بقلم منذر خلفاوي
تشهد منطقة بحر الكراييبي وسواحل فنزويلا منذ مدة تواجدا مكثفا للبوارج والسفن الحربية والغواصات الأمريكية وتعبئة لأكثر من عشرة آلاف جندي أمريكي وقرابة أربعة آلاف من المارينز بعد إعلان ترامب بكلّ وقاحة وصلف يوم 14 نوفمبر قرار الحرب على فنزويلا (الرمح الجنوبي) والإذن لجهاز المخابرات للقيام بمهمّات سرّيّة في عديد البلدان (حسب نيويورك تايمز) وذلك بصفة فردية دون استشارة الكنغرس ولا المرور بمجلس الأمن، مدّعيا أنّ عديد البلدان بأمريكا اللاتينية تدعم الإرهاب وتتاجر بالمخدرات وتدعم الهجرة غير النظامية ما يسبّب اعتداء على بلاده ويتسبّب في الأزمة الاقتصادية ومقتل آلاف الشباب بفعل تعاطي المخدّرات المصدّرة إلى أمريكا من الدول المعادية.
الأسباب الحقيقيّة للعدوان
إنّ تهديدات الإمبريالية الأمريكية لفنزويلا وعديد دول أمريكا اللاتينية كالمكسيك والبرازيل وكولمبيا وكوبا ليست وليدة اليوم. بل هي سياسة عدوانية دائمة تجاه الحكومات “المارقة” و”العدوّة” وتاريخها يزخر بالجرائم ضدّ الأنظمة والشعوب ونكتفي بذكر احتلال بنما في 20 ديسمبر 1989 والإطاحة بحكم “سلفادور الندي” في الشيلي سنة 1971…الخ.
إنّ حصار فنزويلا متواصل منذ سنة 2017 بهدف تغيير نظام الحكم عبر دعم المعارضة اليمينية والتشكيك في نتائج الانتخابات. منذ شهر سبتمبر سقط قرابة 83 فنزويليّا في السواحل واتّهامهم بأنهم تجّار مخدرات. لكنّ الدليل الأوضح على الأهداف الحقيقية للعدوان هو ما حدث يوم الخميس 11 ديسمبر عند مصادرة ناقلة نفط ضخمة متّجهة إلى كوبا قرب السواحل الفنزويلية في عملية قرصنة وسرقة مفضوحة عبر إنزال عسكري مباغت أثارت تنديد عدة دول وتجمعات سياسية (بيان وزارة الخارجية الروسية وبيان سفارة إيران لفنزويلا ودول من أمريكا اللاتينية)، وهو ما يُكذّب روايات ترامب الذي تعيش بلاده أزمة اقتصادية حادّة. إذ تقهقر إنتاج البترول الخفيف وارتفاع المديونية إلى ثلاثة آلاف مليار دولار إلى جانب ارتفاع نسبة التضخم وتفشّي البطالة في الوقت الذي تخوض فيه حربا تجارية مع الصين وروسيا وغيرها عبر الترفيع في الرسوم الجمركية.
لقد استثمرت الصين بما قيمته 67 مليون دولار في فنزويلا، كما أنّ روسيا هي المموّل الرئيسي للجيش الفنزويلي وتوفر إيران ما تحتاجه فنزويلا من المعادن والخامات وغيرها. إنّ امتداد النفوذ الصيني والروسي… الخ. وتطور علاقاتها مع بلدان أمريكا اللاتينية من شأنه تقليص نفوذ الإمبريالية الأمريكية الاقتصادي والسياسي لذلك تسارع بالحلول القصوى والسريعة أي بالاعتداءات لتغيير الأنظمة المعادية وحتى المستقلة بأخرى موالية طيّعة، بعد فشل المساعي المرنة عبر التفاوض والديبلوماسية. لقد اقترح ترامب منذ فترة على الرئيس مادورو الخروج الآمن إلى روسيا وصولا إلى إعلان مكافأة بـ50 مليون دولار لمن يُدلي بمعلومات تُمكّن من القبض عليه… الخ. لكن رفض الرئيس الفنزويلي وتمسّكه بموقفه الرافض للخضوع أدّى إلى المواجهة.
