الرئيسية / صوت العالم / الأمـة العربية وصراع الأمـم
الأمـة العربية وصراع الأمـم

الأمـة العربية وصراع الأمـم

بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وتفرّد الولايات المتّحدة بقيادة العالم حددت الأخيرة لنفسها ثلاثة ميادين للصراع وهي شرق أوروبا والشرق الأوسط وآسيا وكانت البداية بأوروبا الشرقية حيث تمّ إعادة رسم جغرافيّتها ما بين 1992 و2002 بنجاح باهر ووفق الخطة والزمن المحدّد لتبدأ مرحلة مشروع الشرق الأوسط الجديد (المنطقة الممتدة من باكستان حتى نواكشوط ) الذي حدّدت له عشر سنوات لإنجازه أي الفترة ما بين 2003 و2013، وتم إعداد حركات الاسلام السياسي بكل انواعها اخوان وقاعدة لتكون أداة الهدم وإعادة التركيب تحت شعار “الإسلام هو الحل” وطبعا لكل جماعة لها “إسلامها السياسي” الذي تعتبره هو الحلّ.Untitled-4

والأهداف الاستراتيجية المراد تحقيقها من تفكيك هذه المنطقة وإعادة تركيبها على أساس ديني وإثني وطائفي هي:

  1. السيطرة على معظم الاحتياطي العالمي من الطاقة.

  2. محاصرة روسيا والصين.

  3. منع قيام أي قوة اقليمية تنافس الكيان الصهيوني. 

ولكن الملاحظ أننا تجاوزنا المدة المحددة لإنجاز هذه الأهداف بثلاث سنوات ومازال الصراع في المنطقة على أشدّه  لكن لا يعنى هذا التأخير انهيار مشروع الشرق الأوسط الجديد تماما، فالقول بهذا يجانب الحقيقة، فقد تمّ تقسيم السودان والعراق قاب قوسين أو أدنى من أن يصبح ثلاث دول فعليا، ليبيا تشهد كذلك محاولات جادّة لتقسيمها وتدميرها، سوريا تخوض صراعا ضاريا لأكثر من ستّة سنوات أحدث ندوبا غير خافية على جسم الدولة والمجتمع، اليمن دمّر، الخليج على صفيح ساخن، مصر محاصرة بالسّودان المقسّم وأثيوبيا تتربّص بها وعلى أطرافها شرقا وغربا تتحرّك الجماعات الإسلامية بكل أنواعها، بقية المغرب العربي فتحت فيه الثغرة الكبرى وهي ليبيا وحوصر بالفوضى في مالي، كما يتم العمل فيه باستمرار على تهيئة المسرح الاستراتيجي من خلال عملية تدوير الميليشيات في ليبيا في انتظار الفرصة السّانحة للانقضاض .

أما تركيا فهي تعيش أسوء فترة وتبدو أقرب إلى التّقسيم على الأقل فيما يخص الأكراد أكثر من بعض الدول العربية. بالنسبة إلى إيران، فبرغم ما يبدو من خطوط دفاع خارج حدودها والتحسن الاقتصادي خاصة بعد الاتفاق النووي إلا أن الأمر برمّته يبدو كهدنة هشّة لا أكثر. ولا ننسى الفوضى في أفغانستان وباكستان التي لا تمتلك من المقومات التي تحافظ على وحدة الدولة إلا الجيش وهو مقوّم غير كافي بالمرّة لوحده.

لكن القول أيضا بأن مشروع أمريكا في المنطقة لم يتعثّر هو كلام مناف للواقع. فثلاث سنوات تأخير في إنجاز الأهداف هو أمر ليس بالهيّن لأن الخطوة التالية المرسومة ابتداء من 2013 هي التفرّغ لمواجهة روسيا والصين.

وهنا لا بدّ من الوقوف عند المعوقات التي اعترضت مشروع الشرق الأوسط الجديد وعطّلت تنفيذه كما حصل مع أوروبا الشرقية لأن هذه المعوقات لا بدّ من تدعيمها وإسنادها بعوامل أخرى ممكنة لتمتين جبهة المقاومة للإطاحة بمشروع الشرق الأوسط الجديد؟

اعتقد أن أبرزها وجود مقاومة وطنية في كل بؤر الصراع أعاقت الانسياب السريع لتحقيق تلك الأهداف (المقاومة العراقية، المقاومة اللبنانية)، حيث أغرقت أمريكا في العراق وانهزم الكيان الصهيوني أمام حزب الله في 2006 ويمكن اعتبار المقاومة البطولية التي أبداها الجيش العربي السوري والدولة الوطنية السورية عموما حلقة مركزية من حلقات تعطيل المشروع، كذلك انهيار مشروع الإخوان في قلب الوطن العربي مصر وتعثّره في تونس  والجزائر باعتبار أن الجماعة كانت حجر الأساس كأداة وظيفيّة لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد، كذلك  ليبيا التي استعصت نظرا لوجود مقوّمات اجتماعية متينة أحالت دون تحقيق هدف التقسيم النهائي إلى حدّ الآن…

هذا من حيث العوامل الداخلية. لكن كان للمتغيّرات الاستراتيجية في هيكل النّظام الدولي دور في تعثّر مشروع الشرق الأوسط الجديد حيث انقلبت الصورة من عزل روسيا والصين عن المياه الدافئة إلى عودة القوّتين عنوة إلى المنطقة فقد تمكّنتا من تحويل المخاطر في سوريا والمنطقة عموما إلى فرصة للعودة بقوّة للمسرح الدولي عسكريا واقتصاديا.

