الرئيسية / الافتتاحية / العربدة الصهيو-امبريالية تتصاعد ولا حلّ إلا في أن تواجهها الشعوب
العربدة الصهيو-امبريالية تتصاعد ولا حلّ إلا في أن تواجهها الشعوب

العربدة الصهيو-امبريالية تتصاعد ولا حلّ إلا في أن تواجهها الشعوب

في مرحلة من أعنف وأخطر مراحل حرب الإبادة التي يشنّها كيان الاحتلال منذ أكثر من عشربن شهرا على الشعب الفلسطيني في غزّة والضفّة، أطلق قادة هذا الكيان فجر 13 جوان عدوانهم على إيران. وقد استهدفت الضربة الأولى من هذا العدوان الصف القيادي الأول في المؤسسة العسكرية الإيرانيّة وعددا من المطارات والمواقع العسكرية والمنشآت النّووية. وقد ظنّ قادة الكيان أنّهم، بهذه الضّربة المباغتة، حيّدوا الدولة الإيرانيّة وفسحوا المجال لأنفسهم ولراعيهم الامبريالي الأمريكي المتوحّش كي ينقضّوا على إيران ويخضعوها. لكن ما حصل أنّ ردّ إيران لم يتأخّر فقد طالت الصواريخ والمسيّرات الإيرانيّة أهدافا عسكرية وأمنية وعلمية ظلّت لعقود رمزا للغطرسة والعربدة الصّهيونيّة المنفلتة عن أيّ رقابة بمقتضى الحماية الامبريالية الأمريكيّة الغربية للكيان ومؤسساته. وشيئا فشيئا تعادلت القوى نسبيّا وأصبح نتنياهو وزبانيته في مأزق ممّا جعلهم يستعجلون تدخّل “الراعي الكبير” المباشر، الامبريالي الأمريكي لمساعدتهم على استكمال الجريمة المبرمجة.
لقد عرّت هذه الحرب العدوانية مرة أخرى رياء الدول والمؤسسات الامبريالية التي اصطف أغلبها دون تحفظ مع كيان الاحتلال. إنّ الاصطفاف لم يتوقف عند الوحش الأمريكي بقيادة الفاشي الجديد ترامب، بل تعدّاه إلى القوى الامبريالية الغربيّة الأخرى وتحديدا مجموعة السبع التي أعلنت دعمها غير المشروط للكيان بدعوى أنّه في حالة “دفاع عن النّفس” بل إن وزير خارجية الإمبريالية الفرنسية، التي كانت وراء امتلاك هذا الكيان السلاح النّووي، لم يتردّد في التّصريح بأنّ “إسرائيل” لا تدافع عن نفسها فحسب، بل عن أوربا أيضا. وهو ما يؤكّد أنّ الحرب على إيران هي حرب أطلسيّة يمثّل الكيان النّازي رأس حربتها. كما يؤكّد أنّ الهدف من هذه الحرب هو إخضاع المنطقة بالكامل للهيمنة الأمريكية الغربية الصهيونية وإعادة تشكيلها وفق مقتضيات هذه الهيمنة بما في ذلك استبعاد القوى الامبريالية الأخرى (الصين، روسيا…) الباحثة عن نصيبها من ثروات المنطقة ومقدراتها.
إنّ الحملة السياسيّة والدّعائية الحاصلة اليوم من قبل كيان الاحتلال وحلفائه الغربيّين حول “منع إيران من امتلاك السلاح النّووي” لتبرير العدوان عليها كلّها مغالطات مثلها مثل الحملة حول “مقاومة الإرهاب” التي اعتمدت لتشريع حرب الإبادة التي تُشَنّ على الشعب الفلسطيني في غزة والضفّة منذ 20 شهرا. لقد ظلّ نتنياهو ورعاته في واشنطن ولندن وباريس وبرلين، يلوكون منذ عقدين أو ثلاثة نفس الشيء وهو أنّ إيران على “بعد أمتار من صنع القنبلة النووية” بحثا عن ذريعة للهجوم عليها وتغيير نظام الحكم فيها وتنصيب عملاء طيّعين على رأسه. ومرّت الأعوام تلو الأعوام دون أن يظهر هذا السلاح النّووي. لكنّ الكيان وداعميه واصلوا دعايتهم المضلّلة وهم يترصّدون الظرف المناسب لتنفيذ مشروعهم العدواني. ومن الواضح أنّ المرور اليوم إلى التنفيذ راجع إلى اقتناع مجرمي تل أبيب وواشنطن بأن الظرف أصبح مناسبا إثر التغيرات الحاصلة في المنطقة ومنها خاصة سقوط النظام السوري وتراجع قوى حزب الله في لبنان والمقاومة في العراق وبقاء الجيش اليمني وحده في الإسناد.
