الرئيسية / أقلام / أحداث سوسة : ضعف أمني وغياب الرؤية السياسية
أحداث سوسة : ضعف أمني وغياب الرؤية السياسية

أحداث سوسة : ضعف أمني وغياب الرؤية السياسية

محموداهتز الشارع التونسي بعد الأحداث التي عرفها نزل “امباريال مرحبا” بسوسة، خصوصا وأنّ حصيلة القتلى قاربت الأربعين شخصا وأكثر من ثلاثين جريحا، بفعل إرهابي وحيد وإثر عملية باردو التي مازالت حاضرة في الأذهان.

لقد أربكت عملية سوسة الجميع (أمنيين وسياسيين ومواطنين عاديين) وأدخلت الشك في نفوس أكثر الناس إيمانا بقدرة الدولة التونسية على مواجهة الإرهاب. ذلك أّنّ هذه العملية خلّفت عديد الأسئلة دون إجابة.

غياب استراتيجيا أمنيّة

في ما يتعلّق بالأمن الداخلي، هل هناك استراتيجيا أمنية؟ هل هناك جاهزية أمنية؟ هل أنّ جهاز الأمن محصّن من الاختراقات؟

عندما تستمع إلى المسؤولين عن الأمن تزداد حيرة وقلقا لأنك تعلم، حينها، أنّ هناك من ساعد على إيجاد مناخ ملائم للقيام بالعملية (فراغ أمني). وتفهم أنّ الأمن مخترق. وتعلم أنّ أجهزة المراقبة بالنزل كانت قبل يوم واحد من العمليّة تعمل بصفة عاديّة، لكنها تعطّلت يوم العملية. تتأكد أنّ منفّذ العمليّة لم يكن وحيدا ومعزولا.

 وحين تعلم أنّ شرطيّا كان غير قادر على التحرّك وسقط سلاحه خوفا من الإرهابي تكتشف غياب الجاهزيّة الأمنيّة رغم أنّ السلطات الأمنية كانت قد أكّدت، بعد أحداث باردو، أنّها استوعبت الدّرس وأنها ستعمل على تلافي الأخطاء.

لكن يبدو أنّ دار لقمان ظلّت على حالها ومازال الوضع لم يتغيّر أو تغيّر نحو الأسوأ. إذ كنا نعتقد أنّ المسألة مادية فقط (نقص في التجهيزات والتسليح والوقاية…). لكنّ المسألة أخطر من ذلك. فالأزمة هيكلية، تتعلق بجوهر التركيبة والتنظيم والعقيدة. وهي مسائل جوهرية إن غابت أو ضعفت فالحل لن يكون سهلا. وإن تمّ التوصّل إلى حلّ فلا إمكانية لتطبيقه على المدى القريب، ويُنذر بأنّ تونس ستتحمل لمدة طويلة النتائج الوخيمة.

حكومة دون رؤية سياسيّة للمسألة الأمنيّة

بالنسبة إلى الرؤية السياسية للمسألة الأمنية، هل يمثّل الأمن فعلا أولوية للحكومة الحالية؟ هل يمكن لحكومة قوس قزح، المكوّنة من 4 أحزاب، تبدو الروابط بينها غير ثابتة، أن تحدّد سياسة أمنيّة تتماشى مع الوضع الاقليمي والدولي؟

حكومة “الصيد” التي تجمع – فيما يتعلّق بالمسألة الأمنية – حزبين متناقضين (النداء والنهضة) غير قادرة على تقديم الحلول الأمنيّة الناجعة.

لقد تمّ تخريب المؤسّسة الأمنية (المهترئة أساسا منذ حكم بن علي) في فترة حكم “الترويكا” بقيادة حركة النهضة. وكان مطروحا بعد أحداث 2010/2011 إعادة بناء المؤسسة الأمنية على أسس جديدة (أمن جمهوري ذوعقيدة وطنية وديمقراطية). غير أنّ ما تمّ هو العكس. وأصبحت الأحزاب ترتع داخل هذه المؤسسة وأصبح الولاء الحزبي يمثّل منهجا للتّسيير والقيادة.

وبما أنّ النهضة مازالت في الحكم، فإنّ الحكومة الحالية التي يتزعّمها حزب النداء غير قادرة على القيام بتغييرات جوهرية وهيكلية. يبدو أنّ العديد من الكوادر الأمنية التي ركّزتها النهضة مازالت تحتلّ مواقعها بقوّة. كما أنّ الوضع الاجتماعي للأمنيّين ظلّ على حاله وهو ما يفسّر الكثير من التصرفات غير المطمئنة.

كيف يمكن لحكومة الصيد تحديد سياسة أمنية ناجعة في ظلّ مشاركتها الحكم لحركة النهضة التي مهّدت لتطوّر الإرهاب في تونس (تهريب السّلاح وتسفير الشباب للتدرب مع التنظيمات الاسلامية  على استعمال السلاح…) وتدافع اليوم  بقوة على ضرورة التعامل مع حكومة “فجر ليبيا” الاخوانية وهي طرف ثبت أنه يمارس الإرهاب في ليبيا ويدعمه في تونس.

