الرئيسية / صوت العالم / ترامب يحوّل مجلس الأمن إلى مزاد علني للبيع
ترامب يحوّل مجلس الأمن إلى مزاد علني للبيع

ترامب يحوّل مجلس الأمن إلى مزاد علني للبيع

بقلم عماد المناعي

إن المتمعّن في تصريحات كل من ترامب ونيتانياهو منذ انطلاق الهجمة الصهيونية الهمجية الشرسة بدعم أمريكي أوروبي وفي صمت عربي إسلامي إلى حدّ التواطؤ الصريح على قطاع غزة والغير مسبوقة في تاريخ الحروب من حيث العدوان وكمية الذخائر المستعملة وفظاعة الدمار والتدمير والتقتيل والتشريد والتجويع التي عانى منها سكان قطاع غزة الويلات على مدار عامين بداية من يوم 7 أكتوبر 2023، تاريخ قيام حركة حماس بتنفيذ عملية طوفان الأقصى، دون اعتبار الويلات التي عاشها سكان فلسطين على مدار عقود من الزمن من اغتصاب لأرضها ووضعها تحت الانتداب البريطاني والتنكيل بشعبها من قبل عصابات الكيان الصهيوني، يعي جيّدا ما الذي يرميان إليه وخاصة حين ندقق في بنود خطة ترامب في مرحلتها الأولى كما في مرحلتها الثانية حيث باطنها يُخفي ما لا يكشفه شكلها وإن كان هذا الشكل يُنبئ بما يخفيه، وخصوصا لو تتبعنا المسار الذي يجري داخل الكيان الإسرائيلي أو ما ينتهجه هذا الكيان سواء داخل قطاع غزة أو مع دول الجوار مثل لبنان وسوريا، وهي مؤشرات تعرّي خطة ترامب من إنسانيتها وتكشف عن وجهها الاستعماري لتظهره كموزع للخطط يمينا وشمالا، خطة لغزة، خطة لأوكرانيا وخطة للسودان ومن يدري خطة لحكم العالم ليحلّ محل منظمة الأمم المتحدة “الرجل الميت” بعد أن قام بقبره ونصّب نفسه حارسا للسلام في العالم، هذه الخطة وغيرها من الخطط من الممكن أن تكون تجربة نموذجية أولية لحكم دولي أحادي الأقطاب تتزعمه القوى الامبريالية، أصبح من الضروري التصدّي له لخطورة برنامجه لا على فلسطين وقطاع غزة تحديدا وإنما على الشعوب بأسرها.

خطة ترامب في غزة وصدور القرار

* بعد قمّة شرم الشيخ في مصر يوم 13 أكتوبر 2025، أعلن عن وقف إطلاق النار في غزة وبداية تنفيذ خطة ترامب في مرحلتها الأولى بحضور 31 دولة بقيادة ترامب، هذا الاتفاق قضى بوقف كامل لإطلاق النار بين الطرفين وتبادل الأسرى أحياء أو أمواتا وبداية دخول المساعدات الإنسانية ونزع سلاح حركة حماس مع تقسيم قطاع غزة الى مناطق تفصل شرقي قطاع غزة المحاذي للغلاف عن الداخل.

* لكن ورغم عدم اكتمال المرحلة الأولى من خطة ترامب التي شهدت خروقات شبه يومية من جانب الكيان الصهيوني الذي لم يكفّ عن توجيه غارات جوية وضربات مدفعية وإطلاق نار والقيام بعمليات اغتيال داخل القطاع موقعا العديد من القتلى والمصابين بالرغم من التزام حركة حماس بتنفيذ بنود الاتفاق فيما عدى تسليم بعض جثامين القتلى الإسرائيليين التي لم تتمكن حركة حماس من العثور عليهم لقلة الإمكانيات اللوجستية والذين كانت إسرائيل السبب سواء في قتلهم أو في ردمهم تحت الأنقاض أو الحيلولة دون العثور عليهم أو لصعوبة في إخراجهم من تحت الركام، وهو ما تعللت به إسرائيل لاستئنافها إطلاق النار ومواصلة الحرب بتعلّة خرق حركة حماس للاتفاق.

* وإن كانت تلك المرحلة الأولى من خطة ترامب قد حُظيت بموافقة 31 دولة في شرم الشيخ، فإن ترامب لم يكتف بذلك للمرور الى المرحلة الثانية بل أراد أن يُضفي شرعية دولية أكبر على خطته فقدّم مشروعا للمصادقة عليه وإقراره من قبل مجلس الأمن للأمم المتحدة لجعلها خطة شرعية ذات أبعاد دولية تتبناها جميع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة، لا خطة ترامب الشخصية، حتى لا يتحمّل لوحده تبعات كل ما يمكن أن يحدث لاحقا في غزة.

