الرئيسية / صوت الوطن / في الذكرى الرابعة لاغتيال شكري : حين يحاول اليمين الاستحواذ على ذاكرة الشهيد
في الذكرى الرابعة لاغتيال شكري : حين يحاول اليمين الاستحواذ على ذاكرة الشهيد

في الذكرى الرابعة لاغتيال شكري : حين يحاول اليمين الاستحواذ على ذاكرة الشهيد

على ذاكرة الشهيد…

إن ما ميّز إحياء ذكرى اغتيال الشهيد شكري بلعيد، هذه السنة، هو الهجمة اليمينية الرّسمية، إن شئنا، لاحتواء هذه المناسبة وافتكاكها من حزبه، حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد، الذي كان الشهيد أمينه العام، ومن الجبهة الشعبية، التي كان أبرز مؤسّسيها، وتحويلها إلى مناسبة رسميّة بلا روح، بل وتوظيفها ضدّ ما كان الشهيد استشهد من أجله، من مبادئ وأهداف وقيم ثورية وتقدّمية. ففي صبيحة يوم 6 فيفري، حضر رئيس الحكومة، يوسف الشاهد بمكان اغتيال الشهيد وتصدّر المشهد وكأنّ المناسبة مناسبته. وفي نفس اليوم حضر رئيس الدولة لتدشين ساحة باسم شكري بالعاصمة وألقى كلمة تنفي عمليّا عن هذا الأخير انتماءه للفكر اليساري، الثوري، تحت غطاء أنه “شهيد الوطن وليس شهيد حزب أو طرف معيّن”، كما أنّها تختزل الثورة في مجرّد تحرّك شبابي، عفوي، بلا هوية، بغاية نفي أيّة مشاركة للقوى الثورية والتقدمية فيها. Untitled-1

وفي الحقيقة لم يخف على أي مراقب فطِنٍ ونزيه أنّ مظاهر الاحتفاء الرّسمي هذه، ليس الهدف منها تكريم الشهيد وإعطائه المكانة التي يستحق. فهذه المظاهر يقابلها في الواقع تعطّل مسار كشف الحقيقة عن اغتيال الشهيد شكري بلعيد، وهو ما يجعل منها في نهاية الأمر وسيلة للتغطية على هذا التعطّل وعلى من يتحمل مسئوليته. فلا أحد، خاصة من أهل الشهيد ورفيقاته ورفاقه، يعارض تسمية ساحة باسمه، أو إعطاء ذكرى اغتياله بعدا رمزيا وطنيّا، والحال أنهم يطالبون بتحويل يوم اغتياله إلى يوم وطني لمناهضة العنف والإرهاب، ولكن كما أشار إلى ذلك أكثر من طرف، فإنّ كشف الحقيقة عن الاغتيال من السلطات الرسمية هو اليوم أهمّ من تنظيم المواكب الرسمية وإطلاق إسم شكري على ساحة من ساحات العاصمة، خاصة وأن من يقوم بذلك، أي الجانب الرسمي، يمثّل طرفا في تعطيل مسار كشف الحقيقة.

لقد وعد رئيس الدولة في حملته الانتخابية بجعل كشف المسؤولين عن اغتيال شكري، وكذلك الحاج البراهمي، على رأس أولوياته، في صورة نجاحه في الانتخابات. ولكنه ما أن تقلّد المنصب حتى تحالف مع حركة النهضة التي كانت في الحكم ساعة الاغتيال، والتي هي مورّطة بألف طريقة وطريقة فيه، باعتبارها مسؤولة عن خلق المناخ السياسي والأمني الذي سهّل هذا الاغتيال، وباعتبارها ارتكبت أفعالا عدّة للتستّر على الجناة، وتعطيل الكشف عنهم، وهو ما جعل من هذا “التّوافق السياسي” بين الطرفين توافقا على طمس الحقيقة.

وحتى رئيس الحكومة فإنه وعد هو أيضا بالسعي إلى كشف الحقيقة ولكنه لم يقم بما كان عليه أن يقوم به وهو رأس السلطة التنفيذية التي تشرف، إلى حدّ الآن على الأقلّ على النيابة العمومية التي لها صلاحيّة تحريك الدعوى والقيام بالأبحاث. ولكنه، مثله مثل رئيس الدولة، ظلّ مشدودا بتحالف حزبه مع حركة النهضة الذي يمثّل الخط الذي لا ينبغي تجاوزه.

كل هذا يجعل من محاولة الاستحواذ الرسمي على ذكرى اغتيال شكري هذه السنة، محاولة للتغطية على التعطّل الذي يشهده مسار كشف الحقيقة، بل محاولة لغلق هذا الملف في الحدّ الذي يُراد فيه غلقه أي حصر مسؤولية الاغتيال في “من نفّذ” أو بالأحرى في من يُقدَّم إلى حدّ الآن على أنّه هو “من نفّذ”، وسدّ الباب أمام الإجابة على “من خطّط وأمر وتستّر”، حتّى لا يقع إحراج حركة النهضة، بل حتى يقع إخراجها من المأزق الذي هي فيه، ومن ثمّة تشريع التحالف معها.

