لن يتحوّل القطاع إلى محمية دولية… ولا وصاية على شعب يقاوم الإبادة
بقلم سمير جراي
ما لا تفهمه الأنظمة العربية قبل الدول الداعمة للكيان الصهيوني، والولايات المتحدة وترمب نفسه، أن الفلسطينيين الذين عاشوا وقدّموا كل التضحيات دفاعا عن أرضهم ووطنهم، لن يستسلموا أبدا أمام محاولات سلب الحقوق المشروعة وتصفية القضية.
لن يكون الاستسلام بمجرّد قرار استعماري من مجلس الأمن، ولا بمشروع صهيوأمريكي، وقد صمدت المقاومة والشعب الغزاوي منذ أكتوبر 2023 أمام آلة الحرب الصهيونية المدعومة غربيا، ووقفت شامخة أمام الإبادة الجماعية، راسمة ملاحم تاريخية إعجازية في الصمود والتضحية ونكران الذات والدفاع عن الحق والأرض.
وفي كل مرة يظنّ العالم أن الفلسطيني قد انكسر، يكتشف أنه أمام شعب لا يعرف المساومة على حقوقه، ويولد في كل مرة من بين الدمار والركام، ويرتفع صوت غزة كأنّه امتحان للعالم كله، ويفضح الجميع، من يقف مع القاتل، ومن يختبئ خلف قلم في مجلس الأمن.
الفصائل: “لا وصاية.. لا إدارة أجنبية.. ولا تواطؤ عربي“
في لحظة مفصلية من تاريخ الصراع، وبينما تحاول أمريكا فرض ترتيبات جديدة على القطاع تحت عنوان “السلام” الكاذب، و“إعادة الإعمار“، كان ردّ الفصائل والقوى الفلسطينية حاسم يقطع الطريق على كل محاولات الالتفاف على الإرادة الوطنية، فالشعب الفلسطيني، الذي دفع أثمانا باهظة عبر قرن من النضال والتهجير والمجازر، لن يقبل وصاية جديدة ولا أي صيغة تنتزع حقه في المقاومة وتقرير المصير.
القرار الصهيوأمريكي المدعوم عربيا، ليس سوى فصل آخر من الرواية التي يحفضها الفلسطينيون جيدا، واشنطن تكتب وتقرّر، العالم يصوّت، والصهيوني يجلس مبتسما.
الفصائل الفلسطينية مازالت بوصلتها في الصراع واضحة، وأكدت أن ما أُقِرّ في مجلس الأمن، عبر المشروع الأمريكي وخطة ترامب للسلام في غزة، يمثّل شراكة دولية في حرب الإبادة المستمرة عليها، أكثر مما يمثّل خطوة نحو إنهاء العدوان. فالقرار، وكما وصفه بيان الفصائل، يتجاوز المرجعيات الدولية المتفق عليها، ويشكّل محاولة خسيسة لفرض ترتيبات ميدانية وسياسية خارج الإرادة الوطنية الفلسطينية، تمهّد لإعادة إنتاج واقع من السيطرة والتحكم بالقطاع المدمّر، عبر قوة دولية لا تختلف في جوهرها عن كل أشكال الاحتلال.
خذلان عربي… لكنه لا يلغي البوصلة الفلسطينية
أما عن الخذلان العربي الذي يأتي متخفيا أحيانا، ومكشوفا فجّا أحيانا أخرى، فلم يعد يفاجئنا، ولم يكن إلا انعكاسا طبيعيا لحالة هذه أنظمة التي لا تريد سوى تقوية عروشها ومصالحها مع اللوبيات الصهيوأمريكية، وحافظت هذه الأنظمة العميلة على “وقفة العار” في جانب الضفة الخطأ من التاريخ.
صوّتت الجزائر التي طالما اعتُبرت صوتا صلبا للقضية، لصالح القرار، ومصر التي التي تحمل مفاتيح الجغرافيا والحدود، ظلّ موقفها من البداية داعما للمسار الأمريكي.
وبينما كانت غزة تحتاج إلى موقف عربي لا يساوم، مثّلت مواقف الدول العربية صفعة إضافية تُضاف إلى سلسلة خيباتنا التي تنتهي، ومثّل الغطاء السياسي الذي وفّرته بعض العواصم العربية، شرعّية زائفة ومجانية للوصاية على غزة، ومشاركة مباشرة في إعادة تشكيل غزة تحت إرادة أمريكية– صهيونية، مع مساع محمومة لإعادة صياغة الوضع الفلسطيني بما ينسجم مع مخططات ترمب الإمبريالية والاستعمارية.
القرار الذي كتب برؤية ترمب وفي الأمم المتحدة وعلى مقاس العدو الصهيوني، يثبت أن المجتمع الدولي لا يزال عاجزا عن فهم طبيعة الفلسطينيين، وعن قراءة جوهر المقاومة التي لم تنشأ من أوهام، بل من عقود طويلة من الكفاح ومقارعة الاحتلال والاضطهاد والتّهجير.
المخزي حقا في الأمر أن النظام الرسمي العربي أصبح يتّجه إلى فكرة “إدارة الأزمة” أكثر مما يتمسّك بالوقوف خلف الحق. وتبقى المقاومة تقاتل على تخوم النار بظهر مكشوف، خلْفَه وجهٌ عربيٌ عارٍ من أي مساحيق قد تخفي عمالته وتسوياته وتفاهماته وحساباته الضيقة. ومع ذلك، فإن ما لا يدركه هؤلاء أن القضية ستبقى في يد شعب يعرف معنى العزة حين يدافع عن بيته، وعن أرضه وشجرته، وعن أطفاله، وأجيال تكتب أسماءها على الحجارة والحصى.
ليست هذه المواقف العربية سوى ضربة موجعة في لحظة تاريخية حساسة، فكيف لدول تطرح نفسها لعقود كسند فلسطين، أن تصوّت أو تدعم قرارا يعيد إنتاج الوصاية على غزة؟ وأن تمنح العدو المحتل فرصة مجانية ليخرج من مأزقه عبر قرار دولي يوفر له غطاء جديدا للإبادة؟ يا له من انفصال مخيف بين ما تخطّه الأنظمة الراضخة والمنبطحة، وما ترسمه الشعوب التي تعتبر فلسطين معيار الكرامة والعزة وصرخة الوجدان.
الخلاصة التي لا تريد الأنظمة العربية العميلة سماعها
ولعلّ ما تكشفه هذه اللحظة هي الحقيقة التي تبدو واضحة، مازالت الشعوب مع فلسطين ومقاومتها، وحقها في الوجود فوق الأرض وتحت الشمس، وبسلاحها الموجّه للعدو، وما زالت الأنظمة تسقط في كل امتحانات اللحظات الكبرى. وما نحن على يقين منه أن سقوطها لن يغيّر شيئا من المعادلة الجوهرية، غزة لن تُهزم والمقاومة لن تموت. كما أن المعركة لم تنته، بل ما يحدث هو فصل جديد من حكاية وطن وشعب لم تُكتب نهايتها بعد، أما الذين راهنوا على استسلام الفلسطيني سيكتشفون بلا ريب، أن فلسطين ستتحرر بإرادة شعبها، لا بما يمليه مجلس الأمن أو توقّعه يد عربية مرتجفة.
صوت الشعب صوت الحقيقة