ترامب وريث “جايمس مونرو” و”روزفلت”
يتّبع ترامب عقيدة الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية “جايمس مونرو” (1823) والرئيس “روزفلت” التي تقوم على اعتبار أمريكا اللاتينية الحديقة الخلفية لأمريكا ومنطقة تحت نفوذها، واعتبار كلّ تدخّل آخر هو عدوان تجاهها، والتحوّل من الاعتراض على الاستعمار إلى سياسة التدخل في الشؤون الداخلية ولعب دور الشرطي العالمي كلما رأت أنّ تلك البلدان تمارس أعمالا “خاطئة”. وقد أدّى ذلك إلى تغيير أنظمة عديدة والسّطو على أراضي الغير، كما حصل عند الاستيلاء على أراضي مكسيكية وضمّها إليها (كاليفورنيا، نيفادا)… الخ. لقد عوّضت اتّهامات اليوم حججا ومبرّرات الأمس، فعوض تهم “خطر الشيوعية” أصبحت تهم اليوم “الإرهاب، خطر المخدرات، خطر الهجرة”.
نتائج الضّغوط الأمريكيّة
تمكّنت الإمبريالية الأمريكية من فرض تنازلات على بعض الدول بفعل سياسة التهديد. فأجبرتها على تلبية بعض أهداف ترامب، من ذلك أن جنّدت المكسيك عشرة آلاف جندي إضافي على الحدود للتقليص من الهجرة غير النظامية كما ألغت مشروع شركة صينية لصناعة السيارات الكهربائية (150 ألف سيارة سنويا) ممّا كبّدها خسائر بملايين الدولارات، كما ألغت بنما مشاركتها في “طريق الحزام والحرير” وفتحت نقطة عبور للمهجّرين من أمريكا نحو البلدان الأصلية ووضعت ميناء بحري تحت السيطرة الأمريكية ما آثار حفيظة الصين. أمّا في الإكوادور فقد ألغت حكومة “نوبووا” أربعة مشاريع صينية بتعلّة عدم احترامها المعايير البيئية، وستؤدي هذه الإجراءات إلى مزيد دهورة اقتصاديات هذه البلدان بعد عودة المهاجرين والترفيع في المعاليم الديوانية وتخفيض المساعدات الأمريكية.
وبالمقابل أدّت الخطوات التصعيدية بحكومات فنزويلا وكولومبيا والبرازيل… إلى شنّ حملة دعائية مضادّة ضدّ الغزو الشبيه بما اقترفته أمريكا في العراق وفلسطين وغيرها واستعدادها لصدّ العدوان دفاعا عن سيادتها معتبرة أنّ العدو الامبريالي الأمريكي عاجز عن خوض حربا برّيّة طويلة يستعدّ لها الجيش الفنزويلي منذ بدء التّهديدات ويخطّط لحرب العصابات في أرض شاسعة ذات تضاريس جبلية (تجهيز 200 ألف جندي) إضافة إلى الشّعب المسلّح والمستعدّ للتصدي للتدخل الأجنبي دفاعا عن سيادة بلاده كما أنه لن يقبل بحكم اليمين المتطرف الموالي للامبريالية ممثلة في “ماتشادو” صاحبة جائزة نوبل للسلام التي ستأتي بها الدبابات الأمريكية.
إنّ مثل هذا السيناريو لن يقدر ترامب على مواجهته إذ سيواجه معارضة داخلية شعبية ومن داخل الكنغرس خاصة وأنه طالما روّج معارضته للحروب وسعيه لإحلال السلام في العالم بل إنه يدّعي إيقافه سبعة حروب منذ مجيئه إلى الحكم.
الجبهة المعادية للحرب والفاشيّة هي الحل
إنّ الصراع بين الامبرياليات من أجل إعادة اقتسام العالم وتسارع وتيرة التّسليح مآلاتها حروبا متتالية لتركيع الشعوب ونهب ثرواتها وما يحدث اليوم خير دليل على ذلك. فإدارة ترامب ليس لديها من خيار لحل أزمتها الاقتصادية الخانقة إلاّ الاستيلاء على النفط والغاز والموارد الطبيعية التي تزخر بها بلدان أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط. لكن هذه الغطرسة والهجومات من شأنها إثارة غضب ونقمة شعوب العالم وتدفع إلى المقاومة المسلّحة كما تمّ في فيتنام وغيرها، لذلك يُطرح على القوى الثّورية المعادية للامبريالية وللحروب إقامة الجبهات والتّحالفات لصدّ الاعتداءات دفاعا عن سيادة الأوطان وحرّيّة الشعوب وإنّ غدا لناظره لقريب.
صوت الشعب صوت الحقيقة
