الرئيسية / الافتتاحية / الجبهة في مرمى نيران الرّجعيّة: أيّ دوافع لذلك؟” // شريف خرايفي
الجبهة في مرمى نيران الرّجعيّة:  أيّ دوافع لذلك؟”   // شريف خرايفي

الجبهة في مرمى نيران الرّجعيّة: أيّ دوافع لذلك؟” // شريف خرايفي

منذ مدّة، وربّما منذ تأسّست، تشهد الجبهة الشعبيّة، وقياداتها، موجة من الانتقادات، بعضها “لايت” وبعضها الآخر مسموما، بل موجّها ومشبوها، يصل حدّ التهجّم والافتراء، تلفيقا وتشويها وتحريضا… فمن يقف وراء ذلك؟ وما الغاية منه؟ ومن المستفيد؟

 

لهذا تأسّست الجبهة، ولهذا تُهاجَم:

الجبهة الشعبية، مثلما تعرّف نفسها، حاملة لمشروع اقتصادي واجتماعي يخدم الأغلبية من الشعب التونسي، أغلبيته المسحوقة، بفئاته وجهاته المحرومة والمهمّشة، مشروع يسعى إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والسيادة الوطنيّة. ناهيك أنّ مناضلات الجبهة الشعبية ومناضليها، وأحزابها المكوّنة لها، لهم تاريخ حافل بالتضحيات والمواقف المشرّفة. ناضلوا ضدّ الاستبداد وضدّ الفساد والاستغلال والعمالة، لم يكلّوا ولم يملّوا ولم يخضعوا إلى شتّى الاغراءات، زيادة عن القمع والسجن والملاحقة… وهي لذلك تتموقع في صفّ الثورة وعلى نقيض من مشاريع قوى الثورة المضادّة، مشاريع القوى السياسيّة التي اعتلت سدّة الحكم تباعا بعد الثورة بدعم من قوى النّهب العالمي وأصدقاء النظام المقبور..

الجبهة الشعبيّة، منذ أن تأسّست، أعادت خلط الأوراق والحسابات، أعادت الأمل والحلم إلى مئات الآلاف من التونسيات والتونسيّين، وهم على شفا الإحباط من مآل الثورة. وأعلنت، ذات 7 أكتوبر 2012 أنّها بديلا عن الثنائي، النهضة والنداء، وأنّ الاستقطاب بينهما، هو استقطاب مغشوش، فهُما في الواقع، وجهان لعملة واحدة، لا أحد منهما يخدم الثورة ولا الوطن ولا السيادة ولا يحقّق العزّة والكرامة… الجبهة، بما لديها وما تحمل، هي المستقبل.

لم يتأخّر الردّ… جنّ جنون الرّجعيّة… تكالب المجرمون ورُزئنا في أحد المؤسّسين، أحد الهامات، الرفيق المغدور شكري بلعيد.. الذي وضع، في أكثر من مناسبة، إصبعه على مكمن الدّاء، وكانت كلماته وخطاباته نبراسا ومنارة اهتدى بها أفواج من أبناء وبنات تونس الأحرار..

حُوصِرت الرّجعيّة، الرجعيّة الحاكمة، والكل وجّه إليها إصبع الاتهام: كثير من جهابذة التأسيسي، كتلتها الأغلبية، وأسماء كثر في القصبة وفي قرطاج وفي “الشورى”، تورّطوا في ذمّ الشهيد وفي التحريض عليه وحتّى في “الدّعاء عليه”… والقناعة أنّ كلّ ذلك وفّر الغطاء السياسي والمزاجي والنفسي والإيديولوجي لتنفيذ الجريمة…

أقيلت الحكومة… ولم يتأخّر الرد: اغتيال جديد… أحد القامات الوطنيّة وأحد الأصوات المرتفعة في مجلس التأسيسي: الحاج محمّد البراهمي، الذي آل على نفسه مقارعة “رفاق الطريق” والالتحاق برفاق المستقبل، وتعزيز صفوف الجبهة الشعبية… وكان ذلك في يوم “الاحتفال الرسمي” بعيد الجمهوريّة. وكانت النتيجة اعتصاما شعبيا مفتوحا أمام قبّة التأسيسي وفي أغلب مناطق البلاد وأمام مراكز السلطة، محليا وجهويا، مطالبين باستقالة الحكومة وحلّ أجهزة حكمها، حكومة ورئاسة وبرلمانا، وكان لها ذلك، ولو بعد حينٍ.

إلى الآن مستهدفون:

بعد أكثر من ثلاث سنوات من تنفيذ أشنع جريمة في حقّ الوطن، بتصفية الشّهيدين، ما زالت الجبهة الشعبيّة وقيادتها في مرمى الرجعية السياسيّة الحاكمة، حتّى بعد أن تغيّر شكل الائتلاف الحاكم، من ترويكا إلى رباعي، ومازالت الشيطنة والتخوين والتكفير هي الأسلحة الوحيدة للرجعية وقوى الثورة المضادّة لمقارعة البرنامج السياسي والاقتصادي والاجتماعي للجبهة الشعبية، ومازالت الفكرة تُجابه وتواجه بالعنف وبالرّصاص…

بعد أكثر من خمس سنوات من هروب بن علي، مازلنا نراوح مكاننا، رغم المكاسب الهامّة: القضاء مسيّر، الإعلام يوجّه وكثير ممّن يدفع له أجر، وتُضخّ له تمويلات للتشويه والتحريف والتلفيق، بعيد عن أيّ صلة بالمصالح الحيويّة والقضايا الحارقة للتونسييّن…

