لماذا يشكر الصهيوني “إيدي كوهين” قيس سعيد وسفيره في الأمم المتحدة؟

أحجمنا عن التعليق عن التغريدة التي كتبها الصّهيوني المتطرف “إيدي كوهين” على حسابه الخاص يوم 27 أكتوبر 2023، حيث توجّه “كوهين”، وهو أحد غلاة الدّعاة الصهاينة والمختص في القضايا العربية، بالشكر لقيس سعيد لامتناع سفيره لدى الأمم المتحدة عن التصويت على لائحة الجمعية العامة التي قدمتها “المجموعة العربية” والتي تدعو إلى “هدنة إنسانية فورية وثابتة ومستدامة” تفضي إلى وقف العدوان وإيصال المساعدات الإنسانية وعدم نقل المدنيين الفلسطينيين نقلا قسريا واحترام وحماية جميع المرافق المدنية وذات الأغراض الإنسانية. وقد صوتت على هذه اللائحة الأغلبية في الجمعية العامة للأمم المتحدة (120 دولة) ورفضها الكيان الصهيوني و13 دولة أخرى من بينها الولايات المتحدة وغواتيمالا والمجر وكرواتيا والنمسا. كما امتنعت عن التصويت عليها 44 دولة منها أستراليا والدنمارك واليونان وإيطاليا واليابان والفيليبين وبولونيا وكوريا الجنوبية والسويد وبالطبع تونس، وهي البلد العربي الوحيد بعد أن صحّح العراق موقفه. وقد رحّبت المقاومة الفلسطينيّة بهذا القرار وطالبت بتنفيذه فورا.

قلنا إذن إنّنا أحجمنا عن التعليق في انتظار التثبًت من صحّة التدوينة. وقد توجّهنا إلى بعض الأصدقاء الفلسطينيّين للتثبّت في صحّة التدوينة المذكورة. وقد جاء الردّ واضحا: “التّدوينة صحيحة وتمّ التأكد من ذلك من ذوي الاختصاص”. وأضاف مصدرنا أنّ الصّهيوني إيدي كوهين كتب تدوينة ثانية لشكر السفير التونسي، طارق الأدب، في الأمم المتحدة. وهو ما دفعنا في النهاية إلى التعليق عن هذا الموضوع لخطورته. وقد جاء في التّغريدة الأولى لهذا الصهيوني المتطرف ما يلي: “شكرا لتونس الخضراء ورئيسها فخامة الرئيس قيس سعيد على الامتناع عن التصويت في مجلس الأمن لوقف إطلاق النار ممّا سيشجّع على المزيد من جرائم حماس. فخامته يحارب إرهاب النهضة والإسلام السياسي منذ سنين وها هو الآن يقف معنا قلْبا وقالِبًا ضدّ الإسلام السياسي. شكرا أستاذ”. أما التّغريدة الثانية فقد جاء فيها ما يلي: “كل الشكر والتقدير والاحترام لسعادة السفير التونسي طارق الأدب الذي يحارب الأخوان في الأمم المتحدة”.
ولسائل أن يسأل ما الذي يفسّر أنّ صهيونيّا متطرّفا يشكر قيس سعيد الذي يعلن “أنّ التّطبيع مع الكيان الصهيوني خيانة عظمى” وأنّ “فلسطين ستحرر من النهر إلى البحر” وأنّ هذا التحرير “لن يتمّ إلا عبر الحرب الثورية”؟ إنّ الجواب عن هذه المسألة ليس صعبا. ففي السياسة لا يهم الكلام كثيرا بقدر ما تهمّ المواقف العمليّة: “قل فِيَّ ما شئت لكن افعل ما يخدم مصلحتي” بوعي أو غير وعي. ففي قضية الحال لا يهم الكيان الصهيوني أن تنعته بما تريد من النعوت أو أن تهدده كلاميّا بالحرب الثورية بقدر ما يهمّه عدم التصويت على اللائحة التي تطالبه الآن وهنا بوقف حرب الإبادة لأنّه يريد أن يستمرّ فيها إلى ساعة تحقيق أهدافه. وهذا ما يفسّر ترحيب الصهيوني المتطرف “إيدي كوهين” بامتناع سفير سلطة الانقلاب عن التصويت عن اللائحة لأنه يخدم مصلحته. أمّا المقاومة فلا يهمّها بالدرجة الأولى، في هذه اللحظة الخطرة والحرجة، ما جاء في ديباجة القرار من “إدانة جميع أعمال العنف” و”جميع أعمال الإرهاب والهجمات العشوائية” والذي يساويها بالمحتل الغاصب، بقدر ما يهمّها وقف حرب الإبادة فورا وفتح المعابر وإيصال المساعدات لغزة، أما الباقي فسيأتي الوقت للحديث فيه. وهو ما جعلها ترحّب بلائحة الجمعية العامة للأمم المتّحدة وتطالب بتنفيذها فورا.
