الرئيسية / صوت العالم / إيران بين الابتزاز الدبلوماسي والتهديد بالحسم العسكري
إيران بين الابتزاز الدبلوماسي والتهديد بالحسم العسكري

إيران بين الابتزاز الدبلوماسي والتهديد بالحسم العسكري

بقلم عمار عمروسية

مثلما هو معروف انتهى العدوان الصهيو-أمريكي الأخير إلى وقف إطلاق نار أحاط به الكثير من الغموض والتساؤلات جعلت طيفا واسعا من الخبراء العسكريين والإعلاميين والسياسيين المتابعين لشؤون الإقليم يسارعوا إلى اعتبار ذلك التّوقف مجرد هدنة هشة قابلة للانتكاس في كل لحظة فهي افتقرت أي – الهدنة – لأي ورقة اتفاق واضحة المضامين والبنود مثلما جرت العادة.

فحرب ال 12 يوما وضعت أوزارها بطريقة فجائية إلى حدّ كبير تحكمت فيها تقاطع المصالح والحسابات لكل الأطراف المتحاربة وعلى الأخص الولايات المتحدة الأمريكية وكيان الاحتلال. فقد قام عشية 24 جوان الماضي بعد وساطة عمانية تمت كل تفاصيلها بعيدا عن الأضواء الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب “بإعلان وقف الضربات العسكرية التي سارع “نتنياهو” إلى مباركتها والنسج على منوالها وسط صخب إعلامي كبير وحملة علاقات عامة قائمة على الترويج الواسع للنصر المطلق وتحقيق أهداف العدوان في تناقض صريح مع رواية النظام الإيراني والوقائع الميدانية التي تكشفت من خلال تقارير استخباراتية أمريكية و غربية أفسدت نشوة الانتصار لدى إدارتي أمريكا والكيان ذلك أن المشروع النووي الإيراني رغم الأضرار التي لحقته وبالأخص في منشآت “نطنز”ّ؛ “اصفهان” و “فوردو” مازال في حدود غير محددة سليما زيادة عن نجاح السلطات الإيرانية في نقل حوالي 400 كغ من اليورانيوم المخصب إلى مكان آمن ومجهول والأهم من ذلك أن القدرات الصاروخية ظلت حتى اللحظات الأخيرة فعالة ومؤذية لعمق الاحتلال ومواقعه العلمية والعسكرية الحساسة مما أعطى مصداقية أكثر للسردية الإيرانية القائمة على النجاح في الصمود وإدارة المعركة حتى بعد فقدان منذ اليوم الأول أعدادا كبيرة من ابرز قيادات الصف الأول في المؤسستين العسكرية والعلمية.

كل هذه الحيثيات مضافا لها خروج النظام الإيراني نفسه سليما وسرعة سلطته على التعافي وترتيب أوضاع البلاد بالداخل عجلت بعودة التوترات للإقليم ووسعت من دوائر القلق المشوب من توجّه المنطقة من جديد نحو الحرب التي من الممكن أن يطال لهيبها دولا وشعوبا كثيرة. فأزمة هذه الأيام تبدو مغايرة لما سبقها بما أن الخلافات لم تعد مقتصرة على البرنامج النووي مثلما كان حتى 2018 بل تجاوزته إلى فضاء أوسع فيه الكثير من العناصر تجمع بين ما هو سياسي واقتصادي وامني-عسكري وهو ما يقف أمام العودة القوية لما يسمى “الملف الإيراني” إلى واجهة الاهتمامات الإعلامية والسياسية المرفقة بحراك دبلوماسي نشيط يشق طريقه وسط صعوبات متزايدة مرتبطة بكل من الولايات المتحدة الأمريكية والترويكا الأوروبية ونعني فرنسا وألمانيا و بريطانيا العاملين على هذه الواجهة وفق تقاسم ادوار لا يمكن أن يؤدي إلا لطريق مسدود يكون بمثابة الذريعة لعودة الاعتداءات على الشعب الإيراني وسيادة بلاده .

