الرئيسية / صوت الوطن / ورطة الميزانية التكميلية 2020 تخفي وراءها ورطة أكبر لميزانية 2021
ورطة الميزانية التكميلية 2020 تخفي وراءها ورطة أكبر لميزانية 2021

ورطة الميزانية التكميلية 2020 تخفي وراءها ورطة أكبر لميزانية 2021

جيلاني الهمامي

أعلنت لجنة المالية في مجلس النواب يوم الأربعاء 28 أكتوبر رفضها لمشروع قانون المالية التعديلي لسنة 2020 وطلبت من الحكومة سحبه لمزيد النظر فيه أخذا بعين الاعتبار ملاحظات وتحفّظات البنك المركزي. وقد أعلنت الحكومة إثر ذلك سحبها فعلا مشروع الميزانية التعديلية في انتظار أن تعيد عرضه على المجلس بعد إدخال التنقيحات اللاّزمة عليه.
لسائل أن يسأل لماذا هذا الرفض؟ وما هو المطلوب من الحكومة حتى يقبل البرلمان ولجنته المختصّة في المالية بمشروع الميزانية التعديلية؟ وما مغزى رفض هذا المشروع؟ وأيّ تداعيات له على مشروع قانون ميزانية 2021؟

إجابة عن كلّ هذه الأسئلة نحاول فيما يلي تقديم المعطيات التفصيلية وبشكل مبسّط.
صادق البرلمان على ميزانية 2020 التي تبلغ 47 مليار و227 مليون دينار (دخلا وصرفا). وقد ضبطت هذه الميزانية جملة الموارد الجبائية (المباشرة على الأفراد والمؤسسات وغير المباشرة) وغير الجبائية وتوقعت أن تلجأ الدولة إلى الاقتراض في حدود 11 مليار و368 مليون دينار لتوفير الموارد اللاّزمة وفي حدود الـ47 مليار المذكورة أعلاه.
الجديد في الأمر أنّ الحكومة رأت أن يقع مراجعة الميزانية في ضوء جملة من المعطيات أهمّها:

– ارتفاع المصاريف ستبلغ أكثر من 51 مليار دينار، أي بزيادة 4 مليار و442 مليون دينار.
– أنّ الموارد الجبائية التي كان من المتوقع أن تبلغ 31 مليار و759 مليون دينار لن تتجاوز مع موفّى السنة الجارية مبلغ 26 مليار و107 ملايين دينار.

لذلك فإنّ عجز الميزانية ارتفع ليبلغ وبشكل غير مسبوق 13،4% من الناتج الداخلي الخام. وبشكل ملموس أصبحت الميزانية في حاجة إلى اقتراض مبلغ يزيد عن 10 مليار دينار، إضافة إلى المبلغ الأصلي أي 11 مليار و368 مليون دينار أي ما مجموعه أكثر من 21 مليار دينار. وكان مطلوبا توفير هذا المبلغ لغلق تصرف هذه السنة.

اللافت للانتباه عدم اكتراث الحكومة لوضعية “المقص” effets de ciseaux حيث يتزامن ارتفاع الميزانية بسبب ارتفاع المصاريف من 47 مليار إلى أكثر من 51 مع تراجع موارد الدولة الجبائية (وهي أهم مصدر تمويل) من 31 مليار إلى 26 فقط. مع العلم أنّ ذلك الارتفاع لا علاقة له بجائحة الكورونا عكس ما يمكن أن يتبادر إلى الأذهان.

عرضت الحكومة مشروع الميزانية المعدّلة في ضوء المعطيات المذكورة أعلاه على أمل أن يصادق المجلس عليها وعلى أساس أنّ البنك المركزي يقبل بتسديد العجز المقدّر بعشرة مليار دينار. ولكنّ الجواب كان عكس ما كانت تنتظره الحكومة حيث رفضت لجنة البرلمان المصادقة على المشروع لأنّ البنك المركزي رفض هو الآخر بدوره الموافقة على تمويل الميزانية التكميلية لأنّ المبلغ المطلوب (10 مليار دينار) مبلغ كبير جدا ولا يمكن توفيره من قبل السوق المالية المحلية فضلا عن كونه سيقوّض المجهودات المبذولة من أجل التحكّم في التضخم في تونس.

هكذا كان الردّ وأجبرت الحكومة بالتالي على سحب مشروعها لتُدخل عليه التنقيحات الممكنة والتي بحسب النقطة الإعلامية لرئيسها هشام المشيشي قبل يومين لن تكون تنقيحات عميقة. فالحكومة مازالت تعوّل على البنك المركزي في تمويل الميزانية عبر إصدار سندات خزينة وشرائها وهو ما يرفضه البنك المركزي لأنّ هذه العملية وبالحجم المطلوب (10 مليار دينار) من شأنه أن يفاقم من نسب التضخم ويؤثر سلبا على قيمة العملة التونسية.

يبدو أنّ المشاورات والاتصالات الأخيرة تؤشر على إيجاد بعض الحلول لم تتضح معالمها بعد بما فيه الكفاية. ولكن الأكيد أنّ الحلول الممكنة للميزانية التعديلية لا تعني بالضرورة أنها ستكون صالحة لميزانية 2021 والتي تشكو من عجز بعشرين مليار دينار. فهل سيكون بمقدور البنك المركزي الاستجابة لطلب الحكومة دون أن يضع العملة المحلية في مسار انهيار ودون أن يزجّ بالبلاد في دوّامة تضخمية لا مخرج منها؟

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×