الرئيسية / أقلام / حكومة جمعة حكومة مستوردة ستكون في خدمة صندوق النقد الدّولي لا في خدمة الشعب
حكومة جمعة حكومة مستوردة ستكون في خدمة صندوق النقد الدّولي لا في خدمة الشعب

حكومة جمعة حكومة مستوردة ستكون في خدمة صندوق النقد الدّولي لا في خدمة الشعب

 بقلم حسين الرحيلي

new government تمخّض الحوار الوطني، فأنجب بعد مخاض عسير رئيس حكومة غير توافقي، ولم يحظ بموافقة أغلب القوى الديمقراطية وذلك أوّلا لكونه كان وزيرا في حكومة الفشل النهضاوية، ثانيا باعتباره ليبراليا مؤمنا بمخططات صندوق النقد الدولي وهو ما أهّله لأن يكون مدعوما من طرف منظّمة الأعراف إن لم نقل أنه مرشّحها، كما أنه مرشّح الدوائر المالية الغربية والبنك العالمي وصندوق النقد الدولي.

 كما أنّ حكومة المهدي جمعة هي حكومة مستوردة، حيث أنّ غالبية أعضائها ممّن يعملون بمؤسسات وشركات أجنبية خارج البلاد، ومنهم من لم يدرس أصلا في تونس، مع انعدام الخبرة لكلّ هؤلاء الوزراء في مجال تسيير المرافق العامة والمؤسسات الوطنية، وبالتالي فإننا سنكون ولمدة عام على الأقل بيد حكومة ستتعامل مع البلاد من منظور شركة خاصّة هدفها الرّبح والربح فقط.

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإنّ هذه الحكومة المستوردة ليس لها أيّ معرفة بالواقع التونسي ولا بحقيقة الأوضاع بالمناطق الداخلية ولا بالمشاكل المزمنة التي تتطلّب حلولا سريعة. فمعرفة المشاكل من خلال التقارير لم ولن تمكّن أيّ شخص مهما كانت طاقاته وخبراته أن يساهم في حلّها، نحن بحاجة لمن يعرف حقيقة الأوضاع ومن عاشها معنا لا من سمع عنها، لأنّ تسيير البلاد لا يشبه عمل التسويق للمنتوجات التجارية، ولا عمل مكاتب الدّراسات وورشات الإنتاج في الشركات المتعدّدة الجنسيّات التي تعمل على تراكم ربحها بقطع النظر عن وضعيّة من يُنتجون الثروة.

 لقد تأكّد دعم صندوق النقد الدولي وكلّ الدوائر الماليّة الغربيّة والأمريكيّة لهذه الحكومة المستوردة من خلال الإفراج عن القسط الثاني من القرض الائتماني والمقدّر بحوالي 800 مليون دينار من طرف صندوق النقد الدولي، هذا القسط الذي كان مبرمجا خلال شهر سبتمبر2013. وهو ما يعني أنّ الدوائر المالية العالمية قرّرت إعطاء جرعة من الأكسيجين لهذه الحكومة التي ستكون التلميذ النجيب الذي سيواصل تطبيق شروط هذه الدوائر التي تتمحور حول مزيد تبعيّة البلاد للدوائر الرأسمالية، وتدعيم منظومة تخلّي الدّولة عن دورها المحوري في التنمية وخلق الثروة في هذه المرحلة الانتقالية الحسّاسة.

إنّ حكومة بهذه المواصفات، ومن خلال خبرات مكوّناتها من الوزراء، لا يمكن لها أن تكون الحلّ بل إنّها ستكون جزء من تعميق الأزمة الهيكلية التي نعيشها على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، وخاصة بعد سياسة الأرض المحروقة التي اتّبعتها حكومة النهضة الفاشلة، التي خرجت وتركت ديون جديدة متراكمة تقدّر بحوالي 13 مليار دينار.

أمام هذه الأوضاع المتداخلة والمعقّدة حيث يرتبط الاقتصادي بالاجتماعي بالبيئي بالجهوي، زد على ذلك عمليات التخريب الممنهجة الذي تعرّضت إليه مؤسّسات الدّولة خلال فترة حكومتي الترويكا، وخاصة ضرب قيمة العمل كقيمة اقتصادية واجتماعية، فلا يمكن أن  يكون الحلّ في حكومة ليبرالية أتت لتطبّق شروط مجحفة وقاسية على أغلب شرائح المجتمع. كما أنّ هذه الحكومة ستكون عاجزة عن مراجعة جذرية لميزانية التفقير التي قدّمتها النهضة وجابهها الشعب بكل أطيافه بالرفض الميداني، لأنّ أغلب مضامين هذه الميزانية هي تطبيق حرفي للشروط التي أمضت عليها حكومة النهضة مع صندوق النقد الدولي خلال شهر جوان 2013. وهذه الحكومة تسلّمت عربون ثقة الصندوق لتكون في مستوى إملاءاته وشروطه.

هذا على مستوى ارتباط هذه الحكومة وهيمنة الدوائر المالية العالمية عليها، أمّا على مستوى ما قدّمه رئيسها من خلال بيانه بالمجلس التأسيسي، فإننا لم نجد رؤية مغايرة لما كان يطبّق قبله، بل لقد لمسنا من خلال نوايا عامة لاستعمال العنف أي عنف الدولة لإرجاع “مكينة الإنتاج” تشتغل، حسب قوله. ولا نعلم من أوقف عملية الإنتاج وعن أيّ “مكينة” يتحدث، وهل تمّ إنجاز مشاريع إنتاجية عطّلها الشعب؟ كما فهمنا أنّ هذه الحكومة مراهنة على عودة إنتاج الفسفاط إلى سالف مستوياته، ممّا يعني أننا سنشهد احتجاجات أخرى يمكن أن تكون عنيفة لأنّ لهجة رئيس الحكومة تتّسم بالعنف في حديثه عن موضوع تعطيل العمل.

إنّ الحوض المنجمي ليس مجرّد حوض لاستخراج الفسفاط بل هو حوض تداخلت فيه تناقضات وجود الثروة مع الفقر والتهميش والبطالة، لذلك فلا يمكن التّعامل مع الموضوع على أساس شركة خاصة أو بعقلية تسيير الشركات الخاصة التي لا يهمّها من المسألة إلاّ الربح فقط.

إنّ فقدان هذه الحكومة لبرنامج مغاير لما سبق تطبيقه، وارتباطها كلّيّا بالدوائر المالية الاجنبية والاستعمارية، سيجعلها حكومة انتخابية فقط، ويجب أن لا ننتظر منها تغييرا في أوضاع البلاد الحقيقية، ذلك أنّ تشكيلها كان له أثر إيجابي على المستوى النفسي فقط بعد الغبن والإحباط الذي عاشته كلّ فئات الشعب التي رزحت تحت حكم النهضة وزوائدها لأكثر من سنتين، ولكن سرعان ما بدا هذا الشعور بالتراجع واستفاق الناس من الوهم،       وستكون الأيام القادمة خير دليل على ما نقول.

فاقد الشيء لا يعطيه، ومن تعوّد على تسويق المنتوجات، لا يمكنه حلّ إشكالات شعب أنجز ثورة من أجل الشغل والحرية والكرامة الوطنية، لا من أجل مزيد التبعية للأجنبي، ولا من أجل بيع ما تبقّى من ممتلكاته، ولا من أجل ضرب أبسط حقوقه في مرافق عامة وطنية من ماء وكهرباء وصحّة وتعليم… 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×