الرئيسية / صوت الوطن / “الشّيخان” يناوران لتمرير قانون “المصالحة”: اليمين الحاكم يصرّ على تكريس الفساد والإفلات من المحاسبة
“الشّيخان” يناوران لتمرير قانون “المصالحة”:  اليمين الحاكم يصرّ على تكريس الفساد والإفلات من المحاسبة

“الشّيخان” يناوران لتمرير قانون “المصالحة”: اليمين الحاكم يصرّ على تكريس الفساد والإفلات من المحاسبة

بدأت بعض التسريبات في البروز في المدة الأخيرة مفادها اتّفاق “الشيخين” على إعادة النظر في مشروع قانون المصالحة الاقتصادية والمالية، الذي كان الباجي قد اقترحه كـ”مبادرة تشريعيّة رئاسية” رفضتها أهمّ القوى السياسية المعارضة ولفيف واسع من القوى الاجتماعية والمدنية ونظّمت للغرض تحركات مشهودة في عزّ صائفة  2015، فضلا عن بروز  فعاليات واسعة تشكّلت لغرض التصدي لهذا المسعى الالتفافي الذي لا هدف له سوى تبييض الفساد والفاسدين وتكريس الإفلات من المحاسبة والعقاب وضرب مسار العدالة الانتقالية الذي تشكّل لتصفية تركة نظام الاستبداد والفساد الذي حكم تونس منذ تربّع حزب الدستور في الحكم.

والجديد هذه المرّة يندرج في إطار توفير الأغلبية البرلمانية الكفيلة بتمرير هذا القانون والتي هي واقعيا غير ممكنة دون تصويت كتلة حركة النهضة عليه، علما وأنّ هذه الأخيرة لم تكن أصلا ضدّ مشروع القانون. بل إنّ راشد الغنوشي صرّح حينها بموافقته وحرصه على “المصالحة الشاملة” التي ليست سوى تبادل التصالح بمقتضى الاشتراك في التورّط في الانتهاكات، حزب النداء من خلال الحقبة البورقيبيّة والنوفمبرية، وحركة النهضة من خلال تجربة الحكم زمن الترويكا التي حدثت فيها تجاوزات وانتهاكات وصلت حدّ الاغتيالات كما حدثت فيها أعمال فساد بالجملة مشمولة كلها بقانون العدالة الانتقالية الذي يمسح كامل الفترة الممتدّة من النّصف الثاني من خمسينات القرن العشرين إلى العام 2013.

ولئن نجحت الحركة الديمقراطية بمختلف فعاليّاتها السياسية والاجتماعية والمدنية في فترة سابقة في فرض “تجميد” مشروع القانون، فإنّ نوايا تمريره لم تمت، بل على العكس تضاعفت مع تفاقم أزمة الائتلاف اليميني الحاكم العامة والشاملة وعجزه عن الخروج منها. ومن نافل القول إنّ حزمة القوانين التي مرّرها هذا الائتلاف في مجلس نواب الشعب خلال الفترة التي تلت تقديم مشروع قانون المصالحة الأوّل في صائفة 2015، إنما هي تكريس بهذا القدر أو ذاك لبعض مضامين هذا المشروع أو هي تهيّء له المناخ  ونقصد بذلك قانون المالية لهذا العام وقانون الشّراكة بين القطاع العام والخاص الخ… وأخيرا يأتي التقدّم بمبادرة تشريعية يوم 9 مارس الجاري من 14 نائبا من النّداء والحرّ والقريبين منهم من أجل “المصالحة بخصوص الموظّفين العموميّين وأشباههم من أجل أفعال تتعلّق بالفساد المالي وبالاعتداء على المال العام” كتتويج لكلّ المساعي السابقة واستعدادا لفرض المصالحة مع الفاسدين والمفسدين ومافيات الاقتصاد والمال التي تتهيّأ لمزيد بسط هيمنتها مع تكريس إملاءات المؤسسات المالية الدولية المتعلقة بخوصصة البنوك العمومية وعديد المؤسّسات والمنشآت العمومية، فضلا عن إعادة هيكلة الصناديق الاجتماعيّة.

