الرئيسية / صوت الوطن / لا لتزكية مهزلة الانتخابات الرئاسية
لا لتزكية مهزلة الانتخابات الرئاسية

لا لتزكية مهزلة الانتخابات الرئاسية

بقلم منور السعيدي

تابع المهتمون بالشأن العام السياسي رسالة المعتقلين السياسيين بمناسبة مرور سنة على اعتقالهم تحت عنوان “من أجل الكفّ عن انتهاك الحريات وانتخابات رئاسية حقيقية”. وقد جاءت فى نفس سياق الدعوة التي أطلقها الأستاذ العياشي الهمامي تحت عنوان “هل ستكون الانتخابات الرئاسية القادمة موعدا لإنقاذ البلاد؟”. تفاعلا مع ما جاء في الوثيقتين وإنارة للرأي العام الديمقراطي حول الدعوة إلى المشاركة في هذا الاستحقاق السياسي المزعوم أقدّم بعض الملاحظات الأولية.
إن المتابع للأوضاع العامة فى بلادنا في كل مستوياتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بعد الانقلاب الذي مكّن الشعبوي قيس سعيد زعيم منظومة الحكم اليمينية الحالية من الانفراد بالحكم، يلاحظ سعيه منذ ذلك التاريخ إلى إجهاض النظام السياسي الذي أرسته الثورة والذي أنتج ديمقراطية عرجاء ومشوّهة وسعيه إلى تعويضه بنظام سياسي قائم على حكم الزعيم الواحد الأحد على شاكلة الأنظمة الاستبدادية والديكتاتورية من قبيل نظام هتلر وموسيليني، نظام يمثل رأس المال المالي الأكثر رجعية وبربرية والأكثر شوفينية ويعمل على تحميل أزمته للعمال والكادحين وعموم جماهير الشعب. فكنظام شعبوي يتماهى مع أشكال الأنظمة الشعبوية التى غزت كثيرا من الشعوب في هذه الحقبة التاريخية، اتجه مباشرة إلى نسف المكتسبات السياسية والحقوقية التي افتكّها الشعب بالدم. وقد كان انقلاب 25 جويلية خطوة أخرى في مسار السعي المحموم نحو تصفية الحريات باعتماد كل أشكال القمع والتعسف ضد المعارضين.
فإذا أردنا نقاش مسألة الانتخابات نقاشا جديا بناء على ما جاء في رسالة المعتقلين أو كما طرحها الأستاذ العياشي الهمامي بعيدا عن العاطفة والتضامن اللامشروط مع ضحايا القمع، علينا تقييم الواقع كما هو بكلّ جدية وموضوعية خاصة بعد المحطات الانتخابية التي عرفتها تونس بعد 25 جويلية 2021 وبعد حلّ وتدجين كل المؤسسات الدستورية، وشلّ نشاط الهياكل وإخضاع الإعلام العمومي واستعماله كملك خاص وتلفيق القضايا للإعلاميين لترهيب ما تبقّى خارج السرب وترويض القضاء تحت سيف العزل والتجويع والهجوم السافر على المحامين وملاحقة كل الفاعلين السياسيين وعلى رأسهم أصحاب النداء، المعارضين للانقلاب بتهم كيدية من قبيل التآمر على أمن الدولة وتبييض الأموال وعلى مرسوم أربعة وخمسين الخ… يضاف إلى ذلك التهم الجاهزة والصالحة للفتك بالجميع وخاصة كل من عبّر عن رغبته فى منافسة ساكن قرطاج في الانتخابات الرئاسية.
علينا أن نقتنع أن انقلاب قيس سعيد ليس مجرد تغيير عادي لشكل الحكم بل إنه شكل من أشكال الحكم الفاشي الجاثم بكل وحشية على مفاصل الدولة، وهو الأكثر عداء للحريات والعمل السياسي الحزبي وكل أشكال الحريات والديمقراطية. ففي ظل هذا النمط من الحكم تمّ القضاء على الحياة السياسية واحتكار الشأن العام والإعلام، كما تمّ تحويل البلاد إلى محتشد كبير من قبل الحاكم بأمره.
بناء على كل هذا كيف يمكن لمن يعتبرون أنفسهم معارضين له مجرد التفكير في خوض الانتخابات الرئاسية القادمة فى مثل هكذا وضع سياسي؟ ألا تعتبر هذه المشاركة تزكية لخياراته؟
إن الدعوة إلى العمل من أجل العودة للمسار الانتخابي وتمكين الشعب التونسي من التعبير عن إرادته وعلى أن تجري الانتخابات المقبلة بنفس شروط 2014 و2019 من خلال النداء إلى القوى المدافعة عن الديمقراطية والمدافع عن الحرية دون تحديدها لم تأخذ في الاعتبار سمات الوضع الحقيقية فضلا عن أنها تطرح جملة من الأسئلة.
السؤال الأول هو: من هي هذه القوى المعنية بعدم إهدار الفرصة كما جاء في رسالة المعتقلين لفتح حوار لتوحيد جهودها؟ هل المقصود بفتح حوار بين القوى الديمقراطية وجبهة الخلاص ومن خلالها حركة النهضة وحتى الدستوري الحر بغاية الاستفادة من المخزون الانتخابي لحركة النهضة؟
إلى ذلك فإنّ السؤال الكبير هو: من سيحقق الشروط الخمسة الواردة في الرسالة المذكورة حتى تجري الانتخابات في ظروف مقبولة؟ أم أن هذه الشروط مجرّد شعارات ستكون نتيجتها في النهاية تزكية المسار الانتخابي وبالتالي تزكية كل ما فرضه قيس سعيد؟
إن الشروط المقدمة والتي تتمثل في عدم المساس بالقانون الانتخابي وتشكيل هيئة انتخابات جديدة وإلغاء مرسوم 54 وإطلاق سراح المساجين والكف عن هرسلة الإعلام والإعلاميين هل يمكن لعاقل أن يتصور أن قيس سعيد ومنظومة الانقلاب سيستجيب لها؟ هل من المعقول أن المنظومة الشعبوية وبعد تفكيك كل الهيئات وتدجينها ستتنازل وتقبل بتغيير هيئة الانتخابات؟ وهل يمكن في ظلّ موازين القوى الحالية وفى ظلّ حالة الركود أن يتراجع قيس سعيد ويقبل بإطلاق سراح المعتقلين والكف عن تلفيق وفبركة التهم لهم ولغيرهم؟
إن كل معطيات الوضع الموضوعية، ينضاف إليها الارتباك وضعف الحركة الديمقراطية وتشتتها وعدم خوض أبسط أشكال المقاومة للحفاظ على مكتسبات الثورة، هذا الواقع المتردي، يتطلب منا تشكيل قوى رافضة للانقلاب ومقاطعة لمسرحياته الانتخابية وعلى رأسها الانتخابات الرئاسية. علينا أن نولي الأولوية إلى تكتيل قوانا للعمل على استنهاض حركة النضال لمواجهة منظومة الانقلاب وتحميلها مسؤولية ما نجم من أضرار ومآسي في حياة الشعب التونسي.
لذلك نقولها وبصوت عال وبكل فخر وعزيمة الثوار: نحن لن نشارك ولن ندعم ولن نساند تزكية الانقلاب من أي موقع وسنناضل من أجل مقاطعة كلّ المهازل الانتخابية إلى جانب أبناء شعبنا.

إلى الأعلى
×