بقلم صبيحة النفزي وعيدة بالصادق
تعيش تونس منذ سنوات أزمة اقتصاديةً واجتماعيةً عميقةً هي نتيجة مباشرة لاختياراتٍ سياسية واقتصادية كرّست التبعية والليبرالية المتوحّشة. هذه السياسات التي تُقدَّم في كل مرّة بوصفها “إصلاحات ضرورية” لم تجلب سوى مزيدٍ من التفقير والتهميش لعموم الشعب، وخصوصًا للنساء اللواتي يجدن أنفسهنّ في قلب هذه الأزمة، أكثر هشاشةً وتعرّضًا للاستغلال بمختلف أشكاله.
لقد أدّت هذه المنظومة، القائمة على إرضاء مصالح رأس المال المحلي والأجنبي، إلى ضرب مقوّمات العدالة الاجتماعية والمساواة الفعلية. فبينما تواصل السلطة رفع الشعارات حول “التمكين الاقتصادي للمرأة”، تزداد مؤشرات البطالة والفقر في صفوف النساء، وتتسع الفجوة بين النصوص القانونية التي تتحدث عن المساواة والواقع المعيش الذي يعجّ بكل أشكال العنف الاقتصادي والاجتماعي ضدّهنّ.
يتجلّى العنف الاقتصادي في حرمان النساء من مواردهنّ ومن فرص العمل اللائق، وفي التمييز الصارخ في الأجور والمسارات المهنية، وفي فرض شروط عمل قاسية وغير آمنة، خصوصًا في القطاعات الهشّة مثل الفلاحة والخدمات. هناك، تعمل النساء ساعات طويلة في ظروف غير إنسانية، مقابل أجور زهيدة، دون حماية اجتماعية أو صحية، وغالبًا ما يتعرضن لمخاطر النقل في ما يُعرف بـ”عربات الموت”.
هذه الممارسات ليست حوادث عرضية، بل هي وجه من وجوه نظام اقتصادي يُعيد إنتاج التفاوت الطبقي والنوعي بشكلٍ يومي.
كما تُبيّن الأرقام الرسمية أنّ البطالة بين النساء بلغت 22.1% خلال الثلاثي الثالث لسنة 2024 مقابل 13.3% لدى الرجال، ما يعكس عمق التهميش الاقتصادي الذي يطال النساء رغم مشاركتهن المتزايدة في مجالات التعليم والعمل. ورغم ما يُروّج له من برامج “تمكين” و”تشغيل”، فإنّ الواقع يبرهن على أن أغلب هذه المبادرات لا تتجاوز الخطاب الدعائي الذي يُخفي فشل السياسات التنموية وخضوعها لإملاءات صندوق النقد الدولي وشروط السوق الرأسمالية.
إنّ انعكاسات هذه الخيارات لا تقف عند حدود المرأة فحسب، بل تمتدّ إلى الأسرة والمجتمع بأكمله: تفاقم الفقر، تعميق الهشاشة، تدهور الخدمات الأساسية في الصحة والتعليم، وازدياد الضغط النفسي والاجتماعي على النساء بوصفهنّ المعيلات الأساسيات في كثير من الحالات.
إنّ المنظومة السياسية القائمة اليوم، بكل ما تحمله من توجّه رأسمالي واستبدادي، عاجزة عن معالجة تردّي أوضاع النساء أو تحسين أوضاع الفئات الشعبية. فهذه الأزمة ليست مجرّد نتيجة ظرفية، بل هي ثمرة من ثمار خياراتٍ اقتصادية واجتماعية منحازة ضدّ مصالح الفئات الشعبية والكادحة.
لذلك فإنّ الحلّ لا يكمن في إعادة تدوير نفس السياسات تحت شعارات جديدة، بل في تبنّي اختيارات بديلة قائمة على العدالة الاجتماعية والمساواة الفعلية، وعلى اقتصادٍ يخدم حاجات الشعب لا مصالح رأس المال.
اختيارات جديدة تضع تحرّر المرأة وكرامتها في صميم مشروع تحرّر وطني وشعبي شامل، يقطع مع التبعية ومع كلّ أشكال العنف الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
صوت الشعب صوت الحقيقة