* بتاريخ 17-11-2025 أصدر مجلس الأمن قرارا تحت عدد 2803 بعنوان الخطة الشاملة لإنهاء الصراع في قطاع غزة يقرّ فيه مشروع قرار أمريكي معدّل متعلق بخطة ترامب المتكوّنة من 20 نقطة. وقد حُظي هذا القرار بموافقة 13 عضو بمجلس الأمن بمن فيهم الجزائر بوصفها ممثلة للمجموعة العربية وما أثارته هذه الموافقة من جدل كبير بين ما هو قانوني وما هو مبدئي، كما قوبل هذا القرار بالمقابل بامتناع روسيا والصين عن التصويت دون اللجوء إلى استعمالهما لحق الفيتو للاعتراض عليه بالرغم من عدم الأخذ بالمشروع الروسي المقدّم في مواجهة خطة ترامب في الاعتبار.

* من أهم بنود القرار 2803
لم يتعرّض هذا القرار بتاتا لموضوع حلّ الدولتين ولا للآليات والتقنيات المحدّدة لتنفيذ بنوده تاركا لترامب تحديد كل ذلك. ومن أهمّ هذه البنود التي تُعتبر خطرا محدقا على قطاع غزة وأهله ومقاومته دعوته لتلبية رغبة ترامب إلى تأسيس مجلس سلام باعتباره هيئة إدارية انتقالية ذات شخصية قانونية دولية للإشراف على إعادة إعمار غزة حتى استكمال برنامج إصلاح السلطة الفلسطينية، مع إضافة عبارة تؤكد على أن عمل المجلس يجب أن يتماشى مع مبادئ القانون الدولي، مع الإشارة إلى أن استكمال برنامج إصلاح السلطة الفلسطينية والتقدم في إعادة الإعمار قد يهيّآن الظروف لمسار نحو تقرير المصير والدولة الفلسطينية مع فتح حوار أمريكي بين الأطراف حول الأفق السياسي.
وقد أكد هذا القرار على ضرورة استئناف دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة بالتضامن مع مجلس السلام وضمان أن يقتصر استخدامها على الأغراض السلمية. كما يجيز القرار للدول المشاركة في مجلس السلام دون تحديدها إنشاء كيانات تشغيلية ذات سلطات دولية لإدارة الحكم الانتقالي والإعمار والخدمات والمساعدات وتنظيم حركة الدخول والخروج من القطاع. كما يجيز إنشاء قوة استقرار دولية مؤقتة في قطاع غزة تعمل تحت قيادة موحّدة يقبلها مجلس السلام بالتنسيق مع مصر وإسرائيل ولها حق استخدام كل الإجراءات اللازمة وفق القانون الدولي لتنفيذ مهامها.
وككل بنود هذا القرار التي تكشف عن نواياها صراحة بما لا يدع مجالا للشك، فإن قوّة الاستقرار هذه ستعمل على تجريد غزة من السلاح وحصره بيد الكيان فقط دون غيره. ومن مهام هذه القوة حماية المدنيين وتدريب الشرطة الفلسطينية والمساعدة في تأمين الممرّات الإنسانية. وستعمل هذه القوة على مساعدة مجلس السلام على مراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار في غزة وإبرام الترتيبات التي قد تكون ضرورية لتحقيق أهداف الخطّة الشاملة. وقد ذكر القرار أنه مع تقدّم السيطرة ستنسحب قوّة الجيش الإسرائيلي وفق معايير وجدول زمني متفق عليه.
وما يؤكد تأبيد المؤقت ويجعل مجلس السلام سيّد نفسه وفوق القانون أن حدّد القرار مدّة نهاية ولاية مجلس السلام والوجود الدولي المدني والأمني في 31-12-2027 ما لم يقرّر المجلس خلاف ذلك.

* إن قرار مجلس الأمن 2803 الذي أقرّ المشروع الترامبي الأمريكي المعدّل لم يكن مفاجئا وإن اختلفت حوله الأطراف. فكان موقف النظام العربي الرسمي واضحا من خلال تصويت الجزائر عليه باعتبارها ممثلة للمجموعة العربية التي ساندت أغلب أنظمتها الكيان الصهيوني طيلة الحرب على غزة ماليا واقتصاديا وعسكريا. كما رحّبت السلطة الفلسطينية في شخص محمود عباس بالقرار وأبدت استعدادها للمشاركة في تنفيذه بحجّة حماية سكان غزة.

وأما مختلف فصائل المقاومة، فقد رفضوا القرار معتبرين أنه يفرض آلية وصاية على سكان غزة وهو مرفوض من كل مكوّنات الشعب الفلسطيني. كما أكدت منظمة السلام الأمريكية في بيان لها أن القرار يُخفي خطة فعلية لدمج الاحتلال الإسرائيلي ضمن إطار دولي وإنكار كامل لحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم.

حقيقة خطة ترامب والمؤشرات على ذلك

* إن خطة ترامب من ناحية تكتيكية ما هي إلا طريقة لإخراج القوات الصهيونية الواقعة في المستنقع الغزي وتخفيف الضغط عنها تحت وطأة شراسة المقاومة الصامدة من جهة أولى، ومن جهة ثانية فك خناق العزلة المضروب على الكيان الغاصب خاصة وأن بعض الدول الأوربية المساندة للكيان بدأت في فرض إجراءات عقابية تجاه الكيان تحت ضغط التحرّكات الشعبية العارمة المساندة للقضية الفلسطينية. ومن جهة ثالثة محاولة إخماد تصاعد لهيب الاحتجاجات الشعبية التي عمّت كامل أرجاء المعمورة وأحرجت أنظمتها وإن كانت بدرجات متفاوتة.

