الرئيسية / عربي / مقتل العميل “أبو شباب”: فشل مشروع الشاباك في قطاع غزة
مقتل العميل “أبو شباب”: فشل مشروع الشاباك في قطاع غزة

مقتل العميل “أبو شباب”: فشل مشروع الشاباك في قطاع غزة

بقلم وليد المرداسي

إنَ ظهور بعض المليشيات المسلحة الموالية للكيان الصهيوني في قطاع غزة ظاهرة ليست بجديدة فهي تعتبر أداة من أدوات الكيان المعتادة في مناهضته لحركات المقاومة لزرع العملاء، ولهذا برزت في المدة الأخيرة بقطاع غزة نحو ثلاث مليشيات محلية، الأولى موجودة في مدينة رفح ويقودها “ياسر أبو شباب”، والثانية في شرق خان يونس ويترأسها “حسام الاسطل”، أما الثالثة فهي في شرق مدينة غزة وزعيمها “رامي حلس”. ومن الواضح بأن جميع هذه التشكيلات المسلحة المرتزقة تعمل بالتنسيق مع بعضها وهناك خط اتصال مع قائد ما يسمّى بـ”القوات الشعبية” “ياسر أبو شباب” وبالتعاون العلني والمفضوح مع الكيان الصهيوني والتي تسعى إلى إنهاء حكم حماس والسيطرة على سدة الحكم في غزة كهدفها الأساسي.

فمن هو “ياسر أبو شباب”؟ وماذا وراء حقيقة تشكل مثل هذه الجماعات المرتزقة؟ وكيف تمت تصفية هذا العميل وماهي حقيقة الميدان؟ وماهي أهم الاستنتاجات؟

من هو “ياسر أبو شباب”؟ ومن يقف وراء تشكل هذه الجماعات المرتزقة؟

“أبو شباب” هو الذي عرف مؤخَرا بلقب “بابلو إسكوبار غزة”، فلسطيني من مواليد 1990 بمدينة رفح جنوب قطاع غزة، وكانت له سجلات جنائية تشمل الاتجار بالمخدرات وتهريبها، حكم عليه بالسجن لمدة 25 عاما قبل أن يتمكن من الفرار من السجن في بداية الحرب الأخيرة على قطاع غزة.

وكما نعلم، في ظل الفراغ الأمني وبالأخص شرق مدينة رفح، شكل أبو شباب مجموعة مسلحة في البداية أطلقت على نفسها اسم “جهاز مكافحة الإرهاب”. وفي ماي سنة 2025 غيّرت اسمهما إلى “القوات الشعبية”، حيث زعمت في البداية أنها ستؤَمّن قوافل المساعدات الإنسانية، لكن في حقيقة الأمر كان تشكلها وتسليحها بدعم وبتنسيق مباشر من الكيان الصهيوني، وكانت أولى أهدافها محاولة تقويض سيطرة حماس في قطاع غزة. كما تميزت هذه الجماعة بأعمالها الإجرامية مثل نهب المساعدات التي تدخل قطاع غزة والتخابر مع جيش الاحتلال لاستهداف عناصر المقاومة خاصة منها المتبقية المتحصنة في منطقة رفح التي لا تخضع للسيطرة “الإسرائيلية”. كما سعى الكيان إلى استغلال “أبو شباب” لانتمائه القبلي ولتأمين غطاء اجتماعي لأنشطة المرتزقة والأشخاص المقريين منه مثل “غسان الدهيني” الذي يعتبر نائب أبو شباب والعقل المدبر للجماعة المسلحة، كما تفيد بعض المصادر المطلعة بأن الدهيني كان مسؤولا سابقا في “جيش الإسلام” (وهو تنظيم مسلح متشدد ظهر في السنوات الأخيرة بقيادة دغمش) وتمّ فصله لاحقا في إطار قضية أخلاقية، كما تم اعتقاله (الدهيني) فيما بعد على خلفية قضايا جنائية. كما كشف الإعلام العبري بأن جهاز الأمن الداخلي “الشاباك” كان وراء تجنيد عصابة “أبو شباب” حيث أوصى رئيس الجهاز “رونين بار” رئيس الوزراء المجرم الناتنياهو بتنفيذ خطة تجنيد العصابات المرتزقة وتسليحها ضمن خطوة تجريبية حيث كانت الفكرة الأساسية للشاباك هو استخدام مثل هذه العصابات كمشروع تجريبي لمعرفة ما إذا كان بإمكانها فرض نوع من الحكم البديل لحماس في منطقة صغيرة ومحدودة داخل رفح.

وكما هو معلوم أيضا فأثناء الحرب على غزة جرت عدة محاولات لتأليب العشائر والعائلات ضدّ حكم حماس من خلال استغلال المصاعب التي يعيشها متساكنو القطاع ولقي عدد من المتواطئين مع الاحتلال مصرعهم خصوصاً في غزة فكان يصعب على الكيان حمايتهم ولكن الوضع مغاير بعض الشيء خاصة بعد ما انتقلت الحرب إلى الجنوب عموما وفي رفح خصوصاً لأنها منطقة حدودية حيث يشتغل العديد من أبناء العشائر والقبائل في تهريب البضائع الممنوعة والمخدرات ومن قطاع الطرق وهذا ما عرف عليه “أبو شباب” وعصابته من عمليات نهب وسرقة القوافل من الإعانات، حيث تتمّ بشكل علني وبحماية من جيش الاحتلال ما تسبب في صدامات دموية بين هذه المليشيات وقوات “سهم” التابعة لوزارة الداخلية في غزة التي أودت بأرواح كثير من أفراد الشرطة ومدنيين عزّل. وحتى إدارة الناتنياهو لا تنكر بأنها عملت على توزيع الأسلحة على بعض المجموعات المرتبطة بالجماعات السلفية المتشددة والمشبوهة وبعناصر إجرامية أخرى تشتغل في عمليات التهريب وتجارة المخدرات والهدف من وراء ذلك، كما ذكرنا سابقا، هو الحد من نفوذ حركات المقاومة في قطاع غزة.

