بقلم أسامة الشعبوني
من الطبيعي أن يُبدي المهتم بالشأن العام، وخاصة المتابع للحقل الطلابي في تونس، ملاحظات عديدة حول الوضع الراهن الذي يعيشه الطلبة، أو حول أداء منظمتهم النقابية، الاتحاد العام لطلبة تونس. ويزداد هذا الاهتمام لدى من عاش فترات نضالية سابقة أو كان على اطلاع بتاريخ الحركة الطلابية، التي لعبت أدوارًا مفصلية منذ الاستعمار وحتى السنوات القليلة التي سبقت الثورة. فقد مثّلت هذه الحركة إطارًا لتأطير الطلبة وتثقيفهم وصياغة وعي سياسي واجتماعي، إلى جانب مشاركتها في مسيرات واحتجاجات دعمت الحراك الشعبي إبان الثورة التونسية.
ورغم ثراء تجربة الحركة الطلابية وتنوعها، فقد تعرّضت إلى انتقادات متزايدة بعد الثورة، خاصة مع تراجع واضح في مستوى الوعي الطلابي. ويُرجع البعض هذا التراجع إلى ضعف الأداء النقابي نتيجة الانتقال إلى العمل العلني، والانقسامات الداخلية التي عرفتها المنظمة، إضافة إلى عودة النقابات ذات التوجه اليميني إلى النشاط، وانفتاح الجامعة على عدد كبير من النوادي والجمعيات.
هذا التعدد كان يمكن أن يشكّل فرصة لتكثيف التوعية السياسية والفكرية داخل الجامعة، والتنافس من أجل استقطاب الطلبة نحو قيم التقدم والتحرر. غير أن الواقع جاء مخيبًا للآمال، إذ انحصر نشاط أغلب هذه الفضاءات – باستثناء الاتحاد العام لطلبة تونس – في الجانب الترفيهي، أو في اتجاه تعميق القطيعة بين الجامعة وواقع المجتمع التونسي وقضاياه الأساسية.
استمر هذا الوضع داخل الجامعة لسنوات، مع استثناءات محدودة تمثلت في محاولات متفرقة من بعض الأطراف، وعلى وجه الخصوص من مناضلات ومناضلي الاتحاد العام لطلبة تونس، الذين سعوا في كل مرة إلى إعادة إحياء العمل النقابي والسياسي.
إلا أن هذه الجهود ظلت محدودة الأثر، نظرًا لافتقارها إلى الإمكانيات، ولصعوبة منافسة أطراف أخرى أكثر تنظيمًا وتوفرًا على موارد مالية أكبر، وهو ما عكس بوضوح توجه الدولة في الفترة الماضية نحو دعم مسارات بديلة تُضعف الفعل النقابي المستقل داخل الجامعة.
لكن بداية السنة الجامعية 2024-2025 حملت مؤشرات على تحوّل لافت في المشهد الطلابي. فقد بدأت ملامح عودة روح العمل السياسي والتثقيف النقابي تبرز مجددًا، خاصة بعد انعقاد المؤتمر الوطني الأخير للاتحاد العام لطلبة تونس. وقد شهدت عدة مؤسسات جامعية، وفي جهات متعددة من البلاد، أنشطة نقابية متجددة، انطلقت بإضراب عام وطني دعت إليه المنظمة وانخرط فيه الطلبة بقوة، تزامنًا مع الإضراب العالمي تضامنًا مع غزة ورفضًا للإبادة الجماعية.
يُعدّ هذا الإضراب من أنجح التحركات الطلابية خلال السنوات الأخيرة، سواء من حيث المشاركة الجماهيرية في مسيرة العاصمة أو في مختلف الجهات.
إلى جانب ذلك، نُظمت سلسلة من الندوات السياسية والنقابية، بلغ بعضها ذروته بمناسبة اليوم العالمي للشبيبة المناهضة للإمبريالية، من بينها ندوة بكلية ابن شرف أشرف عليها الاتحاد العام لطلبة تونس، سجلت حضورًا طلابيًا لافتًا ونقاشًا ثريًا تمحور حول دعم المقاومة الفلسطينية.
وفي اليوم نفسه، 23 أفريل، تواصلت الأنشطة بندوة سياسية نظمها مناضلو ومناضلات اتحاد الشباب الشيوعي التونسي، حضرها عدد محترم من الطلبة وشهدت تدخلات متنوعة من ضيوف ناقشوا سبل مناهضة الإمبريالية في السياق الحالي.
