الرئيسية / صوت الوطن / كيف نفهم حكومة الوحدة الوطنيّة؟ // علي البعزاوي
كيف نفهم حكومة الوحدة الوطنيّة؟  // علي البعزاوي

كيف نفهم حكومة الوحدة الوطنيّة؟ // علي البعزاوي

         الفكرة انطلقت مع تنصيب تمثال الزعيم الحبيب بورقيبة، حيث تحدث رئيس الدولة عن “الوحدة القومية الصماء” هذا الشعار العتيق الذي جمع في ظروف تاريخية معيّنة الحزب الاشتراكي الدستوري والاتحاد العام التونسي للشغل في حكومة “وحدة قومية” للشروع في بناء تونس المستعمرة الجديدة بعد مغادرة الجيوش الفرنسية التراب الوطني، لكنه انتهى عمليا مع استقالة الزعيم النقابي الحبيب عاشور من الديوان السياسي وإنهاء علاقته بالحزب الحاكم. ومنذ ذلك التاريخ أصبح الاتحاد يصارع من أجل استقلاليته بعد أن هيمن عليه الحزب الدستوري لفترة ليست بالقصيرة واعتبره أحد منظّماته مثله مثل الاتحاد القومي النسائي ومنظمة الطلبة الدساترة…

Untitled-1

 لماذا حكومة وحدة وطنيّة اليوم؟

 الفكرة فرضتها حالة الأزمة الشاملة التي أصبحت تعيشها البلاد وإطلاق الجبهة الشعبية لمبادرة سياسية من أجل إنقاذ وبناء تونس ودعوة حزب المسار الاجتماعي إلى مؤتمر إنقاذ وطني وما تبع ذلك من تركيز إعلامي وحوارات ونقاشات بين الأطراف، فكان لزاما على رئيس الدولة استعمال دهائه السياسي لتفكيك هذا المشروع قبل تشكّله أو على الأقل تأجيله وخلق نوع من التركيز الجديد الذي من شأنه تحويل الوجهة إلى مشروع بديل يخدم الائتلاف الرجعي الحاكم ويساعده على تأجيل أزمته والتخفيف من حدّتها بتوريط أطراف أخرى في الحكم.

الفكرة جاءت أيضا تلبية لإرادة حزب نداء تونس لتشكيل حكومة سياسية برئاسته حتى يعيد التوازن إلى مشهد الحكم بعد أن برزت حركة النهضة كقوة سياسية منظّمة على إثر عقد مؤتمرها والاستجابة في نفس الوقت إلى مطلب حزب آفاق تونس بالاستعاضة عن حكومة الحبيب الصيد بأخرى سياسية وتقريب كتلة الحرّة وحتى استرجاع بعض نوّابها إلى حضيرة النداء بإسنادها بعض الحقائب.

 الشّيخان يناوران

 ركّز الباجي قائد السبسي على أهمية مشاركة الاتحاد العام التونسي للشغل في حكومة الوحدة الوطنية رغم معرفته المسبقة بعدم قبول الاتحاد المشاركة فيها لأنه مصمّم على النأي بنفسه عن تحمّل مسؤولية السلطة التنفيذية التي خبرها في السابق وقادت إلى تذييل الاتحاد وتكبيله وربما إفراغه من منخرطيه. وهدف السبسي هو وضع الاتحاد في زاوية، فإمّا القبول صاغرا بالمشاركة ومباركة التشكيلة المقترحة أو تحمّل مسؤولية كل تصعيد للاحتجاجات الاجتماعية في المستقبل باعتبارذلك مساهمة في تأبيد ومفاقمة الأزمة.

الغنوشي من جهته تجاوز تمسّك حركته بالحبيب الصيد وانضمّ إلى الفكرة لكنه، في إطار المناورة، طرح اسم مؤسس الحزب الجمهوري نجيب الشابي كرئيس حكومة مرتقب مع إدراكه المسبق أنّ نداء تونس والسبسي تحديدا لن يوافقا عليه لكنّه طرحه كورقة ضغط وابتزاز من أجل تحقيق مكاسب.

مناورة الشّيخين لا علاقة لها بمصالح الشعب التونسي ولا بأهداف ثورته. وهي تندرج في إطار التجاذبات السياسية وإرادة الهيمنة على المشهد السياسي. وقد يفتح مسار تشكيل حكومة “الوحدة الوطنية” صراعا بين النداء والنهضه مداره قيادة دفّة الحكم وآخر بين الحزبين الكبيرين من جهة وآفاق والوطني الحر من أجل اقتسام الكعكة بحدّ أدنى من الإنصاف.

