بقلم ماهر زعق
ليس أفضل من بن على وعموما لا يختلف عن الغنوشي، حتى إنّه كان من روّاد شُعب التجمّع، عيّنه النهضاوي حمادي الجبالي عضوا بالمجلس الإسلامي الأعلى، اعتبره الغنوشي عصفورا نادرا، كان رمزا لائتلاف الكرامة ولميليشيا روابط حماية الثورة، وهو صديق لحزب التحرير وحريص على بقاء مركز القرضاوي…
لم يكن الخيار الأوّل للدوائر الأجنبية، ربّما كان هو الثالث أو ربّما الخيار الرابع، تضاعف بروزه في وسائل الإعلام وظهوره في استطلاعات الرأي منذ 2016، سنة توّلي ترامب رئاسته الأولى، حين كان مرشّحا لرئاسية 2019، سُئل عن مدى صحّة لقاءاته بسفراء الدول الأجنبية، تلعثم، تبلبل، تلكأ، تهرّب، أقرّ وتراجع، ثم أقرّ و”قيّد على المجالس أمانات”. أفاض أحدهم في تحليل دور جهات خارجية في تصعيده عبر إدارتها لصفحات التواصل الاجتماعي (مقال اللطخات الستّة)، لم ينف، أمّا ذلك “الأحدهم” فقد أضحى من كلاب الحراسة الأوفياء لمنظومة 54 جويلية.
دمغج يا أخينا، دمغج بالسيادة الوطنية، لكن، لعلّه يقول اللعنة على هذه “اللكن”، لكن وهو الفاتق الناطق والحاكم بأمره، لماذا لم يعمل على مراجعة اتفاقيات تبيح نهب الثروات الطبيعية، المحروقات والملح مثلا؟ لماذا لم يراجع الاتفاقية مع الاتحاد الأوروبي التي تسبّبت في غلق آلاف المؤسسات الاقتصادية وكبّدت الدولة خسائر سنوية تعدّ بآلاف المليارات من تراجع المداخيل الديوانية؟ آلاف المليارات يمكن أن تموّل تشييد معاهد ومدارس ومستشفيات وطرقات وأن تخلق عشرات الآلاف من مواطن الشغل، وهو الفاتق الناطق لماذا لا ينسحب من حلف الناتو، ذلك المارد المشارك الفعّال في إبادة الشعب الفلسطيني، لماذا يشارك في التدريبات العسكرية مع الأفريكوم، لماذا يقدّم له الأمريكان مساعدات عسكرية؟
دمغج يا أخينا، دمغج بالقطع مع صندوق النقد الدولي، دون أن يتحصّل على قروض من صندوق النقد الدولي، ها هو ينفّذ إملاءاته، خفّض من ميزانية الدعم وقلّص في كلفة الأجور، يهيأ للتفويت في مؤسسات ومنشآت عمومية، يقترض من البنك الدولي، شقيق صندوق النقد، الذي يقوم بدور المستشار الإجباري للدول بذريعة تقديم المشورة وتأهيل الموظفين في المصارف والوزارات وله الحقّ في الرقابة على المصروفات العامّة، كلفة الدين تعاظمت بشكل يبعث على الدُوار، تضاعف الدين الداخلي وهو جزئيا دينا خارجيا، لأنّ جزءا منه مُلحقا بالعملات القوية ولأنّ أغلب البنوك المحلية قد تمّ التفويت فيها جزئيا أو كليّا للمؤسسات البنكية الكبرى في دول المركز الامبريالي، التداين الداخلي لا يدلّ على السيادة، البنوك تقرض الدولة بفوائض عالية وتستعيد أموالها جزئيا بالعملة الصعبة ولا تموّل الاستثمارات الخاصة ولا تساهم في تنمية الاقتصاد.
