الرئيسية / صوت العالم / التقارب الجزائري – الأمريكي: تقارب المصلحة أم الضرورة؟
التقارب الجزائري – الأمريكي: تقارب المصلحة أم الضرورة؟

التقارب الجزائري – الأمريكي: تقارب المصلحة أم الضرورة؟

بقلم حبيب الزموري

لم تكن الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية طيلة تاريخها الديبلوماسي وتاريخ علاقاتها الدولية صديقا أو حليفا مقربا من الولايات المتحدة الأمريكية أو من المعسكر الغربي عموما حيث كانت محسوبة على المعسكر الشرقي قبل انهيار الاتحاد السوفياتي وحافظت على علاقات وثيقة مع بلدان المعسكر الشرقي سابقا وفي مقدمتها روسيا والصين، ولكن خلال الأشهر الأخيرة شهدت العلاقات الجزائرية – الأمريكية خطوات متسارعة للقفز بالعلاقات الثنائية إلى مستوى جديد لم تشهده طيلة تاريخها.

كان تقدم الجزائريين خطوات باتجاه واشنطن متزامنا ومرتبطا ارتباطا وثيقا بتراجع خطواتها نحو روسيا وتوتر العلاقات التقليدية مع فرنسا حيث شهدت العلاقات الجزائرية الروسية هزات رغم متانة تلك العلاقات وعراقتها وتتعلق تلك الهزات بعدة عوامل أبرزها:

  • حرب أوكرانيا. إذ واجهت الجزائر مشاكل في استمرارية وتأمين الواردات العسكرية من روسيا بسبب تراجع مستوى الصادرات العسكرية الروسية وتوجيه الذخيرة والمعدات لمتطلبات حرب أوكرانيا.
  • دخول روسيا، التي تعتبر الشريك العسكري الأول للجزائر، مؤخرا في سلسلة من التحركات على الساحة الأفريقية والمغاربية بشكل رأى فيه شركاؤها الجزائريون أنها تتم على حسابهم. إذ أبرمت موسكو اتفاقيات في مجالات الطاقة والتعدين وتجارة السلاح مع عدد من الدول الأفريقية والمغاربية، في محاولة منها لاستخدام القارة الأفريقية كقاعدة خلفية لتحركاتها الاستراتيجية المباشرة وغير المباشرة عبر أذرع موازية مثل مجموعة “فاغنر” في تقليص النفوذ الغربي، ولكسب مزيد من المصالح التجارية عبر منتوجاتها من الصناعات الحربية والاستيلاء على ثروات طبيعية ومعادن نفيسة استراتيجية. وقد خرجت الخلافات الروسية الجزائرية إلى العلن عبر انتقادات وجهها مندوب الجزائر عمار بن جامع، لدور مجموعة “فاغنر” الروسية في عمليات الجيش المالي شمال البلاد على الحدود مع الجزائر، ودعوته إلى محاسبتها.
  • كما تعتبر الأزمة الليبية واحدة من الملفات التي ظهرت فيها تباينات بين سياستي روسيا والجزائر إذ يدعم كل منهما الطرف المقابل في الصراع الدائر بين سلطتي الغرب الليبي (حكومة طرابلس) والشرق بزعامة الجنرال خليفة حفتر.
  • أما القشة التي قد تكون قصمت ظهر العلاقات التقليدية بين الجزائر بروسيا، فهي ما تشهده العلاقات الروسية المغربية من تنام في ميادين اقتصادية ومراجعة الديبلوماسية الروسية لمواقفها التقليدية المساندة للجزائر في قضية الصحراء الغربية مثلا في مجلس الأمن الدولي.