ولكن لئن ظلّت الذريعة النووية حاضرة في الهجوم فإن المعتدين المجرمين الصهاينة سرعان ما كشفوا أوراقهم مغترّين بالضربة الأولى الموجهة إلى إيران إذ أنّهم سرعان ما أصبحوا يتحدثون عن تغيير النظام ويحرّضون الشعب الإيراني “الصديق” (كذا) على الخروج إلى الشارع. ولكن بعد مرور حوالي الأسبوع عن العدوان أصبح أولئك المعتدون المجرمون يحثون ترامب على الإسراع بالتدخل إلى جانبهم. وهو أمر قد يحصل وإن حصل فمن شأنه أن يجرّ المنطقة وربّما العالم إلى صراع كارثي. إن العدوان على إيران وهذا ما ينبغي أن تعيه شعوب المنطقة والعالم بأسره هو عدوان استعماري، إجرامي لا علاقة له بمنع انتشار السلاح النووي ولا بحماية السلم في المنطقة والعالم. إن السلاح النووي هو بيد نادي الدول الامبريالية وحلفائها وفي مقدمتهم الكيان الصهيوني. وهي تعمل بكل الوسائل على احتكار هذا السلاح لتضمن به هيمنتها على الشعوب ويردع به بعضها بعضا. إن الامبريالية الأمريكية هي أوّل من استعمل السلاح النووي لحسم الحرب العالمية الثانية والإيذان ببروزها كقوة هيمنية عظمى في العالم. كما أنها هي من استعمله (النووي التكتيكي) في أفغانستان والعراق. ولكنها مع ذلك استعملت هي وحلفاؤها فزاعة العمل على امتلاك “الأسلحة المحرّمة دوليا” ضدّ كل الأنظمة التي تريد التخلص منها (العراق…). وخلافا لما تروّجه الدول الامبريالية ووكلاؤها وعلى رأسهم الكيان الصهيوني من مغالطات حول السلم والسلام فإن العدو اللدود للسلم في المنطقة وفي العالم هو هذه الدول التي تملك في سجلها حربان عالميتان وعشرات الحروب المحلية والإقليمية لأن الحروب والنزاعات من طبيعتها الامبريالية. كما أنّ العدو اللدود للسلم في المنطقة هو الكيان النازي الذي لا يتوقف عن العربدة والعدوان.
وفي الخلاصة فإنّ العدوان على إيران، وبقطع النظر عن النظام الحاكم وعن طبيعته أو الموقف منه، إنّما يتمّ لاستكمال إحكام القبضة على المنطقة بكل مقدراتها وإمكانياتها وإعادة تشكيلها وفق مشروع “الشرق الأوسط الجديد”. ولا ينبغي الاعتقاد أن الأمور ستتوقّف عند إيران فالجزائر مهددة وحتى أولئك التبّع في تركيا والسعودية ومنطقة الخليج ومصر قد يصبحون في لحظة ما في مرمى السهام للتخلص منهم بحثا عن عملاء جدد. لذلك فإن مصلحة شعوب المنطقة ليست في ضرب إيران وتدميرها بل في التنديد بالعدوان عليها والمطالبة بوقفه فورا والتصدي لأي توسيع للحرب. كما أن مصلحة المنطقة ليس في انكسار المقاومة بل في صمودها واستمرارها وانتصارها على العدو الصهيوني وعلى الغطرسة الامبرياليّة وهو ما يقتضي الضغط من أجل وقف حرب الإبادة على غزة والاعتداءات على لبنان وسوريا واليمن. إن مصلحة شعوب العالم وعماله وكادحيه هي من مصلحة شعوب منطقتنا وهو ما يدعوها إلى الوقوف في وجه أنظمتها الامبريالية والرجعية من أجل إجبارها على وقف مد الكيان الصهيوني بالسلاح وإخراج أساطيلها الحربية من المنطقة. كما أنّه يدعوها إلى النضال من أجل نزع شامل للسلاح النووي وأسلحة الدمار الشامل.
إنّ حزب العمال لا موقع له سوى الانتصار للشعوب والتصدي لمنظومة السيطرة الإمبريالية التي تعربد تكريسا للطبيعة الوحشية الرأسمالية العالمية التي استنفذت كل شروط بقائها وهي التي لم تجلب للبشر والطبيعة إلا الدمار. إن الغد الإنساني الخالي من العدوان والدمار هو غد انتصار الشعوب والمقهورين على مصاصي الدماء وصانعي الحروب لتصريف أزمات نظامهم الرأسمالي الجشع والأناني.

إلى الأعلى
×