الرئيسية / صوت العالم / إقامة الأسوار حول أوروبا تتسبّب في موت المزيد من الفقراء // مرتضى العبيدي
إقامة الأسوار حول أوروبا تتسبّب في موت المزيد من الفقراء // مرتضى العبيدي

إقامة الأسوار حول أوروبا تتسبّب في موت المزيد من الفقراء // مرتضى العبيدي

تمّ صبيحة يوم 18 أفريل تسجيل غرق باخرة إضافية محمّلة بمئات اللاّجئين السّوريّين في البحر المتوسط، إذ أعلنت البحرية الإيطالية أنها تمكّنت من إنقاذ حياة 109 شخصا، من بينهم أطفال ونساء،  وانتشال 6 جثث. إلاّ أنه بمرور الساعات اتّضح أنّ الكارثة أكبر بكثير، إذ أنّ عدد الغرقى تجاوز الـ،400 أغلبهم من الصوماليين والأثيوبيين والإريتريين كانوا يحلمون ببلوغ السواحل الإيطالية.

أوروبا

 اتّفاق العار يُعيد إلى السّطح الكوارث البحريّة

 المعلوم أنّه منذ أن أمضت دول الاتحاد الأوروبي “اتفاق العار” مع نظام أردوغان يوم 18 مارس الماضي والذي يغلق طريق البلقان في وجه المهاجرين والإرجاع القسري للمهاجرين الذين يصلون إلى اليونان نحو تركيا، وإيوائهم في معسكرات تقام لهذا الغرض مقابل مبلغ 3 مليار يورو،  انغلقت أبواب الهجرة في وجه عشرات الآلاف الذي عادوا لركوب البحر والمجازفة بحياتهم، علّهم يصلون برّ الأمان ويحقّقون الحلم في حياة أفضل. وقد ندّدت عديد المنظّمات الإنسانية والحقوقية بذلك الاتّفاق الذي يضع حياة مئات الآلاف من اللاّجئين بين أيدي نظام أردوغان الفاشي الذي لا شيء يؤهّله لرعاية هذه الجاليات الباحثة عن الأمن والرخاء، وهو الذي لم يتوان عن قمع شعبه، وفي تكرار الاعتداءات على الناشطين السياسيين والحقوقيين وفي إعلان حرب الإبادة على الشعب الكردي.

 المهاجرون لا يتوقّفون عن النّضال

كردّ على هذا الاتفاق، يخوض المهاجرون نضالات مريرة ومتعددة الأشكال في مراكز إيقافهم وحجزهم، حيث شرع منذ عدّة أيام مهاجرون باكستانيون في إضراب عن الطعام في مركز الإيقاف والفرز المُقام على جزيرة “ليسبوس” اليونانية الواقعة في بحر “إيجا” كاحتجاج على قرار ترحيلهم نحو تركيا بعدما دخل الاتفاق سيّء الذكر حيّز التنفيذ. ويضمّ المعسكر المذكور ما لا يقل عن ثلاثة آلاف مهاجر من جنسيات مختلفة، جميعهم مهدّدين بالترحيل نحو بلدانهم أو نحو تركيا لقطع طريق أوروبا نهائيا أمامهم.

بينما تطوّرت الأمور نحو الأسوأ في معتقل “إيدوميني” باليونان أيضا والواقع على الحدود مع مقدونيا والذي يضمّ ما يزيد عن 11 ألف مهاجر محتجزين منذ أكثر من شهر في ظروف لا إنسانية. وهم يجازفون بحياتهم كلّ يوم في محاولات متكررة لاجتياز الأسلاك الشائكة التي تضبط الحدود بين البلدين ليفتحوا لأنفسهم “طريق أوروبا”. إلاّ أنّ الشرطة المقدونية تواجههم كلّ يوم بأشكال أكثر عنف مستعملة بكثافة رهيبة الغازات المسيلة للدموع والقنابل الصوتية وحتى الرصاص المطاطي، محدثة في صفوفهم الفزع والاختناق والإغماء… وقد سجّل يوم العاشر من أفريل وحده جرح ما يزيد عن 260 مهاجرا جرّاء هذه الاعتداءات.