ولكن ليس هذا هو فقط المُراد من الاستحواذ على ذكرى الاغتيال، بل ثمّة أيضا مسعى محموم من اليمين “الندائي”، للاستحواذ على ذاكرة الشهيد وتوظيفها في هذا الظرف الذي يشهد فيه الائتلاف الحاكم أزمة شاملة وعميقة. وهي أزمة ما انفكّت تخدم الجبهة الشعبية التي استعصى على هذا الائتلاف ترويضها وتفكيكها، رغم محاولاته المتعدّدة والمستمرّة. لذلك فإن اليمين “الندائي”، يريد طمس الانتماء اليساري الثوري للشّهيد والأسباب التي من أجلها استهدف، وتحويله إلى صنم بلا روح، واستخدامه ضدّ نفسه وضدّ حزبه وجبهته. والتكتيك واضح في هذا المجال: إكثار المديح للشهيد والمبالغة في إكرامه من جهة، وتقزيم رفاقه ورفيقاته واستعماله ضدّهم والادّعاء بأنه لو كان حيّا لخالفهم وساند “حكومة الوحدة الوطنية” ودعّمها، من جهة أخرى.

إنّ أغلب الذين يمتدحون اليوم شكري، من قوى اليمين البورجوازي والبورجوازي الصغير، ويتظاهرون بتمجيده وبالسّير على “خطّه”، كانوا في حياته يسبّونه ويشتمونه ويقزّمونه ويقدّمونه في أبشع صورة. ولكن اليوم وقد اغتيل وكسب مكانة جليلة في أذهان الناس وقلوبهم، علاوة على أنّه لم يعد بإمكانه مواجهتهم مباشرة وكشف ألاعيبهم، فإنّهم أصبحوا يتظاهرون بأنهم منه وبأنّه منهم، بل إنّهم يميّعون صورته وأفكاره ومواقفه لتركب على ما يريدون اليوم تمريره من التفاف على ثورة الشعب وإجهاض لأهدافها وحصرها في مجرّد إعطاء نظام الحكم صبغة ليبرالية لا أكثر ولا أقل.

إن شكري بلعيد، المناضل، الجريء والعنيد في مقاومة اليمين بشقّيه “الحداثوي” و”الإخواني”، يحوّل إلى “ثوري لايت”، بلغة اليوم، “لا يخبّش ولا يدبّش”، حتى لا يؤثّر في مواقف الشباب الغاضب والمحتج. ومثل هذا السلوك لا ينفرد به اليمين التونسي فحسب، بل هو سلوك قديم، لطالما استعملته تاريخيا القوى الرجعية في مختلف أقطار العالم لتجريد المستغلّين والمضطهدين من أي سلاح يمكن لهم استعماله في نضالهم ضدّها، من أجل تحرّرهم وانعتاقهم الاجتماعي والسياسي والفكري، بما في ذلك رموزهم الذين نشأوا بينهم وتعرّضوا لقمع الرجعية ومؤامراتها للقضاء عليهم.

وما من شك فإنّ هذا ما ينبغي أن يقاومه رفيقات شكري ورفاقه في حزب الوطد الموحد وفي الجبهة الشعبية، ليس للحفاظ على ذاكرته فحسب، بل كذلك ليبقى، مثله مثل الحاج البراهمي ومحمد بلمتي ومجدي العجلاني، مُلهِما لأبناء الشعب وبناته في تصدّيهم اليوم لتحالف الالتفاف على الثورة الذي يمعن في نهبهم وتفقيرهم وقمعهم وانتهاك كرامتهم والتفريط في سيادة وطنهم. ومن هذا المنطلق فإن الوفاء لشكري في الذكرى الرابعة لاغتياله يعني مواصلة المسيرة لتحقيق الأهداف التي استشهد من أجلها، كما يعني الإصرار على مواصلة النضال من أجل كشف الحقيقة حول اغتياله حتى لا يفلت كل من خطّط للجريمة أو أمر بها أو تستّر عليها من العقاب.

وأخيرا وليس آخرا، فإن ما ينبغي ألاّ ينساه مطلقا، في هذا الظرف الصعب والخطير، رفيقات شكري ورفاقه سواء في حزب الوطد الموحد أو في الجبهة الشعبية، هو أن صيانة وحدتهم من أي اختراق أو محاولة تخريب، وما أكثر هذه المحاولات اليوم، هي خير وفاء لروح شكري، وكذلك لأرواح البراهمي وبلمفتي والعجلاني، وأكبر ضمانة لإتمام المسيرة التي بدأوا فيها معنا وسقوها بدمائهم الزكية.

إن بقاء الجبهة الشعبية ومكوّناتها موحدة، ووفيّة لأرواح شهدائها، يقلق الائتلاف اليميني الحاكم، ويزعجه أيّما إزعاج وهو ما يجعله يتكالب عليها من أجل ضرب هذه الوحدة، وإذا فهم مناضلات الجبهة ومناضلوها هذا الأمر، فإنّهم يضمنون بذلك الشرط الأول للانتصار.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×