كما لا يمكن النظر إلى هذا التقارب الجزائري- الأمريكي بمعزل عن المتغيرات الإقليمية التي عصفت بالمنطقة على إثر معركة طوفان الأقصى والأضرار الجسيمة التي لحقت بالحلفاء التقليديين للجزائر في المنطقة ونعني أساسا سوريا وإيران مقابل تنامي دور الأنظمة العربية الأشد رجعية وتحالفها العضوي مع المشروع الامبريالي الأمريكي لإعادة تشكيل المنطقة وفق التصور الإبراهيمي الذي تبشر به دبابات الفكر والسياسة الأمريكية المحافظة ومخاطر العزلة والاستهداف التي تثير مخاوف منظومة الحكم في الجزائر.

أمّا من الجانب الأمريكي فممّا لا شك فيه أن الجزائر بوزنها الجغرافي والسكاني والاقتصادي وحتى التاريخي تمثل بالنسبة للمشروع الامبريالي الأمريكي القطعة الأكثر دسامة من الكعكة الإفريقية والمغاربية التي لطالما احتكرتها القوى الامبريالية الأوروبية قبل أن تتمكن الصين من اختراق هذا المجال الحيوي الأوروبي لتجد الولايات المتحدة الأمريكية نفسها متأخرة في حلبة التنافس الامبريالي حول السيطرة على ثروات القارة ومقدراتها بوصفه مدخلا أساسيا للهيمنة على العالم بفضل ما تختزنه هذه القارة من احتياطيات منجمية وطاقية وعقارية ضخمة تنظر إليها القوى الامبريالية بوصفها جزءا مهما من علاج أزمتها الاقتصادية وهو ما يفسر حرص الولايات المتحدة الأمريكية على تدارك تخلفها في السباق الامبريالي بأفريقيا من خلال ستة محاور رئيسية وفق الباحث النيجيري حكيم ألادي نجم الدين:

  1. الدفع بالتجارة والاستثمار بدلا من المعونة.
  2. إعطاء القطاع الخاص دورا محوريا في التنمية.
  3. تنشيط “الدبلوماسية التجارية” وتقييم سفراء أميركا في أفريقيا بناءً على نجاحهم التجاري.
  4. تشكيل “فرق صفقات” في السفارات الأميركية لرصد الفرص التجارية وربط الشركات الأميركية بالشركاء الأفارقة.
  5. تركيز الاستثمارات على مشاريع البنية التحتية واحتواء نفوذ منافسي واشنطن في القارة، وخاصة الصين.
  6. السعي لإصلاح مبادرة “قانون النمو والفرص في أفريقيا” لتكون قائمة على تبادل المنافع والمعاملة بالمثل.

من الطبيعي أن تكون الجزائر التي تحرص على اعتبار نفسها قوة إقليمية أفريقية إحدى البوابات الرئيسية للتدخل الأمريكي في القارة لا سيما بعد التصريحات التي أدلى بها السفير الجزائري في واشنطن صبري بوقادوم عند تعبيره عن حدود التعاون والتقارب الأمريكي الجزائري “بأن لا حدود لهذا التعاون والتقارب سوى السماء” وتزداد التحولات في العلاقات الجزائرية الأمريكية دراماتيكية عند اطلاعنا على تصريح آخر أدلى به نفس السفير في شهر نوفمبر الفارط خلال ندوة نظمها مركز ستيمسون عندما سُئل بوقادوم عن ضغوط أمريكية محتملة لتشجيع التطبيع مع إسرائيل. وجاءت إجابته المقتضبة لكن الصادمة “كل شيء ممكن”.

وقبل أن تتحول العلاقات الديبلوماسية الأمريكية الجزائرية إلى صفقات فعلية وفق المنظور الترامبي للعلاقات الدولية التي يحصرها في السعي إلى الربح والمزيد من الربح، سجلت العلاقات الأمنية والعسكرية بين البلدين تطورا غير مسبوق فرغم إن التنسيق الأمني والعسكري بين البلدين لم ينقطع طيلة العقود السابقة في علاقة بمقاومة الإرهاب في منطقة شمال إفريقيا والساحل الإفريقي فإنه بقي تنسيقا حذرا ولكن في جانفي 2025 استقبلت الجزائر، القائد السابق للقيادة الأمريكية العسكرية في إفريقيا “أفريكوم” الجنرال مايكل لانغلي في زيارة رسمية توجت بتوقيع مذكرة تفاهم وصفت بـ”الهامة” في التعاون العسكري بين البلدين. وكان قائد عمليات القيادة الأمريكية في إفريقيا ومرشح ترامب لتولي قيادة “أفريكوم” الجنرال داغفين أندرسون وجه دعوة لإدارة بلاده من أجل التقرب أكثر من الجزائر.