 القوى التّقدّميّة تخوض المعارك لتثبيت الحقّ في اللّجوء

تنتظم منذ أشهر تحركات للتنديد بالسياسات الرسمية تجاه أزمة المهاجرين وللمطالبة برفع التضييقات عليهم والسماح لهم باختيار بلدان الإقامة. وقد ندّدت عديد المظاهرات المنتظمة في سويسرا باتفاق “دبلن” وطالبت بإلغائه، وهو الاتفاق الذي يسمح لبلدان الاتحاد الأوروبي برفض قبول المهاجرين أو طردهم إن هم وصلوا إلى أراضيها نحو أوّل بلد أوروبي وصلوا إليه، وهو إمّا اليونان أو مقدونيا عادة. كما ندّد المتظاهرون بظروف الإقامة اللاّإنسانية التي يعيش فيها المهاجرون في معظم البلدان الأوروبية، وهي ظروف لا تليق بالجنس البشري.

كما كانت سياسة فرنسا تجاه المهاجرين محلّ انتقاد وتنديد من عديد المنظمات الحقوقية، نظرا لما اتّسمت به من قمع إزاءهم، خاصة أولائك الذين وصلوا وأقاموا في الغابة الواقعة في منطقة “كالي” القريبة من السواحل البريطانية، والتي يُعتبر ميناؤها أكبر ميناء عبور للمسافرين، حيث أنهم زيادة على إهمالهم المتعمّد ومنع وصول المساعدات إليهم من منظمات العمل الإنساني، وصل الأمر حدّ تجريم مدّ يد المساعدة إليهم والحكم بالسجن على مواطنين فرنسيين تجرّؤوا على ذلك، قبل أن  يتعرّضوا لهجمات متكرّرة من قوات الأمن من أجل ترحيلهم، وهو ما تمّ بالفعل. ممّا حدا ببعض المنظمات الحقوقية والإنسانية إلى رفع قضايا ضد السلطات الفرنسية بتهمة الإهمال، خاصة لمّا تفطّنت إلى أنّ عددا كبيرا من الأطفال القاصرين قد فُقدوا من تلك الأحياء القصديرية المُقامة على عجل ولم يُعرف مصيرهم. وقد أصدر القضاء الإداري الفرنسي أحكاما تُدين السلطات وتفرض عليها مدّ يد المساعدة لهم طالما هم موجودون على الأراضي الفرنسية.

 

تواطؤ السّلط مع المنظّمات العنصريّة والفاشيّة

في يوم 17 أفريل، أعلنت “ناتاشا بوشار” رئيسة بلدية “كالي” انتصارها النهائي على جموع المهاجرين واللاّجئين، وهي التي دعت في السابق إلى تدخل قوات الجيش في الغابة المحاذية للمدينة لترحيلهم بالقوة. والغريب في الأمر أنّ هذه المرأة التي تنحدر هي نفسها من عالم الهجرة واللّجوء، إذ أنّ والدها أرميني الأصل ووالدتها بولونية، كانت عائلتها قد لجأت إلى فرنسا في ظروف مشابهة بالتي تجبر اليوم عشرات الآلاف على اللّجوء. وقد كانت فازت في الانتخابات البلدية لسنة 2014 على رأس قائمة يدعمها حزب ساركوزي بعد أن انسحب مرشّح حزب أقصى اليمين “الجبهة الوطنية” لفائدتها في الدور الثاني لقطع الطريق أمام مرشح الحزب الشيوعي. وقد فتحت تصريحاتها العنصرية المجال أمام الجماعات الفاشية والنازية الجديدة لتنظيم عديد التحرّكات ضدّ المهاجرين وصلت حدّ الاعتداء عليهم على مرأى ومسمع من بعض قوّات البوليس المتواطئة معهم.