فأمريكا دخلت حربها الأولى في جوان المنصرم ضد إيران تحت مزاعم اقتراب الأخيرة من امتلاك سلاح نووي وهي اليوم تواصل ضغوطاتها وتهديداتها بالأساس تحت نفس الذرائع مع التهويل المستمر في قدرات إيران على حيازة القنبلة النووية وحيازتها لكميات معتبرة من اليورانيوم عالي التخصيب الخ….وفي الجهة المقابلة تستكمل الترويكا الأوروبية حلقة الضغط المتطابق مع الاشتراطات الصهيونية فتطول لائحة القضايا الخلافية لتشمل :-البرنامج النووي-القوة الصاروخية –الدور الإقليمي لإيران .بمثل هذه الشروط الثقيلة والمجحفة يدار المسار التفاوضي الذي يمثل في حقيقة الأمر محاولات متجددة لإخضاع إيران لهيمنة القوى الامبريالية والصهيونية التي حزمت أمرها لاستغلال المتغيرات بالمنطقة والإقليم لإعادة صياغة التوازنات الجيو-سياسية وفق مصالحها وأطماعها التي لا حدود لها. فما يرشح من أنباء عن مجمل المفاوضات بين إيران والترويكا يعزز القناعة بان الأخيرة ليست مكترثة بإيجاد حلول للمسائل الخلافية تجنبا لمخاطر الحرب وويلاتها بل هي متفانية في ألاعيب الابتزاز وتفخيخ مسالك التفاوض خدمة للكيان الصهيوني وإدارة “ترامب” المتحفزان لاستئناف جولات التقتيل والتدمير. فالوقائع الأخيرة أكدت بان قوى العدوان ممعنة على تضييق الخناق على إيران اولا من خلال حصرها بين ثنائية التفاوض والقبول بكل الشروط المطلوبة بما تعنيه من انصياع تام للإرادة الأمريكية والصهيونية في ما يتعلق بتفكيك البرنامج النووي والتخلي المطلق عن القدرات الصاروخية والمسيرات زيادة عن الانكفاء في الداخل وقطع كل مساعدة وعون مع فصائل المقاومة في المسلحة في غزة ولبنان واليمن والعراق وثانيا بين الحرب الهمجية. في خضم هذه الانسدادات في جميع مسالك التفاوض مع أمريكا وأوروبا يبدو أن خيار المواجهة هو الأقرب وتوقيته على الأرجح سيكون وفق الحسابات الدقيقة لمصالح “نتنياهو” واندفاعة حكومته النازية لجني الحصاد من وراء مصاعب محور المقاومة والخسائر الجسيمة التي لحقتها في أكثر من ساحة. فمقدمات المواجهة تبدو واضحة من خلال مسارعة الترويكا بالتلويح بإعادة تفعيل آلية “زناد” بما تعنيه من تشديد للعقوبات مع عودة استحضار لغة التهديد بالقوة مثلما ورد على لسان “جان نويل بارو “وزير الخارجية الفرنسي الذي قال يوم 27جويلية على شاشة إحدى الفضائيات الفرنسية “لن نبقى مكتوفي الأيدي أمام إيران التي تواصل زعزعة الأمن الإقليمي” وهو نفس المضمون الذي استعاده “نتنياهو” في أحد حواراته التلفزية يوم 13 جويلية. فنبرة قادة الكيان الصهيوني والإدارة الأمريكية أوغلت في استحضار المفردات الحربية خصوصا بعد رفض إيران عودة مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى مراقبة منشآتها النووية وهو رفض منطقي ومفهوم بالنظر إلى الدور الاستخباراتي الذي لعبه موظفو تلك الوكالة بالإضافة إلى تقريرها المغرض وتصريحات رئيسها “غروسي” التي كان بمثابة تشريع لعدوان شهر جوان الماضي. بالتوازي مع هذا التوتير المتعمد للأوضاع ودفعها نحو الفوضى تلازم السلطة الإيرانية هدوءها المعهود فهي على لسان أبرز قادتها منفتحة على الحوار مع التمسك بثوابت أولية منها: -الحفاظ على مشروعها النووي وخاصة حقها المطلق في تخصيب اليورانيوم على أراضيها -رفع العقوبات الاقتصادية –رفض كل تفاوض حول قدراتها الصاروخية والعسكرية –التمسك بدورها الأساسي في الإقليم.

إلى الأعلى
×