إنّ كلا الطرفين، الفلسطيني والصهيوني النازي، معنيّ بالموقف العملي، المباشر، من الحرب الدائرة في الأرض، رغم الطابع غير الإلزامي لقرار الجمعية العامة ولكنه مهم من الناحية المعنوية والسياسية. ومن هنا وجدت سلطة الانقلاب نفسها، موضوعيّا، أقرب إلى موقف داعمي العدوان منه إلى معارضيه المطالبين بوقفه فورا. لقد برّر سفير تونس في الأمم المتحدة، وهو الذي كان عمل في “مكتب الاتصال التونسي الإسرائيلي” بتل أبيب بين 1994 و1996 زمن بن علي وهو ما أثار ضجّة حين عيّنه سعيّد في منصبه، موقف الامتناع عن التصويت بكون مشروع اللائحة المعروضة “أغفل الإدانة الصريحة والقوية لجرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية التي تقوم بها قوات الاحتلال كما لم يتضمّن المطالبة بمحاسبة المحتل على هذه الجرائم ولم يشر بشكل واضح للمطالبة بالوقف الفوري للعدوان علاوة على مساواته بين الضحية والجلاد…”. ما من شكٍّ في أنّ هذا الكلام إذا نظرنا إليه من زاوية مبدئية، عامة، هو في الظاهر موقف “ثوري” و”متجذّر”، ولكن المواقف المبدئية ينبغي دائما إنزالها في الواقع الملموس حتى لا تبقى مجرد شعارات فارغة. إنّ إنزال المبادئ في الواقع معناه مراعاة موازين القوى في اللحظة المعيّنة كمراعاة الأولويات المطروحة. وهو ما لم يأخذه بعين الاعتبار موقف السفير التونسي ومن ورائه سلطة الانقلاب. إنّ المقاومة الفلسطينية تريد في هذه اللحظة وقف حرب الإبادة وفتح المعابر لإنقاذ أكثر ما يمكن من الأرواح. وهو ما يفسّر أنّ عديد البلدان، غير العربية، التي لا علاقة لها بالكيان الصهيوني والتي تقف إلى جانب الحق الفلسطيني صوّتت لصالح لائحة الجمعية العامة رغم محدوديّتها (كوبا، فينيزويلا، جنوب إفريقيا….)
لقد كان بإمكان السفير أن يفعل عكس ما فعله فيصوّت أولا لصالح القرار لما فيه من حدّ أدنى يطالب به الفلسطينيون ثم يصدر بيانا أو يدلي بتصريح يبيّن فيه محدودية اللائحة وعدم إدانتها لحرب الإبادة ووضعها المعتدي والمعتدى عليه في نفس المستوى. ولكن ذلك هو المنطق الشعبوي الأعرج حيث إنّك تسمع جعجعة ولا ترى طحنا فتكون النهاية تلقّي الشكر ممّن يعتقد الشعبوي أنّه يلحق به “الضّرر” بموقفه “الثوري جدّا”. ومن الملاحظ أنّ “إيدي كوهين” الصهيوني المتطرف لم يقف عند حدّ شكر سعيّد وسفيره بسبب الامتناع عن التصويت لصالح لائحة الجمعية العامة. فها إنه اليوم يهدّد سعيّد من مغبّة تمرير مشروع قانون يجرّم التطبيع مع الكيان الغاصب. فقد كتب تدوينة منذ يومين جاء فيها: “تجريم التطبيع في تونس لن يمرّ قيس سعيّد يعلم ذلك. بإمكانه التكلّم عن الحركة الصهيونية كما يشاء ما في جمرك على كلامه الباطل. أما سنّ القوانين فلن نسمح له…”. لننتظر ما سيجري في برلمان الدّمى الذي أجّل النظر في مشروع القانون إلى يوم الخميس 2 نوفمبر 2023. في الأثناء علينا مواصلة الضغط من أجل تجريم التطبيع ومن أجل وقف حرب الإبادة في غزّة… الضغط الضغط على الدول الدّاعمة للعدوان وفي مقدّمتها رأس الأفعى الامبريالية الأمريكية.
تجريم التطبيع واجب
طرد سفراء الدول الداعمة للعدوان واجب
وقف تصدير النفط والغاز للدول الداعمة للعدوان واجب
إغلاق سفارات الكيان النازي وطرد سفرائه وواجب.