 الاختفاء المريب للمهاجرين القصّر

أمّا بخصوص اختفاء الأطفال القصّر والذين كانوا وصلوا إلى البلدان الأوروبية بمفردهم دون أهلهم أو أوليائهم، فقد أحصت تنسيقية الشرطة الأوروبية اختفاء ما بين 10 و15 ألف قاصر من المهاجرين خلال السنتين الأخيرتين بعد وصولهم إلى البلدان الأوروبية، من بينهم خمسة آلاف في إيطاليا وحدها.

ومنذ أسبوع تطرح المسألة بشكل حاد في ألمانيا بعد أن أعلنت إدارة الهجرة والمهاجرين عن اختفاء 5835 قاصرا في ألمانيا وحدها سنة 2015، أي أنّ هؤلاء الأطفال تمّ تسجيلهم عند دخولهم التراب الألماني ولم يعودوا لتجديد التسجيل في مطلع السنة الجديدة، ولم يُعثر لهم على أثر في العناوين التي ألحقوا بها. وطرح نوّاب المعارضة المسألة أمام البرلمان ووجّهوا الانتقاد الشديد إلى الحكومة التي اعتبروها مقصّرة في التعامل مع الملف. وعبّروا عن خشيتهم في أن يكون هؤلاء الأطفال وعدد كبير منهم لم يتجاوز سنّ الرابعة عشرة قد سقطوا بين أيدي عصابات الإجرام لاستغلالهم في عمليات التهريب أو بيع المخدرات أو حتى شبكات بيع الأعضاء البشرية. ومعظم هؤلاء قدموا من سوريا وأفغانستان وإريتريا والمغرب والجزائر. ومهما حاول وزير شؤون الأسرة التهوين من الأمر بتقديم تفسيرات واهية لهذا الاختفاء، فإنّ المسألة تقضّ مضاجع المنظمات الإنسانية والحقوقية في كامل أوروبا، التي تقوم بمجهودات جبّارة لكشف حقيقة الأمر ولمساعدة الذين يتمّ العثور عليهم وحمايتهم من الاستغلال الإجرامي المحتمل.

النّضال بلا هوادة ضدّ الامبريالية هو الطريق إلى وضع حدّ للمآسي

ومهما يكن من أمر هذه المأساة البشرية الحقيقية التي تتناقل وسائل الإعلام بمختلف أشكالها وقائعها اليومية، فهي تثبت بما لا يدع مجالا للشك أنّ الامبريالية هي أصل الداء. فالمهاجرون هم في معظم الأحوال لم يختاروا طريق الهجرة بل أجبروا عليه إجبارا بحكم ظروف الحرب القائمة في مناطق مختلفة من العالم. فـ85 % من طالبي اللجوء الذين يصلون البلدان الأوروبية (50 % منهم يصلون إلى اليونان أوّلا) هم قادمون من سوريا والعراق وأفغانستان والصومال.

ومعلوم أنّ التدخل العسكري الامبريالي في كلّ هذه البلدان هو السبب الرئيسي في حالة عدم الاستقرار وبثّ الرّعب في نفوس المواطنين. لذلك فإنّ مقاومة الظاهرة هي مسؤولية القوى الثورية والتقدمية والقوى المحبّة للسلام في العالم. فالنضال المتماسك والمتواصل ضدّ الإمبريالية هو الطريق الوحيد لدرء هذه المخاطر والحيلولة دون تكرارها.

إنّ كل انتصار على القوى الامبريالية وعملائها، في أيّ بلد من بلدان العالم، مهما بدا ضئيلا، يشكّل خطوة على الطريق الصّحيح نحو إقامة عالم أفضل، عالم يسوده السّلام والأمن والعدالة الاجتماعية.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×