بقلم عثمان موسى
تشهد البلاد التونسية في السنوات الأخيرة تراجعًا ملحوظًا في مختلف المجالات: اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا، بما في ذلك مجال الحريات، إلى جانب تفاقم التفاوت بين الجهات واعتماد منوال تنموي متخلّف. ويبرز هذا التراجع خاصة في وضعية المرفق العمومي وتدنّي جودة الخدمات الموجهة للمواطن في مختلف القطاعات، وهو ما يعود إلى السياسات المتعاقبة للحكومات التي مازالت تعتمد مخططات – إن وُجدت – وتشريعات تجاوزها الزمن، تعود حتى إلى فترة الستينات، ولم تعد تستجيب لتطلّعات الشعب التونسي الذي ثار عليها وطالب بتغييرها جذريًا.
وتأكيدًا لذلك، ارتفعت وتيرة التحرّكات الاجتماعية خلال الأشهر الثلاثة الأولى من سنة 2025، إذ بلغ عددها حوالي 1316 تحركًا احتجاجيًا، مقابل 752 تحركًا فقط خلال الفترة نفسها من سنة 2024. وقد تنوّعت هذه الاحتجاجات بحسب خصوصية كل جهة وكل قطاع، واتخذت أشكالًا مختلفة: تحركات ميدانية، وقفات احتجاجية، اعتصامات، اضطرابات ومسيرات سلمية. ومن بين أبرز هذه التحركات قطع الطرقات الذي شهدته معتمدية سيدي الهاني إثر تعذّر تنقل سكانها إلى أماكن عملهم ومؤسساتهم التعليمية في المواعيد المحددة، بالإضافة إلى مشكلات أخرى سنأتي على ذكرها لاحقًا.
وتُعدّ سيدي الهاني أكبر معتمديات ولاية سوسة، إذ تتجاوز مساحتها 26% من المساحة الجملية للولاية. ويُقدّر عدد سكانها سنة 2025 بحوالي 14,508 نسمة استنادًا إلى إحصائيات 2024. وتعرف المنطقة بشساعة أراضيها الفلاحية ومناخها الجاف، وتقع بين سبختين: سبخة سيدي الهاني جنوبًا – وهي أكبر سبخة وطنية – وسبخة الكلبية شمالًا. ويتوزع سكانها على ست عمادات، كما توجد على ضفاف الطريق الوطنية رقم 12 الرابطة بين سوسة والقيروان، وقد كانت تاريخيًا ولا تزال منطقة عبور بامتياز.
ورغم احتوائها على عدة مواقع أثرية مصنّفة، فإن هذه المواقع مهملة منذ سنوات ولا تلقى العناية اللازمة من قبل المعهد الوطني للتراث. وتفتقر سيدي الهاني أيضًا إلى العديد من الخدمات الأساسية مثل القباضة المالية، المستشفى المحلي، ومركز الحماية المدنية، رغم تسجيل حوادث خطيرة أدت إلى وفاة عدد من المواطنين. ومن أبرزها وفاة شاب بعد تعرضه لعدة لسعات نحل في نهاية الصيف الماضي، إضافة إلى تعرض عدد من الأهالي إلى لسعات عقارب أو لهجمات الكلاب السائبة في أكثر من مناسبة، في ظل غياب أي تفكير أو نية لبعث وحدة استعجالية لمعالجة مثل هذه الحالات، خصوصًا في الليل.
ويُضطر المصابون إلى كراء سيارات خاصة أو ركوب التاكسي للتنقل إلى أقرب قسم استعجالي يوجد في معتمدية مساكن التي تبعد حوالي 24 كم، علمًا أن استعجالي مساكن يشهد ضغطًا كبيرًا، ما يجعل أغلب الحالات تُوجَّه نحو مدينة سوسة التي تبعد حوالي 37 كم عن سيدي الهاني. كما فقدت بعض النساء حملهن بسبب صعوبة التنقل وغياب مرفق استعجالي محلي. فمن غير المعقول أن منطقة تضم قرابة 15 ألف ساكن لا تتوفر بها وحدة استعجالية، مع العلم أن الحق في الصحة والتنقل حق دستوري تكفله الدولة. لذلك يبقى إحداث استعجالي في مركز المعتمدية مطلبًا أساسيًا وملحًا يجب على السلطات الاستجابة له في أقرب الآجال.
كما يعيش المواطن في سيدي الهاني صعوبات كبيرة في التنقل للعمل أو الدراسة، ذلك أن المنطقة تفتقر إلى خط نقل مباشر يربطها بمركز الولاية باستثناء حافلة شركة النقل بالساحل التي تقوم بسفرات غير منتظمة، فضلًا عن حالتها المتردية وعدم تلبيتها لحاجيات السكان من حيث عدد الركاب. أما سيارات التاكسي الجماعي فوجهتها الوحيدة نحو معتمدية مساكن، وهي تشهد ضغطًا كبيرًا، كما تُثقل كلفة التنقل كاهل المواطن؛ فمصروف التنقل اليومي من سيدي الهاني المركز إلى مساكن يُقدَّر بحوالي 5 دنانير ذهابًا وإيابًا، دون احتساب سكان الأرياف المحيطة مثل “الشراشير” الذين يضطرون لدفع مبالغ إضافية للوصول إلى مركز المعتمدية. وينطبق الأمر نفسه على الطلبة الذين يدرسون في سوسة ويُجبرون على إنفاق مبالغ إضافية يوميًا.
إضافة إلى ذلك، تفتقر سيدي الهاني إلى فروع لصندوق الحيطة الاجتماعية، والاتحاد التونسي للتضامن الاجتماعي، الشركة التونسية للكهرباء والغاز، الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه، اتصالات تونس، وأخيرًا مكتب تشغيل.
ختامًا، وفي ظل هذه الظروف الصعبة التي يعيشها متساكنو سيدي الهاني، فإننا لا نطالب بتطوير الخدمات العمومية لأنها غير موجودة أصلًا، بل نطالب ببعثها. واستنادًا إلى كل هذه المعطيات، تُعتبر معتمدية سيدي الهاني معتمدية منكوبة رغم موقعها الاستراتيجي.
صوت الشعب صوت الحقيقة