السياسة الأمنية لحكومة “الصيد” لم تتجاوز منطق الترقيع على مستوى هياكل التسيير (إقالة من هنا وتسمية هناك وإعادة تسمية من أقيل سابقا وهكذا…) وسياسة الجري وراء الأحداث على مستوى الوقائع، وكأننا نتعلّم ممّا يحدث كلّ مرّة عوض أن نستبق الأحداث (إجراءات بعد أحداث باردو وأخرى بعد أحداث القنطاوي…).

 في ما يتعلق بالسياسة الخارجية لتونس وتعاملها مع الوضع في ليبيا، إلى متى ستظلّ الحدود التونسية الليبية مفتوحة وكأننا في وضع عادي؟

 في حين ما فتئ رجال السياسة يصرّحون أننا في حرب ضدّ الإرهاب. ونحن نعلم أنّ المموّل الرئيسي للإرهاب في تونس هو القطر الليبي (السلاح والتدريب وربما التمويل)، وأنّ حكّام الجزء الغربي من ليبيا يتبنّون الإرهاب عقيدة وممارسة. وآخر دليل احتجاز الديبلوماسيين التونسيين بطرابلس ومقايضتهم بأحد الإرهابيّين اللّيبيّين.

أحزاب تتبنّى الإرهاب وتموّله

في ظلّ وجود أحزاب وجمعيات تتبنّى الإرهاب وتموّله، أيعقل أن نحارب الإرهاب باستعمال الوسائل الأمنية، في حين أنّ من يحرّض ويدعو إلى ممارسة الإرهاب ويموّله ينعم بالأمن والطمأنينة؟

 إنّ ممارسة الإرهاب كان نتيجة لعمل سابق قام به المحرّضون والمدرّبون والمموّلون ولا يمكن للحلّ الأمنيّ الصرف أن يحقّق أهدافه ما دمنا متغافلين عن هذا الجانب.

كيفيّة التّعامل مع الإرهاب

مسألة الإرهاب والتعامل معه تتجاوز الجانب الأمني لتلامس الجانب الثقافي. فقد تساءلت مواطنة باستغراب بعد أحداث سوسة: لماذا الحداد على القتلى الأجانب وتغيير برامج القنوات التلفزية؟ أليس القتلى أجانب (بمعنى غير مسلمين)؟

هذه المرأة تمثل نموذجا للمواطن التونسي العادي الذي يتعامل مع الإرهاب بنوع من عدم الاهتمام، بما أنه لا يمسّ أبناء الوطن. وأكثر من ذلك لا يمسّه مباشرة. وهو موقف يختزل ثقافة “جحا” (بمعنى اخطى راسي واضرب) من جهة، وثقافة التقوقع الديني والحضاري (إذ يعتقد الكثير من أبناء شعبنا أنّ حدود العالم عربية أو إسلامية وأنّ القتل مباح ومتاح خارج هذا الإطار) من جهة أخرى.

إنّ هذا الواقع من شأنه تشجيع نموّ ظاهرة الإرهاب في صفوف شبابنا “الفاشل” تعليميا، والذي يعيش الضّيق والحاجة اقتصاديا، والتهميش اجتماعيا، والكبت جنسيا. ويدعو الحكومة والأحزاب والمجتمع المدني إلى العمل بقوّة على المستوى الثّقافي والتّعليمي.

لكن رغم هذه الهنات، فإنّ ما يُثلج الصدر هو ردّة فعل بعض المواطنين الذين خرجوا للتّعبير عن استنكارهم لما حدث.

أيّ دور لأهل القطاع؟

لا يمكن أن نختم دون التساؤل عن دور أصحاب النزل في حماية مؤسساتهم. فقد اتّضح أنّهم يستكثرون على العمّال والموظفين المطالبة بحقوقهم المشروعة. ويريدون أن تتحمّل الدولة أعباء حراسة مؤسّساتهم (من المعلوم أنّ أيّ مؤسسة تتحمّل عبء الحراسة الداخلية فيما يقتصر دور الدولة على الحراسة الخارجية أي الطريق العام).

 لذلك طالبت صاحبة المؤسسة السياحية مسرح الأحداث بسوسة، إضافة إلى تشديد الحراسة وتكثيفها (داخل وخارج النزل)، بمساعدات مالية للنزل. وهو نفس التّوجّه الذي يبدو أنّ الحكومة الحالية ممثّلة في وزيرة السياحة تريد انتهاجه (مساعدات مالية وإعفاءات جبائيه…).

إنّ مساعدة قطاع السياحة المتضرر من أزمات متتالية ومن أزمة هيكلية أمر ضروري. لكن لا يجب انتهاز الفرص لاستغلال المال العام. ويجب أن تكون المساعدة على أسس واضحة وشفّافة وفي إطار محدّد. كما لا يجب أن تكون أي مساعدة على حساب العمّال.

من الواضح أنّ الأيّام والشّهور المقبلة لن تكون سهلة بالنسبة إلى الكادحين والمعطّلين عن العمل، أي الطبقات والفئات الفقيرة. فالحكومة الحالية، التي لا تملك برنامجا ولا مجرّد رؤية عامة ولا حتّى بوصلة لحكم تونس، غير قادرة على تجاوز الأزمات المتتالية وقد يكون الأدهى من ذلك غياب البديل.

إنّ تونس تعيش المجهول ولا ندري في أيّ اتجاه تسير المركب ويظلّ السؤال: ما العمل؟

            الأستاذ محمود مطير: 

           *المحامي لدى التعقيب والمستشار الجبائي

            (“صوت الشعب” – العدد 183)

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×