الرئيسية / الافتتاحية / 200 يوم من حرب الإبادة.. 200 يوم من الصّمود الأسطوري
200 يوم من حرب الإبادة.. 200 يوم من الصّمود الأسطوري

200 يوم من حرب الإبادة.. 200 يوم من الصّمود الأسطوري

“الإستعمار لن يرضخ إلاّ بعد أن يواجه بعنف أكبر” فرانز فانون.

يقترب العدوان الصهيوني-النازي على قطاع “غزة” من طيّ شهره السابع مخلّفا فاتورة خسائر بشرية ومادية قد تكون الأثقل قياسا بحروب عصرنا.
فجيش الاحتلال وضع نصب عينه منذ صبيحة 8 أكتوبر 2023 تدمير الحياة وكلّ شروطها الدنيا بهدف التّطهير العرقي والإجهاز على الوجود الفلسطيني بالقتل والتّهجير القسري.
فآلة التقتيل الإجراميّة سخّرت كلّ إمكاناتها العسكرية والبشريّة المدعومة كما لم يحدث من قبل أمريكيّا وغربيّا لتنظيم حرب إبادة جماعيّة شاملة وممنهجة طالت البشر والشجر والحجر.
فالذكاء الاصطناعي الذي تمّ توظيفه في هذه الجرائم وضع منذ الوهلة الأولى وفق تقارير عسكرية ذات مصداقية أكثر من 33 ألف هدف للتّدمير من بينها القطاع الصحي (مستشفيات وإطارات) والإعلام (معدّات وصحافيين) ونخب ثقافية وعلمية ورياضية (بُنى تحتيّة وكوادر)، بالإضافة إلى المعالم التّاريخية ودور العبادة (مساجد وكنائس).
لقد اندفع الجيش الصهيوني في القطاع المحاصر منذ 17 سنة مُنقادا بعقيدة عسكرية موغلة في الإجرام الذي لا ضوابط قانونية وأخلاقية أمام مجازره البشعة التّي أعادت إلى الأذهان فظاعات عصابات “الهاغانا” عام 1948.
لقد أمطر جيش الاحتلال المساحة الجغرافية الصغيرة للقطاع بأكثر من 80 ألف طن من المتفجّرات التّي تساوي تقريبا وزن 3 قنابل من “هيروشيما”، ووصل عدد الطّلعات الجوّية أكثر من 70 ألف غارة.
أمعن الكيان النازي في التّدمير والتقتيل (قصف عشوائي، مقابر جماعية في بعض المستشفيات…) الذي وصل 34138 شهيدا، نسبة الأطفال والنساء تجاوزت 72 % من بينهم، إضافة إلى 77138 جريحا تعوزهم العناية الطبية الدنيا بالنّظر إلى غياب الأدوية وتدمير جلّ المشافي.
لقد راكم الكيان طوال مائتي (200) يوم كمّا هائلا من المجازر المروّعة وفّرت وقودا لا ينضب لتغذية هبّة عالميّة وحّدت شعوبا كثيرة في المعمورة، من جهة لنصرة الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، ومن جهة أخرى لتعاظم النقمة وحتّى العداء للكيان الغاصب الذي اشتدّ الخناق عليه كما لم يحدث.
فشعوب العالم بمشرقه ومغربه نهضت في وجه جرائمه ويزداد زخم حراكها اتّساعا وتجذّرا حتّى في أكثر البلدان الإمبريالية المعروفة برعايتها للمشروع الصهيوني وكيانه الذي ازدادت عزلته على جميع الأصعدة.
فالمائتا يوم من حرب الإبادة الجماعيّة والتّجويع الممنهج والتّنكيل الواسع بالضفة الغربية (قضم الأراضي، هدم البيوت، 500 شهيد وأكثر من 8 آلاف معتقل..) مثّلت وقودا لتصليب عود النّهوض الشعبي العالمي في وجه الكيان المارق وفتحت أفقا رحبا أمام حركة التّحرر الوطني الفلسطيني ومكّنتها من روافد إضافية لإدارة معاركها على واجهات عديدة نلمس مفاعيلها القويّة في الإحتجاحات العارمة التّي تجتاح أعرق الجامعات بالولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من البلدان الغربية التّي تمكنّت شعوبها من كسر كلّ الحواجز الأمنية والإطاحة بجميع التّضييقات المعادية للحرية والديمقراطية ورفدها بمبادرات قانونية / حقوقية نجحت في بعض البلدان في استصدار أحكام قضائية تمنع تصدير السّلاح للكيان (هولندا، كندا، أستراليا، إسبانيا..).
إنّ ثقل كلفة العدوان الهمجي هي الخيار الإجرامي للكيان وداعميه للضّغط على المقاومة وكسر شوكتها. وهي محاولة بائسة لدقّ إسفينٍ بين “حماس” وباقي الفصائل المسلّحة وحاضنتها الشعبيّة التّي أسقطت مشروع التّهجير وقدّمت نموذجا رائعا في الثّبات والتعلّق بالأرض والتّحرير.
لقد أدارت المقاومة الفلسطينية المعركة طوال أشهر العدوان بالرّغم من اختلال موازين القوى باقتدارٍ كبير وتمكّنت من إفشال جميع مخطّطات العدوّ وداعميه وثبّتت انتصارها الكبير منذ 8 أكتوبر.
إنّ استبسال المقاومة المسلّحة في وجه آلة الحرب الصهيونية والأمريكية وجّه ضربة موجعة من جهة لأسس العقيدة العسكرية القائمة على التفوّق الإستخباراتي والحسم السريع، ومن جهة أخرى تفنيد السّردية السياسية المتمحورة حول الأمن والرفاه الإقتصادي.
فالمقاومة رغم طعنات النظام الرسمي العربي أجبرت “جيش الحروب الخاطفة” على خوض أطول حرب في تاريخ الصّراع العربي الصهيوني وطوت إلى الأبد أزمنة النكبة والنكسة وفتحت أمام شعوب العالم والمنطقة طريق مراكمة الانتصارات الجزئية الممهّدة للانتصار الحاسم والنهائي.
فيوميّات العدوان الطويلة وكُلفتها العالية بشريّا وماديّا مضافا لها صمود الحاضنة الشعبية هما من منعا حكومة “نتانياهو” من تحقيق أيٍّ من أهدافه وجعل الجيش “الذي لا يقهر” أسير مربّعات القهر ومشاعر الانكسار الذي أصبح محلّ اعتراف واسعٍ حتّى لدى جمهور الصّهاينة وبعض ساسته وعساكره.

إلى الأعلى
×