مقتل العميل “أبو شباب”: حقيقة الميدان وأهم الاستنتاجات

اتسمت عملية قتل قائد الميلشيا “أبو شباب” بالغموض، حيث تضاربت الأنباء في طريقة مقتله، فقد كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” بأن هذا الأخير قد قتل متأثرا بالضرب المبرح أثناء شجار مع عناصر أخرى داخل جماعته، وأن “ظاهرة التصفيات الداخلية داخل المليشيات المحلية في غزة آخذة في الاتساع”. كما ذكرت إذاعة جيش الاحتلال بأن التقديرات تشير إلى أن “أبو شباب” قد تم القضاء عليه على يد أحد رجاله، وفي حقيقة الأمر هناك أكثر من مؤشر جدي يفيد بأن التصفية تمت على يد مقاتلين تابعين للمقاومة مجندين لاختراق تلك الجماعات المرتزقة، وهو ما أكدته إذاعة جيش الاحتلال عن مصدر أمني مطلع بأن حماس كانت لديها معلومات استخباراتية عن “أبو شباب” وأنها جمعت تلك المعلومات من مصادر مقربة جدا منه، ولهذا فإن هذه الفرضية قد تكون الأكثر وجاهة باعتبار هذه الجماعات العميلة تمثل الهدف الميداني والاستخباراتي الأساسي التي تعمل عليه حركات المقاومة في المدة الأخيرة سواء في شمال قطاع غزة أو جنوبه رغم أن المقاومة لم تعلن رسميا حتى الآن تبنيها للعملية ممّا يطرح مسألة التكتيك الجديد المعتمد للمقاومة ميدانيا واستخباراتيا وقدرتها على الوصول إلى المناطق التي تعدّ آمنة للاحتلال وأين يتمركز “أبو شباب” وجماعته ضمن “الخط الأصفر” تحت سيطرة قوات الكيان وتتمتع بحمايته الواسعة عبر تواجده العسكري ومنظوماته الاستخباراتية.

حقيقة الميدان وفشل مشروع “الشاباك”

بعد مقتل العميل “أبو شباب”، اعتبرت القناة 12 للكيان بأن مقتل هذا الأخير هو نتيجة مباشرة للسياسة قصيرة المدى التي تمارسها إسرائيل وفشل صاحب فكرة “البديل عن حماس” كما عبّرت إذاعة جيش الكيان عن مصدر أمني بأن “مقتل أبو شباب هو تطور سيء لإسرائيل”، وبهذا فإن الفكرة الأساسية التي عمل عليها العدو هي أن تكون إدارة قطاع غزة لليوم الأول بعد الحرب لفائدة المليشيات المناهضة لحركات المقاومة وموالية للكيان الصهيوني قد سقطت بمقتل زعيم الجماعات المرتزقة في عملية غامضة ومركبة، ومن جهة أخرى فإن اليد العليا للمقاومة متواجدة في كل نقطة ميدانية حتى ولو كانت ضمن “الخط الأصفر” وتحت حماية جيش الاحتلال. وفي المقابل صرحت حركة حماس حول مقتل أبو شباب بأنه “المصير الحتمي لكل من خان شعبه ووطنه ورضي أن يكون أداة في يد الاحتلال”. كما أكد مصدر مطلع من حماس في أمن المقاومة بأن أكثر من 8 منتسبين للمليشيات المدعومة من الاحتلال بادروا خلال المدة الفارطة بتسليم أنفسهم للجهات المختصة وذلك عقب إعلان فتح “أبواب التوبة” لمدة 10 أيام. وهذا ما أكدته هيئة البث الإسرائيلي عن مصادر فلسطينية يوم 7 ديسمبر الجاري بأن بعض المسلَحين الذين ينتمون إلى مليشيات عشائرية معارضة لحماس بدأوا بتسليم أنفسهم طوعا للأجهزة الأمنية التابعة لحماس وقد تركَزت عمليات التسليم خاصة في مناطق رفح وخان يونس حيث تنشط.

ومن أهم الاستنتاجات بأن الاحتلال ورغم كل محاولاته لم يفلح في المساس بوحدة الشعب الفلسطيني الذي لازال محتضنا لحركات المقاومة، وهذا ما تؤكده الحقائق الميدانية. وبالمقابل فإن العصابات التي ساهم الاحتلال في تشكيلها بقيت معزولة دون سند شعبي أو مجتمعي، وهذا ما عبّر عنه رئيس التجمع الوطني للقبائل والعشائر الفلسطينية “علاء الدين العكعوك” قائلا “بأن الاحتلال قد لجأ إلى توظيف مجموعة من الأشخاص المرتبطين بسجلات إجرامية محاولا إضفاء صبغة قبلية وعشائرية ولكنه لم يفلح في تكريس مشروعه”، وعليه يمكن القول بأن مشروع “الشاباك” في الاعتماد على مثل هذه العصابات من المرتزقة والعميلة من أجل فرضها في اليوم الموالي للحرب قد فشل فشلا ذريعا، و بأن المقاومة والشعب الفلسطيني انتصرا مجددا وظلا صامدين كما كانا في وجه كل المؤامرات رغم كل الخيانات بالداخل والخارج.

إلى الأعلى
×