل حتى ترمّم خسارتها في الصحفي القدير يوسف الوسلاتي.. يوسف الوسلاتي لم تكن الصحافة بالنسبة له مجرّد مهنة بل شغف متجدّد كل يوم، رسالة مارسها بنبل ومعركة خاضها بشرف وحقيقة تعامل معها باحترام كبير.. لم يكن متشنّجا أو مندفعا في التعبير عن أفكاره بل كان هادئا وواثقا في كل محاججة، غير متعصّب في كل سجال ولكنه في النهاية يكون هو صاحب الحجّة الأقوى.. يوسف الإنسان لم يختلف كثيرا عن يوسف الوسلاتي الصحافي ونجح في أن يحافظ على نبله ونقاوة سريرته وإنسانيته المفرطة في كل ما يكتبه ويقوله، كان يختلف دون عداوة.. ويغضب دون سعي للانتقام.. ويتجاوز الخصومة دون أحقاد.. برحيله ترحل معه أحلام جيل من الصحافيين، تعب كثيرا حتى يثبت نفسه بكفاءته وخصاله المهنية ولم يحظى بأدوات الشهرة السريعة السائدة اليوم.. ذلك الجيل لم تكن تجربته سهلة في المهنة كان كمن يسير على حبال معلقّة ومطالب دوما بالتوازن وعندما أدركته الحرية التي أتت بها الثورة كان الأكثر نضجا في التعامل معها ولم ينسق خلف الإسفاف والإبتذال وظلّ محافظا على الحدّ الأدنى من التعاطي المنطقي مع الأحداث دون الانسياق خلف التأثيرات والتيارات التي عبثت بجوهر مهنة الصحافة وأخلاقياتها.
يوسف الوسلاتي كان فارسا حقيقيا من فرسان المهنة.

إلى الأعلى
×