اليوم تشنّ حملة شعواء ضدّ الجبهة الشعبيّة وضدّ الناطق الرّسمي باسمها، المناضل الوطني حمّه الهمامي وقياداتها. أوّلا لأنّها آلت على نفسها، مثلما أسلفنا، الدفاع عن المطالب التي ثار من أجلها الشعب. وفي كلّ مرة يثبت الواقع صحّة القراءات والتّحذيرات التي تقدّمها الجبهة. فما أن نفذت الحقن والمسكّنات التي قدّمتها الحكومة ونفذ صبر المهمّشين والمعطّلين واشتعلت البلاد مسيرات واعتصامات وإضرابات طيلة الشهر الأخير، حتى انطلقت جوقة التّخوين والتّشويه ورُتِّبت “بلاتوهات” “التحليل” المشبوهة للادّعاء بأنّ هذه التحركات هي بفعل فاعل ويقف وراءها “بعض الحاقدين” على الحكومة من “اليسار المتطرّف”، “الأقلية البرلمانية”…

أوّل من دشّن حملة التهجّم على الجبهة كان “للأسف” رئيس الدّولة، الباجي قايد السبسي، رئيس كلّ التونسيّين، فانبرى يصرّح يمينا وشمالا، أنّ هناك “أحزابا معترف بها وأخرى غير معترف بها”، ثمّ على أعمدة صحف خليجيّة لم يتمالك، ربّما لأغراض شخصية وسياسيّة ومصلحيّة، أن أعلن أنّ اليسار المتطرّف أشرس من الإسلام المتطرّف، وأنّ “يساريا متطرّفا في مجلس الشعب قال أتحدّى رئيس الجمهورية أن…”، ودون خجل، ورغم السّخط الكبير إزاء هذا التصريح غير المسؤول، تلاه بلقاء إعلاميّ في “تلفزتنا”، مخاتل أيضا ومجانب للحقيقة، بأنّ “اليسار” لا برنامج له، وأنه يسعى إلى المعارضة فقط، وقد رفض “المصالحة”…

وهذا بيت القصيد…

لقد جنّ جنون دعاة “المصالحة”.. فلم تمرّ مؤامرة تبييض الفساد والفاسدين. والجبهة الشعبيّة تعتبر أنّه لا مصالحة دون محاسبة. الجبهة اعتبرت أنّ الثورة قد تمّ الالتفاف عليها من قبل كلّ الحكومات التي تعاقبت، لأنها لم تتخلّص من جبّة “الماضي”، ولم تقطع مع دوائر النّهب والاستعمار، وأنّهم، من أجل عيون الموقع، لا مشكلة لديهم مع “الغرب” ولا مع النظام البائد وليسوا ضدّ التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاشم… الجبهة الشعبية تعتبر أنّه لا خلاص لتونس إلاّ بالقطع مع الخيارات الاقتصادية والسياسيّة والدبلوماسيّة التي أنتجت الفقر والتبعية والخصاصة وأدّت إلى الثورة…

الجبهة الشعبيّة تعتبر أنّ ظاهرة جديدة غريبة عن أرضنا وعن ثقافتنا وعن آمالنا، هي ظاهرة الإرهاب… وأنّه لا مجال للتصدي لهذه الآفة دون التصدّي لمسبّباتها ولحاضنتها ودون الكشف عن الأطراف التي تهاونت معه وخطّطت له ودعّمته والتي لها ارتباطات مكشوفة ومعلومة مع أقطاب ومحاور راعية له ومموّلة له، وأن لا مجال لقطع دابره دون مؤتمر وطني يضع استراتيجيا وطنية شاملة لمقاومته.. وللأسف هناك في الحكم وخارجه أطراف متورّطة فيه وتعرقل إنجازه، ورئيس الدّولة، الذي وعد ذات حلمة انتخابية أنّه سيكشف عن كلّ خيوط الجريمة وأطرافها ، “يعلم” الكثير ونكث عهده..

اليوم، ما تزال الجبهة مهدّدة بالاغتيالات، فدائما يتصدّر قائمة المهدّدين الناطق الرسمي حمّه الهمامي، ومن حين لآخر، نوابها الأشاوس، الذين فضحوا وما زالوا، كلّ مشاريع النّهب والعمالة والفساد، ومنهم النائب منجي الرحوي، عبد المومن بالعانس، أحمد الصدّيق، واليوم مرّة أخرى الجيلاني الهمّامي، والذي أُعلِم رسميا أنه في قائمة المهدّدين بالتصفية.. فيما يرمى بالسّجن المناضل بحزب العمال برهان القاسمي بتهم كيديّة وبخلفيات سياسيّة وحزبيّة مشبوهة.

فهل يستوجب ذلك جهدا لكي نفهم أنّ قيادات الجبهة الشعبيّة، هم الأكثر عرضة إلى التّشويه والتّهديد والتّصفية، بسبب مبادئهم وقناعاتهم وبرامجهم الوطنية والشعبيّة؟ وهل يستعصى علينا فهم أنّ القوى المتنفّذة لا تودّ تغيير واقع التونسيات والتونسيّين على طريق الحرية والكرامة والعدالة والسيادة، بل هي مستعدّة لإزاحة كلّ من يقف ضدّ تركيع الشعب ونهب ثرواته، “باللّين أو بالعنف”؟ وعلى كلٍّ، لا مقاومة دون ضريبة، و”إنّ غدا لناظره لقريب”.

شريف خرايفي

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×