* أما من الناحية الاستراتيجية فإن خطة ترامب المصادق عليها بالقرار الاحتلالي ما هي إلا محاولة لتحقيق حلم إسرائيل الكبرى ومحاولة لفوز ترامب بصفقة عقارية بعد تصفية المقاومة والإجهاز عليها وهو ما تؤكده كل المؤشرات الدائرة سواء في الكيان أو في محيطه بما في ذلك القرار نفسه.

* إن ما يجري داخل الكيان وما يقوم به في محيطه الخارجي لهو دليل قاطع على العمل من أجل تصفية المقاومة نهائيا تحضيرا لشرق أوسط جديد وقيام إسرائيل الكبرى. فتصريحات نيتانياهو ووزرائه وأعمالهم العدائية ما انفكت منذ 7 أكتوبر 2023 إلى يومنا الحاضر تؤكد حرصهم على إنهاء المقاومة وتصفية حركة حماس. فرغم دخول اتفاق شرم الشيخ لوقف إطلاق النار حيّز التنفيذ في 13-10-2025، فإن الكيان لم يتوقف عن إطلاق النار وإسقاط المزيد من الشهداء الى ما بعد صدور القرار. ولم يكتف الكيان بالسعي إلى تصفية المقاومة داخل قطاع غزة، بل إنه سعى وما يزال يسعى إلى إنهاء كل نفس مقاوم وهو ما تؤكده أعماله العدائية الدموية من ضرب لجنوب لبنان وعمقه الداخلي لتصفية حزب الله والقيام بجملة من الاغتيالات طالت أبرز قياداته كاحتلاله لجنوب لبنان ومناطق متعدّدة في سوريا دون تعرّضه لأيّ تصدّ رسمي من الدولتين.

وبذلك يكون الكيان الصهيوني قد نجح في الخروج من حرب غاشمة لم تمكّنه من تحقيق أهدافه المعلنة بادئ الأمر الى حرب خاطفة بموجب خطة ترامب التي ستمكنهما من تحقيق أحلامهما.

خطة ترامب وقبر “الرجل الميّت” منظمة الأمم المتحدة ووجوب التصدّي للاستعمار الجديد

* إن الخطط التي يقدّمها ترامب وينفذها تلقائيا ومباشرة دون الرجوع الى الأمم المتحدة حتى أصبح السيّد المهيمن عليها والمنتزع منها لقرارات تصدر عن مجلس الأمن تحت الطلب ما هي في الحقيقة إلا متاجرة بالأوطان وسلب لإرادة شعوبها في تقرير مصيرها ما دامت تجلب له المنافع وتحقق له الأحلام حتى وإن كانت ملطخة بدماء آلاف الأبرياء بتزكية من مجلس الأمن بعد السطو عليه، وهو ما يُعتبر إعلانا صريحا لقبر جثة قد همدت منذ مدّة طويلة، وأعني منظمة الأمم المتحدة التي فقدت استقلاليتها وسطا ترامب على صلاحياتها، فتعامل مع الصراعات والنزاعات في بعض مناطق العالم كإقطاعي أو صاحب عقارات يبيع ويشتري كما يشتهي ويتفاوض على أشياء لا يملكها ليجني منها الكثير من الأرباح إن لم يتمكن من حيازتها أو ضمّها لممتلكاته. فبعد خطة غزة ها هو يتفرغ الآن لتقديم خطة خاصة بأوكرانيا وخطة أخرى خاصة بالسودان.

*إن القرار 2803 حينما لم يتضمّن التنصيص على حق تقرير الفلسطينيين في إقامة دولتهم، وحينما سارع في مباركة خطة ترامب لغزة فقد دشّن مرحلة أخرى من مراحل استعمار البلدان والوصاية على الشعوب المضطهدة لا في غزة فقط وإنما سوف يعبّد الطريق أمام القوى ألإمبريالية للمضيّ قُدُما نحو المزيد من الاقتسام واستعباد الشعوب وبالتالي المزيد من المآسي والمعاناة.

*إن التحركات الشعبية العالمية العارمة التي ألقت الضوء من جديد على القضية الفلسطينية وأسقطت السردية الصهيونية، عليها أن تتواصل بأكثر زخم وأن تلتف حول قواها الديمقراطية والتقدمية والثورية كي لا يضمر ويخفت وينطفئ ذلك الضوء. فحرب الكيان لم تتوقف ولن تتوقف، وما علينا سوى النضال والتصدّي لكل مشروع استعماري ينهب الأوطان ويستعبد البشر. فالحرب هي الحرب سواء كانت غاشمة أو ناعمة كالتي ينتهجها الكيان في غزة أو في سوريا أو في لبنان. فما الهدف منها سوى القضاء على المقاومة أينما وُجدت ليسهل عليه إخضاع الشعوب وافتكاك الأوطان.

إلى الأعلى
×