إنّ هاجس حكّام اليوم ليس فقط تكريس كلّ مظاهر الالتفاف على شعارات الثورة ومطالبها واستحقاقاتها، بل هاجسهم أيضا توفير الحماية لفساد الماضي الذي لم يكن مجرّد تجاوزات فردية لهذا الموظف أو لهذا النّاشط الاقتصادي، بل كان أسلوب حكم ومنظومة تسيير لأكثر من نصف قرن ممّا بدّد مقدّرات الشعب وحرمه من ثرواته. ومن هذا المنطلق لا ينبغي الاعتقاد بأيّ شكل من الأشكال أنّ هدفهم من تمرير قانون المصالحة هو، كما يدّSans titre-2عون، “تنشيط الحركة الاقتصادية وتجاوز الركود والخوف الذي يشمل رجال أعمال محليّين ودوليّين وموظفين سامين في الدولة”، بل إنّ هدفهم الأساسي هو تقديم خدمة لطبقة الرأسماليين الطفيليّة التي تقف وراءهم وتموّل حراكهم، والتي هم خدم لديها، ومنظومة الحكم، تنفيذا وتشريعا وقضاء، حامل لمصالحهم الأنانية والجشعة.

إنّ تقاطع المصالح بين “الشيخين” سيكون مرة أخرى الحامل الذي سيمرّر وصفة “المصالحة” ولو بطريقة معدّلة، لكن جوهرها سيبقى واحدا وهو تكريس الإفلات من العقاب وضرب مسار العدالة الانتقالية الذي يقضّ مضاجع منظومة الحكم الحالية. ويبدو حسب التسريبات أنّ الباجي سيعلن عن إعادة طرح مشروعه “بصيغته” المحوّرة بمناسبة 20 مارس، ولا نأتي بجديد حين نقول إنّ موافقة الكتلتين الأساسيتين عليه، فضلا عن الكتل القريبة منها، سيفرض تمرير هذا القانون  بمقتضى الانضباط في التصويت، لكن القوى الديمقراطية المعادية للفساد والمتمسكة بالعدالة ستجد نفسها مرة أخرى تتصدى لهذا القانون الخطير الذي يأتي في لحظة تاريخية فارقة بدأت فيها رموز الاستبداد والفساد والسرقة والنهب القديمة تطل برأسها، بأكثر وقاحة بمقتضى الحماية التي توفّرها مظلة “الشيخين”، علما وأنه بمناسبة رواج معلومة إعادة طرح المشروع قامت “جمعية البرلمانيّين السابقين” المتكوّنة من خدم وحشم بن علي، بزيارة قصر قرطاج لإعلان الإسناد لأولياء النعمة الباجي والغنوشي، كما أنّ حالة استنفار قصوى شملت صفوفهم بمناسبة إصدار حكم بالسجن على بعض وزراء بن علي في قضايا فساد وسوء تصرّف واستغلال نفوذ.

إنّ موقعنا لن يكون إلاّ مع شعبنا وقواه الحية والمناضلة لتفويت الفرصة على أنصار تبييض الفساد بزعامة الباجي/الغنوشي، وهذا جزء يسير من معركة أكبر هي معركة تحقيق أهداف الثورة التي لن تتحقّق إلاّ في إطار الصراع مع طغمة اليمين الحاكم وعلى أنقاضه. إنّ العمل على تمرير هذا القانون فضلا عن مخالفته لاستحقاقات الثورة ولمبادئ الدستور والقانون الدولي الإنساني، هو دليل آخر على طبيعة الطبقة الطفيلية الحاكمة التي لا ترى نفسها خارج الفساد والنهب والسرقة والعمالة.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×