الرئيسية / الورقية / عيد الشهداء 9 أفريل 1938 – 9 أفريل 2012 // المؤرخ الأستاذ عميره عليّه الصغيّر
عيد الشهداء 9 أفريل 1938 – 9 أفريل 2012 // المؤرخ الأستاذ عميره عليّه الصغيّر

عيد الشهداء 9 أفريل 1938 – 9 أفريل 2012 // المؤرخ الأستاذ عميره عليّه الصغيّر

Amira_A_S_(1)

تحيي كلّ الشعوب الأحداث المهمة في تاريخها لترسيخ الذاكرة الوطنية ولتصليب لحمتها وتغذية روح الاعتزاز بالانتماء الواحد وللرّفع من شأن أوطانها. وقد دأب التونسيون ومنذ السنوات الأولى للاستقلال على الاحتفال بأحداث جليلة في تاريخ مقاومته للاستعمار، ومنها إحياء ذكرى أحداث 9 أفريل 1938 “عيد للشهداء”. لكن ما بعد الثورة، عمل الإسلاميون وحلفاؤهم، الذين حكموا البلاد بعد انتخابات أكتوبر 2011، 5B9لى طمس تلك الذاكرة الشعبية الوطنية لأسباب لا تخفى على أحد.

9 أفريل أو بوادر المقاومة الشّعبيّة المنظّمة للاستعمار

نذكّر أوّلا أنّ ما يحييه التونسيون في 9 أفريل، ولأكثر من ستين سنة، هو إحياء لتلك الانتفاضة الشعبية الوطنية التي وقعت أهمّ أحداثها في تونس العاصمة وفي ذاك اليوم بالذّات. لكن في الحقيقة إنّ تلك الأحداث ماهي إلاّ وقائع بارزة في سلسلة من التظاهرات والتصادمات ذات الطابع الاجتماعي والوطني سبقتها (أحداث مناجم المتلوي وأم العرائس والجريصة سنة 1937 أو أحداث 8 جانفي 1938 ببنزرت حيث قتل في الأولى 23 عاملا وفي الثانية 6 تونسيّين) أو تلتها، كانت شاملة لكل جهات البلاد تقريبا ومعبّرة عن حالة من الاحتقان السياسي وخيبة الآمال في السياسة الفرنسية آنذاك، كان محور التعبئة والتنظيم فيها الجناح الراديكالي في الحركة الوطنية أي الحزب الحر الدستوري الجديد.

      وقعت إذن أحداث 9 أفريل في ظرف اجتماعي متأزم خصائصه تدهور الحالة المعيشية من غلاء للأسعار واستفحال البطالة ومظاهر البؤس الاجتماعي من عطالة ونزوح وتفقير للأرياف وتضرّر أهلها نتيجة الآفات الطبيعية أو تدهور الأسعار للمواد الفلاحية المصدرة وكثرة الديون وارتهان الممتلكات، وفي واقع سياسي سماته خيبة الأمل في حكومة “الجبهة الشعبية” الحاكمة آنذاك في فرنسا، وتصلّب الاستعمار الفرنسي وتعامله بمنطق القوّة مع الوطنيّين وخاصة مع الحزب الحرّ الدستوري الجديد الذي أقحم الجماهير الشعبية في نضاله وعبّأها للصّدام على وقع اعتقالات مناضليه والمصادمات مع الاستعمار، حيث دعا مجلسه الملّي في مارس ( 13-14) 1938 لتكثيف المظاهرات في جميع أنحاء البلاد والامتناع عن دفع الضّرائب وأداء الخدمة العسكرية وتحدّي منع حمل الشّارات الوطنيّة ورفع العلم الوطني. ولم تزد حملة الاعتقالات في صفّه إلاّ تحفيزا للمصادمة. إذ شنّت حملة إيقافات ضد عناصره النشطة بتهمة التحريض على التباغض بين الأجناس وتحريض السكان على العصيان، حيث تمّ في بداية أفريل 1938 إيقاف عشرين من قادة الحزب منهم صالح بن يوسف وسليمان بن سليمان ويوسف الرويسي والهادي نويرة والحبيب بوقطفة. فكان قرار الإضراب العام والتظاهرات يوم 8 أفريل 1938 وتمّ ذلك فعلا بالعاصمة وفي عديد الجهات. وما لم يكن مقرّرا هو حدوث صدام يوم السبت 9 أفريل 1938 عندما أوقف زعيم الشباب والقيادي في الحزب علي البلهوان للتحقيق معه وتحوّلت ساحات مدينة تونس ( باب بنات، باب سويقة، باب منارة، باب الجديد، القصبة، الملاسين، باب الخضراء…) وأنهجها إلى مسارح للتظاهر ورفع الشعارات ضد الاستعمار والمطالبة بالحرية، وللتصادم والتقاتل بين المتظاهرين من جهة وقوات الأمن والجندرمة والبوليس من جهة أخرى. فاستشهد في ذلك اليوم 22 تونسيّا وحصلت أضرارا مادية كبيرة (حرق وتحطيم الترامواي والسيارات وتهشيم واجهات المغازات…) فتمّ إعلان حالة الطوارئ بالعاصمة مساء 9 أفريل لتشمل مناطق أخرى في ما بعد وحوّلت مصالح الأمن للسلطة العسكرية (الجنرال هانوت) وكثفت الاعتقالات (اعتقال بورقيبة في 10 أفريل) والمحاكمات التي استهدفت أكثر من 900 شخص ووقع منع الحزب الحر الدستوري الجديد بقرار وزاري في 12 أفريل.