تناولت الندوة عدة محاور تقاطعت فيها قضايا الإمبريالية مع مبادئ الحركة الطلابية، مرورًا بعلاقتها بالتلوث البيئي، واستغلال الموارد الطبيعية، والسيطرة على مقدّرات الشعوب. وقد تميّزت الندوة بالحضور الطلابي القوي، والنقاش العميق الذي اتخذ منحًى تفاعليًا خاصة في جزئها الثاني، مما عكس اهتمامًا متزايدًا بهذه القضايا لدى الجيل الجامعي الجديد.
وفي السياق نفسه، نُظمت يوم 25 أفريل بمدينة صفاقس ندوة فكرية تحت عنوان “شباب يقاوم، شباب يناهض الإمبريالية”، وذلك بأحد مدارج كلية الآداب والعلوم الإنسانية.
تطرقت الندوة إلى ثلاث محاور رئيسية: بداية بمفهوم الإمبريالية وتطوره، ثم دور الحراك النسوي في مواجهتها، وأخيرًا إسهام الحركة الطلابية في النضال ضد الهيمنة والاستغلال.
وقد شهدت الندوة حضورًا طلابيًا هامًا، حيث تميّزت بتفاعل ملحوظ من المشاركين، خاصة خلال النقاشات التي أعقبت كل محور من المحاور.
ولم تقتصر الأنشطة داخل الجامعة التونسية على ما ذُكر فقط، بل امتدت إلى مناطق أخرى، حيث نظّم المعهد العالي للغات في قابس نشاطًا مماثلًا، إلى جانب النشاط الفكري الذي تم تنظيمه في المركب الجامعي ببرج السدرية حول دعم المقاومة الفلسطينية. كما تم تنظيم مسيرة طلابية يوم 24 أفريل في إطار اليوم العالمي للشبيبة المناهضة للإمبريالية، انطلقت من المقر المركزي للاتحاد العام لطلبة تونس وصولًا إلى البنك المركزي، ثم وزارة الطاقة، تعبيرًا عن موقف الطلبة من قضايا السيادة الوطنية ومناهضة الهيمنة الاقتصادية.
من المحتمل أن تكون هناك العديد من الأنشطة المشابهة التي أُقيمت في جهات وأجزاء جامعية أخرى لم نتمكن من تغطيتها. لكن الأكيد أن طفرة الأنشطة التي عرفتها الفضاءات الجامعية شهر أفريل وتميزت بثراء وتنوع كبيرين تسمح بالمقارنة مع السنوات السابقة والقول أن عدد الفعاليات والندوات التي أُقيمت هذا الشهر يوازي أو يفوق ما يتم تنظيمه عادة على مدار عام كامل.
هذا الأمر يدفعنا للتساؤل: هل نحن اليوم إزاء مرحلة جديدة من نهوض الحركة الطلابية ونضالاتها؟ وهل ستتمكن من استعادة حيويتها السابقة في تأطير الطلبة بشكل مستدام، وتثقيفهم، وتوجيههم نحو أداء أدوار بارزة في المجتمع والدفاع عن قضايا الشعب العامة؟
ذلك ما نأمله، رغم التحديات السياسية التي يشهدها الوضع المتأزم في تونس، والتي قد تؤثر سلبًا على هذه الأنشطة الطلابية، خصوصًا إذا ما توسعت. فالوضع السياسي الراهن يطرح تهديدات مباشرة لحرية النشاط النقابي والسياسي داخل الجامعات، وهو ما يقظة كبيرة لحماية هذه الحريات الضامن الأساسي في اضطلاع الحركة الطلابية بدورها ومساهمتها في التغيير الاجتماعي والسياسي علاوة على الدفاع عن حقوق الطلبة والمجتمع ككل. في ظل هذه التحديات، تصبح الحركة الطلابية في حاجة ملحة إلى تعزيز موقفها ضد التضييق على الحريات، ومواجهة محاولات إضعاف دورها المؤثر.
لا شك أن مثل هذه الأنشطة سيكون لها تأثير كبير ودور أساسي في تشكيل جيل طلابي جديد، جيل ثائر ضد الوضع القائم، ومتمسك بالقيم الإنسانية، ومدافع عن حريته وكرامته وحقوق شعبه. وهذه مسؤولية جماعية تفرض على الجميع أن يسهموا في إعادة إحياء الأنشطة الطلابية، والعمل على تأطيرها وتوجيهها نحو النجاح. كما أننا بحاجة ماسة لاستنهاض الوعي الطلابي، وإنقاذه من محاولات التهميش التي تهدف إلى تقليص دوره في الدفاع عن مصالحه وحقوقه.
صوت الشعب صوت الحقيقة