  التّاريخ يعيد نفسه

 لقد سبق للترويكا بقيادة حركة النهضة أن طرحت أكثر من مرة، سواء في ظل حكومة الخليفة السادس أو حكومة علي العريض، نيّتها في توسيع قاعدة الحكم بتشريك أطراف جديدة كلما اشتدّت أزمتها وعجزت عن معالجة أوضاعها وإدارة الحكم بنجاح. والهدف من ذلك هو تحميل أعباء أزمتها لأكثر ما يمكن من الأطراف حتى لا تتحمل بمفردها مسؤولية الفشل والعجز فـ”المصيبة إذا عمّت خفّت”.

نفس المنطق ونفس الهدف يقودان اليوم النداء والنهضة، الطرفين الأكبر في الائتلاف الحاكم. وهما يعتقدان أنّ توسيع الحكم من شأنه أن يوفّر الإمكانية لتأطير وخنق المعارضة السياسية والاجتماعية والشعبية وفرض أمر واقع جديد على التونسيين وتحميلهم تبعات أزمة لم يكونوا سببا فيها. وهي الشّرط الضروري من وجهة نظر الائتلاف الحاكم “لإنقاذ” البلاد والخروج بها من حالة التعطّل والترهّل وإطلاق العنان لتطبيق الإملاءات دون حسيب ولا رقيب.

فتوسيع قاعدة الحكم هو أخفّ الأضرار بالنسبة إلى الائتلاف الرجعي الحاكم لأنّه لا يملك الإرادة السياسية للذهاب في اختيارات اقتصادية واجتماعية جديدة خارج إملاءات دوائر النّهب الامبريالي. وفي هذا السياق، تبقى حكومة الوحدة الوطنية “أفضل الحلول الممكنة” وإطارا لتأجيل الأزمة عبر توزيعها على أكثر عدد ممكن من الأطراف الحزبية والمهنيّة.

 حكومة الوحدة الوطنيّة مشروع آيل للسّقوط

 أوّلا لابدّ من التأكيد على أنّ طرح شعار حكومة الوحدة الوطنية اقترن بنوع من الإقرار بأنّ هناك أزمة وأنّ حكومة الحبيب الصيد ومن خلالها الرّباعي الحاكم فشلت في معالجة الأوضاع ولم تقدر على تجاوز الأزمة التي ما فتئت تستفحل. لكن تشخيص أسباب هذه الأزمة من منظور صاحب المبادرة بعيد عن الحقيقة. فالسبسي يختزل هذه الأزمة في الإضرابات والاحتجاجات والحرية المفرطة في الإعلام وكثرة الأحزاب مع تحميله لجزء من المسؤولية للأداء الضعيف لحكومة الحبيب الصيد. والهدف من هكذا تشخيص يترجم إرادة العودة بأيّ شكل من الأشكال إلى مربّع بن علي، تحت شعارات هيبة الدولة وتطبيق القانون وفرض دور الديكور على المعارضة وحبس نشاطها في المحطّات الانتخابية، وهنا تكمن خطورة المشروع الذي سيعمل على تصفية المكاسب السياسية والاجتماعية التي فرضها الشعب التونسي عبر نضالات مريرة.

لقد أكّدت التجربة أنّ الأغلبية البرلمانية، مهما كبرت عدديا، لا تكفي وحدها ولن تعطي حلولا ومعالجات جديّة وأنّ توسيع قاعدة الحكم يبقى مرتبطا بالخيارات والبرنامج.

إنّ التشخيص الخاطىء يعطي بالضرورة معالجات خاطئة. ولن يربح الائتلاف أكثر من بعض الوقت وتأجيل الحل الذي بدأت معالمه تتشكّل عبر مبادرة الجبهة الشعبية لإنقاذ وبناء تونس.

تونس بحاجة إلى مشروع وطني ديمقراطي اجتماعي عبّرت عنه الجبهة الشعبية. وهي تسعى إلى لفّ أوسع الأحزاب الديمقراطية والمنظمات والفئات الشبابية والنسائية والشخصيات حوله من أجل إثرائه وطرحه والإقناع به كبديل كفيل بالخروج بالبلاد من أزمتها الخانقة.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×