9 أفريل: محطّة بارزة  في مسار نضج الوعي الوطني التّحرّري

    وإن كان من المسلّم به حاليا أنّ أحداث 9 أفريل لم تكن من فعل وتسطير الحزب الحر الدستوري الجديد، فإنّ حالة التهييج والتحريض التي ولّدتها الدّعاية السياسية لهذا التنظيم كانت وراء 5D8لك الأحداث في جانب كبير، وهي من فعل العناصر الدستورية النشطة في تلك الفترة المتأزمة. وإن كنّا لا نمتلك معطيات ضافية حول المشاركين في أحداث 9 أفريل ما عدا ما تصفهم به التقارير الأمنية بـ”المهمّشين” و”العاطلين” و”سقط المتاع”، فإنّ ذاك لا يعني عدم مشاركة أصحاب المهن القارّة أو الموظفين في تلك الأحداث، كما أنّ هنالك دراسات تبيّن مثلا دور الشباب التلمذي والطلابي فيها وخاصة تلاميذ الصادقية وطلبة الزيتونة.

  تلك الانتفاضة الكبرى يوم 9 أفريل هي بمثابة القفزة المهمة في مسار نضج الوعي الوطني التحرري وارتقائه، لذاك كان إحياؤها ليس فقط تكريما لشهداء ذاك اليوم، بل تكريما لكلّ شهداء الوطن زمن الاستعمار وزمن الاستقلال من أجل الحرية والكرامة.

حكومات “الترويكا” تتنكّر لشهداء الوطن

 كانت الصدمة الكبرى في الذكرى الأولى لـ9 أفريل ما بعد الثورة وتحت حكومة الترويكا وتحت وزير الداخلية النهضاوي علي لعريّض، عندما منع التظاهر في شارع بورقيبة وتجاهلت حكومة النهضة هذه الذكرى كما تجاهلت قبلها ذكرى 20 مارس عيد الاستقلال، بل إنّ وزير الداخلية أرسل بقوات من الأمن ومليشيات تقمع بشدة المحتفين بذكرى عيد الشهداء في شارع بورقيبة ومحمد الخامس وأنهج أخرى ليجرح ويُوقف الكثيرين. حزب حركة النهضة بمحاولة طمسه تلك “الأعياد الوطنية” ومنع الاحتفال بها كان وفيا لما تقوم عليه عقيدته السياسية من نكران لقيمة الوطن أوّلا وطمسا لتاريخ يرى أنّ رموزه شأن “بورقيبة” وحزبه الدستوري هم من ألدّ أعدائه، فلا يذكر بورقيبة أو حزبه إلاّ ليلعنا كرموز “للتغريب” و”العلمانيّة” و”للاستبداد” و”العداء للهوية وللإسلام”.  ولم يغتر إلاّ الُبله بانقلاب الخديعة في خطاب جماعة النهضة في السنة الأخيرة للاعتراف بفضل بورقيبة أو المشاركة الشكلية في إحياء الذكرات الوطنية… لغايات سياسويّة لا تخفى على لبيب.

  إحياء 9 أفريل تبقى للعالمين وللوطنيين ذكرى للاعتراف بفضل شهداء تونس من أجل عزة الوطن وكرامة أهله وتذكّرهم دائما أنّ طريق الحرية شاقّ وأنّ الكرامة ثمن

المؤرخ الأستاذ عميره عليّه الصغيّر 5C2  

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×