بقلم منذر خلفاوي
عُقدت أخيرا القمّة بين بوتين وترامب في ألاسكا يوم 15 أوت 2025 بهدف إنهاء الحرب في أوكرانيا التي أودت بحياة أكثر من مليون ضحية من الجانبين بمعدل سبعة آلاف كل أسبوع. وشملت تركيبة الوفدين وزراء الخارجية والأمن والمالية وأجهزة الاستخبارات مع غياب وزراء الدفاع، عقبها لقاء بعد أيام بين الرئيس الأمريكي ووفد رفيع المستوى من دول الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو وكذلك زيلنسكي رئيس أوكرانيا في البيت الأبيض.
انتهت القمة بلا اتفاق على وقف إطلاق النار في أوكرانيا و بدلًا من شعار “وقف فوري”، عاد ترامب يتحدّث عن “اتفاق سلام أوسع” تلبية لرغبة بوتين.
الأهداف من وراء القمة
مقررات الاجتماع لن ترسم مستقبل أوكرانيا فقط، بل خريطة أوروبا كلها لعقود قادمة.
إنّ الهدف الحقيقي من القمة ليس السلام كما يروّج له وإنما البحث عن اتفاق بين القوتين الامبرياليتين لتأمين مصالحهما الاقتصادية والعسكرية.
فالهدف بالنسبة لروسيا هو كسر العزلة و كسب الوقت لتحسين شروط التفاوض بعدم وقف العمليات العسكرية التي تتفوق فيها في المدة الأخيرة، والتخفيف من العقوبات الاقتصادية دون التنازل عن تحالفاتها مع دول البريكس وخاصة الصين، وكذلك عدم التخلي عن شروطها المتمثلة في رفض وقف إطلاق النار فوريا والتمسك بـ”معالجة المشاكل الجذرية أولا”، ورفضها المقترحات الأوروبية مثل وضع قوات حفظ السلام مع حدودها والتحاق أوكرانيا بحلف الناتو وعدم الاستعداد للتفريط في الأراضي التي احتلتها مثل إقليم دونباس والمدن التي تسيطر عليها بصفة كاملة (خيرسون وزابوروجيا ودونيتسك ولوغانسك). وهي تؤكد على إزالة النازية من أكرانيا باعتبار زيلنسكي فاقد للشرعية.
أمّا أهداف الجانب الأمريكي فهي أساسا تحييد روسيا القوة النووية العالمية بل العمل على جرّها إلى جانبه وتطوير المبادلات والاستثمارات التجارية معها باعتبار أنّ العدو الرئيسي الواجب تركيز القوى في الصراع معه هو الصين المنافس الرئيسي اقتصاديا. وللإشارة فإن هذا اللقاء يلبّي مصالح قادة أهمّ مؤسسات الاستثمار وخاصة في مجال الطاقة الذين يمثلون القادة الفعليين للاقتصاد الرأسمالي الامبريالي في البلدين.
الاتحاد الأوروبي، الخاسر الأكبر
استبعد قادة الاتحاد الأوروبي وزيلنسكي وممثلو المنظمات الدولية من قمة “العمالقة” أي القوتين الإمبرياليتين الأمريكية والروسية، وهو ما يعبّر عن موازين القوى الفعلية بين مختلف البلدان الامبريالية وضعف القارة العجوز وتراجعها على المسرح الدولي. فهي تتخبط في أزمة اقتصادية حادة (انخفض الإنتاج الصناعي الألماني بنسبة 1.9% في جوان 2025) وهو أكبر انخفاض منذ كوفيد-19 وهو إشارة إلى أن ألمانيا – وبالتالي أوروبا – في طريقها إلى كارثةٍ اقتصادية كما نعلم أن دول حلف الناتو قد رضخت لشروط الأمريكان بالترفيع في ميزانيات وزارات الدفاع إلى 5 % على حساب ميزانيات التعليم والصحة والسكن …الخ خدمة للأغراض العسكرية الأمريكية ممّا يثقل كاهل الشعوب ويفاقم الأزمة.
ما بعد ألاسكا
الدولة العميقة للبلدان الامبريالية لا تريد السلام وأكبر دليل على ذلك تضخم ميزانيات الحرب والتسلّح المتسارع والتهديد باللجوء للسلاح النووي للمحافظة على الهيمنة أو طلب حصص جديدة للامبرياليات الصاعدة المزاحمة. لذا، بينما يتحدّث السياسيون عن “السلام”، فإن الدولة العميقة تضمن أن الحرب تستمر. وبينما تعقد ما يروّج أنها لقاءات من أجل السلم تواصل آلة الحرب الامبريالية والصهيونية بتواطؤ من الأنظمة الرجعية وقوى الحياد المزيف جرائم الإبادة في فلسطين ولبنان والسودان وجرائم النهب والاستغلال في مختلف أنحاء العالم.
على القوى المناهضة للحرب والمطالبة بالسلم أن تعمل على ربط هذا الشعار بمناهضة الامبريالية والرأسمالية، العدوّ الحقيقي للشعوب، كما على القوى الثورية أن تشكل الجبهة المعادية للإمبريالية والاحتراز ممّن يدّعون صداقة الشعوب قولا ولا يقدمون الدليل على ذلك إزاء المجازر والتطهير العرقي.
صوت الشعب صوت الحقيقة