وقال في جلسة استماع أمام الكونغرس في شهر جويلية الماضي “يجب على الولايات المتحدة، أن تسعى لإعادة توجيه الجزائر بعيدا عن اعتمادها التاريخي على روسيا” وذلك “عبر بناء شراكة عسكرية واستراتيجية قوية”. وقد بقيت بنود هذه المذكرة غير معلنة واقتصرت التعليقات عليها من الجانبين الجزائري والأمريكي على التوصيفات الديبلوماسية الفضفاضة مثلما جاء في الموقع الرسمي لوزارة الدفاع الجزائرية، “تناول اللقاء تعزيز علاقات التعاون العسكري بين البلدين وتبادل وجهات النظر حول القضايا الأمنية الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك. كما أشاد الطرفان بالديناميكية الإيجابية التي تشهدها الشراكة الجزائرية-الأمريكية في مجالات الدفاع والأمن” أو ما جاء على لسان نائب وزير الدفاع الجزائري السعيد شنقريحة الذي أعرب عن تطلع الجزائر إلى “الارتقاء بهذه الشراكة إلى مستويات أعلى بما يخدم مصالح البلدين”، مشددًا على أهمية “الحوار البناء” و”الشراكة المستدامة”. من جانبه، أكد لانغلي على أهمية “التنسيق المتعدد الأبعاد بين الطرفين”، مشيدًا بـ”مساهمة الجيش الوطني الشعبي في تعزيز الأمن والسلم في المنطقة”.

مهما كان عمق المراجعات أو التنازلات التي قدمتها أو التي ستقدمها منظومة الحكم الجزائرية وهي تحث الخطى نحو البيت الأبيض والتي حرص الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في أحد خطاباته على تنسيبها قائلا “إن عدم الانحياز يجري في دمنا نحن الجزائريين” فإن بعض الثوابت الديبلوماسية والعسكرية غير قابلة للمراجعة وعلى رأسها اعتبار النظام المغربي المجاور العدو التقليدي رقم واحد، بل إن هرولة النظام الجزائري نحو الولايات المتحدة الأمريكية ليس سوى محاولة للحد من الحصار الديبلوماسي الذي تمكن نظام المخزن بالمغرب من ضربه على الجزائر ومن خلفها على جبهة البوليزاريو بفضل علاقاته الاستراتيجية مع الأطراف التي تسجل علاقاتها توترا مع الجزائر وخاصة فرنسا. لكن السؤال الذي يطرح نفسه بشدة والذي يمكن أن يكون جوابه جزء من إعادة تشكيل المنطقة هو إلى أي مدى يستطيع النظام الجزائري مجاراة النظام المغربي في تقديم التنازلات والاضطلاع بدور الوكيل للمخططات الإمبريالية وفي مقدمتها مخطط التطبيع الشامل وتصفية قضايا التحرر الوطني بالمنطقة بما فيها قضية الصحراء الغربية والقضية الفلسطينية.

ومهما كان هذا التقارب في مصلحة النظام الجزائري بالمساهمة في التخفيف من حدة عزلته الإقليمية والدولية فإنه بالتأكيد لن يكون في مصلحة الشعب الجزائري وقواه المناضلة في سبيل التحرر السياسي والاجتماعي ولا في مصلحة الشعوب المغاربية بوصفه تقارب يعزز من نفوذ الامبريالية الأمريكية في منطقتنا.

إلى الأعلى
×