القطاع البنكي الذي زادت أرباحه بشكل فضيع، بينما يعاني عموم الشعب من البؤس والخصاصة، هو الأساس الصلب لظاهرة الريع في تونس، هو المموّل للقطاعات الريعية وهو الحجر الأساسي في تكريس التبعية وتفاقم المديونية، بعد 6 أيام من الانقلاب، تحديدا يوم 31 جويلية 2021، استقبل سعيّد ممثلين عن الجمعية المهنية التونسية للبنوك والمؤسسات المالية مُشيدا بصدق ووطنية الناشطين في القطاع المالي والبنكي، الرئيس “النظيف” يُشيد بالعمود الفقري لمنظومة الريع، ثم ماذا عن “لجنة قيادة الدراسات الاستراتيجية وإعادة بناء وتنمية الاقتصاد التونسي”؟ هذه اللجنة التي تأسست سنة 2014 بالبنك المركزي، أي أنها عمليا المُشرف الأعلى على التخطيط الاقتصادي التونسي ويرأسها محافظ البنك المركزي التونسي، وهي تتركّب من 16 عضو منهم سبعة أجانب، بينهم سفير فرنسا وممثل الإدارة العامة للخزانة الفرنسية ووفد الاتحاد الأوروبي.
دمغج يا أخينا، دمغج بالقضية الفلسطينية، عبارة “خيانة عظمى” لم تكن سوى مزايدة لفظية اقتضتها الحاجة إلى كسب السباق نحو قصر قرطاج، أمّا الوقائع فهي عنيدة، ما قولكم في حضور وزير سابق للدفاع في اجتماع الناتو في بولونيا جنبا إلى جنب مع وزير دفاع الكيان الصهيوني وتبادل رئيسة حكومته السابقة نجلاء بودن عبارات المجاملة مع رئيس الكيان الصهيوني على هامش قمة المناخ في شرم الشيخ بمصر؟ رفض سنّ قانون يجرّم التطبيع مع الكيان الصهيوني، بل اعتبر قانون تجريم التطبيع بمثلبة الاعتداء على الأمن القومي، الاحتجاج لدى سفير أمريكا وسفراء الاتحاد الأوروبي على دعمهم لدولة العصابات الصهيونية لم يخطر له على بال، بينما أرسل البوليس ليفضّ بالعنف الاعتصام السلمي أمام سفارة أمريكا، أمّا الفضيحة المدويّة فهي الصمت المُطبق تجاه العدوان الصهيوني على أسطول الصمود في ميناء سيدي بوسعيد على مقربة من قصر السيادة.
دمغج يا أخينا دمغج، وقبّل أكتاف الصهيوني ماكرون، يا للعار، فحين يطالب الأحرار بالتعويض والاعتذار وباعتبار الاستعمار جريمة ضدّ الإنسانية، يعتبر أخينا الاستعمار الفرنسي لتونس حماية، حينها تصبح مقاومة الاستعمار جريمة ودماء الشهداء نفاية، يا للعار، ثم لماذا لا يخبر التونسيات والتونسيين بفحوى الاتفاقية مع الاتحاد الأوروبي وميلوني سليلة الفاشي موسيلينى؟ هل أصبحت تونس بوليس المتوسط؟ لماذا لا يخبر التونسيات والتونسيين بفحوى الاتفاقية الأمنية مع نظام العسكر الجزائري؟ هذا فيض من غيض لكن، عليها اللعنة هذه “اللكن”، هل يعلم أخينا أنّه لا سيادة وطنية بدون تنمية فعلية، بدون بحث علمي وثقافة تقدمية، بدون الاعتزاز بتراثنا النيّر وبإرساء الديمقراطية الشعبية، بدون بناء اقتصاد وطني يقطع مع التبعية ويوفّر العيش الكريم للتونسيات والتونسيين..
دمغج يا أخينا وردّد ما يحلو لك ترديد عبارات “سيادة تونس و”الأمن القومي” و”الخونة” و”العملاء” و”أعداء الوطن” و”المرتزقة” و”المؤامرة” و”التآمر” و”إنقاذ البلاد” و”حرب التحرير الوطني” الداخليّة، حتى وإن كانت لهذه العبارات معنى في بعض الحالات فإنّ ذلك لا ينفي، بل يؤكد أنّ الطغاة يجلبون الغزاة.
عموما بن علي لا يختلف عنه والغنوشي ليس أفضل منه، وكما يقال، إذا خَلا لك الجوّ فبيّضي وفرّخي، دمغج يا أخينا، دمغج، عليك أمان الله..
صوت الشعب صوت الحقيقة