وأمام جملة العوامل الداخلية المتمثّلة أساسا في وجود مقاومة ثقافية وسياسية وفكرية وعسكرية واجتماعية في أكثر من مكان أدّت دورا بطوليّا في المواجهة برغم تشتت جهودها وتشرذمها أحيانا، وأمام جملة العوامل الخارجية التي تغيرت في غير صالح الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني وحلفائهم اقتصاديا وعسكريا وسياسيا، يصبح التساؤل عن مستقبل الأحداث مشروع الآن، وأوّل ما يجب التوقّف عنده هو هل ستستمرّ أمريكا والحركة الصهيونية وحلفائهم في الرهان على نفس الأدوات التي استعملت منذ بداية التنفيذ الفعلي لمشروع الشرق الأوسط الجديد أم سيتمّ تعديل في ذلك.

 من خلال كل المتابعات يمكن الجزم بأنه  سيتم الإبقاء على الرهان على الإخوان المسلمين قائما، فهم إلى حد الآن حليف موثوق للغرب وإسرائيل حيث سيستمرّ دعمهم كقوى في كلّ من تونس وليبيا والجزائر واليمن والأردن وسيتمّ الإبقاء عليهم في السلطة في المغرب وتركيا والسودان لأنه سيتمّ استعمالهم في قلب الوطن العربي حيث لا يمكن الحديث عن صراع سنّي شيعي في غالبيّة الوطن العربي حيث سنشهد قريبا تصادما بينهم وبين الوهابيّة في السعودية أساسا، كما سيتم استعمالهم ضد الأزهر والأقباط في مصر أساسا كما سيتم إعادة إحياء القاعدة بعد التراجع الكبير لداعش لأن القاعدة تملك مقوّمات الاستمرار أكثر من داعش نظرا لأفقية التنظيم ومرونته وأيضا استقلاليتها المالية فأساس تمويل القاعدة قائم على أفراد وليس على دول كالتي دعّمت داعش خلال السنوات الأخيرة، طبعا دون أن يكون هذا التمويل بعيدا عن رقابة الغرب.

وقد يستمر الرهان على الأكراد ويتفاقم الحديث والدعم عمّا يسمى في المغرب العربي بالأمازيغية.

أمّا الرهان على المسيحيّين في المشرق ومصر وأيضا الدروز، فيبدو أنّه سقط، لما أبدوه من مقاومة وانتماء للدولة الوطنية وقد يتم استهدافهم بسب ذلك من قبل المجموعات الإرهابية الإسلاموية بغية اجتثاثهم.

وعن القوى الإقليمية ستكون تركيا قريبا أمام مواجهة مطلب حقّ تقرير المصير للأكراد حيث تعطي المياه والسدود للأكراد وتحافظ، أي تركيا، على الساحل الممتدّ من أضنة إلى جيهان حيث سيمتد أنبوب غاز يصل عسقلان بشبكة نابوكو.

وفي إيران يتواصل الوضع بين مدّ وجزر إلى حين انطلاق الفوضى في الخليج العربي، أساسا فلا سلام كامل معها ولا حرب معها في المدى المتوسط.

كذلك سيستمرّ دعم إثيوبيا لإدامة زخم الضغط على مصر.

أمّا الحالة هي المثلى بالنسبة لهم في الدّاخل العربي، فهو استدامة الصراع في سوريا، فإذا لم يسقط النظام ويتم تغييره بنظام يقبل الفيدرالية والسلام مع الكيان الصهيوني فلِيستمر الاستنزاف. الأمر نفسه بالنسبة للعراق وليبيا واليمن وحينها ستكون السعودية وبقية كيانات الخليج باستثناء قطر على سلّم الأولويات وأعتقد أن المسرح الاستراتيجي قد هيّأ لتفكيك السعودية.

أما الجائزة الكبرى مصر فالأهداف واضحة: فصل سيناء كوطن بديل للفلسطينيّين، عودة قناة السويس للإدارة الدولية وتفكيك الدولة، والإخوان طبعا جاهزون لتأدية أكثر الأدوار قذارة وهي الحرب الدينيّة.

أما المغرب العربي فالجزائر ستكون في عين العاصفة وقد يتم اعتماد المغرب كمنصّة للانطلاق، مع استمرار إنهاك تونس. أما ليبيا فهي أخطر على تونس ومصر منها على الجزائر.

اعتقد أن هذا ما يراد تحقيقه من أهداف في المدى المتوسط، ولكن المتغيّرات الدولية الحاصلة بعودة حرب باردة فعليّا، إضافة إلى معطيات واضحة تقول أنّ روسيا والصين يسعيان لإفشال مشروع الشرق الأوسط الجديد لإبعاد شبح المواجهة مع أمريكا على حدودهما. والتاريخ يقول أنّ حركة التحرر العربي حقّقت منجزات كبرى في ظل الصراعات الدولية الكبرى إذا عرفت كيف تستفيد منها من خلال قراءة واضحة لقوانين هذا الصراع وأهدافه وأحسنت التموقع في الزمان والمكان وعرفت كيف تنسّق جهودها برغم تنوّعها الفكري والسياسي واستفادت منه باعتباره نقطة قوة في داخل الوطن العربي وفي خارجه، فمن يعرف قد يتحوّل مشروع التفتيت إلى مشروع وحدة. وسيكون هذا حديثا لاحقا .

محسن النابتي

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×