الرئيسية / صوت الثقافة / حومتنا فنّانة يهدي إلى الأغنية الملتزمة مجموعة “راب مسار”
حومتنا فنّانة يهدي إلى الأغنية الملتزمة مجموعة “راب مسار”

حومتنا فنّانة يهدي إلى الأغنية الملتزمة مجموعة “راب مسار”

حاتم بوكسره

بعرض للمالوف قدّمته “جمعية سماع للموسيقى”، اختتمت يوم الثلاثاء 20 جوان الدورة السادسة من مهرجان “حومتنا فنانة” وهو الموعد السنوي الذي ينظمه فضاء مسار للفنون تزامنا مع شهر رمضان في بطحاء صغيرة أضحت تضجّ بالحياة والأمل مع كل تظاهرة فنية وثقافية ينظّمها هذا الفضاء الذي أصبح يمثّل نواة لحركية ثقافية تُحدث  تغييرا ملموسا، يوما بعد يوم، في طريقة التفكير والاعتقادات السائدة بخصوص العديد من القضايا الاجتماعية والسياسية والحقوقية عبر اعتماد الفن كآلية فعّالة وناجعة لمقارعة الواقع وحلحلته.

مهرجان متنوع الفقرات والالتزام عموده الفقري

المهرجان الذي انتظم منذ اليوم الحادي عشر من هذا الشهر شهد إقبالا كثيفا ومتنوعا، في كل سهراته دون استثناء، من العديد من متساكني أحياء تونس الكبرى وبالأخص “الجبل الأحمر” حيث عرضت الأفلام بحضور مخرجيها وقدّم ممثلون محترفون وآخرون هواة أعمالهم المسرحية في ركح توجّه إلى جمهور البطحاء المقابلة للفضاء.

البطحاء في “حارة” أو “حومة” شعبية اسمها “بالدوف” موجودة بين “باب العسل” و”باب سعدون” في العاصمة، لم تكن تتوقع أن تملأ فراغ لياليها وروتين أيامها مساحات من الفن والثقافة الملتزمة ولكنها وبفضل عمل مستمر منذ سبع سنوات أصبحت محبوبة ومستساغة لدى جميع الفئات التي ترتاد المهرجان في رمضان أو بقية الأنشطة على امتداد السنة.

ورغم أنّ جلّ عروض المهرجان ملتزمة بقضايا حقوقية وملتزمة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية وبكل المشاغل المواطنيّة التي تطرحها المرحلة الراهنة،  في تماهٍ تامّ مع خطّ الفضاء المتميز برفضه للأنساق الفنية السائدة التي يفرضها مجتمع الاستهلاك، إلاّ أنّ فنونا أخرى تلقى طريقها للتّواجد ضمن المهرجان  فـ”البريك دانس” و”الديدجينغ” والموسيقات المعتمدة في التنشيط للكبار وللأطفال وموسيقى المالوف إضافة إلى الفن الشعبي ممثلاّ في طبال قرقنة، هي كلها تأثيث لفقرات قارة يتجدد محتواها مع  كل دورة  من مهرجان “حومتنا فنانة”.

“حومتنا فنانة” لم يقدم عروضا محترفة للفرجة فقط بل قدّم فيه رواد فضاء مسار من المنخرطين في ورشاته منتوجاتهم في المسرح والسينما جنبا إلى جنب مع إنتاجات المحترفين الذين أثثوا سهرات المهرجان وقدّموا للجمهور الحاضر خلاصة عمل الورشات الفنية على مدار السنة في الفضاء وفي الأحياء الشعبية بدوار هيشر والزهروني والملاسين وفوشانة وسكرة.

راب مسار: نقد لاذع لأنظمة الحكم وتغنّ بالثّورات عبر التاريخ

كما قدّم الفضاء إلى الأغنية البديلة، ليلة الاثنين 19 جوان، هديته المتمثلة في مجموعة “راب مسار” التي تأسست سنة 2015 من أجل تقديم أغاني “راب” بديلة عن “الراب” الموجود في الساحة الموسيقية التونسية.

هذه المجموعة التي تضمّ خمسة شبّان من  شباب الأحياء الشعبية الذين ينفرد كل واحد منهم بطريقته في التعبير وفي الكتابة، كما أنّ لكل منهم أيضا أغانيه الفرديّة المتماهية مع جلّ مواضيع أغاني “الراب” الموجودة على الساحة الفنية. استطاعوا التوّحد، بواسطة المشرفين على مسار، في مشروع جماعي “ملتزم” بالقضايا السياسية والاجتماعية والحقوقية الراهنة، حيث تتناول أغانيهم مواضيع متعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والحريات العامة والفردية وحرية التعبير والصحافة وحرية التنقّل في نقد لاذع للأنظمة المتعاقبة على تونس مع الرجوع إلى التاريخ المعاصر في محاولة لفهم أثر الماضي على كلّ ما يجري الآن من أحداث.

ففي جانفي 2015 قدمت المجموعة أوّل عمل لها وهو “الشعب يريد… جانفي من جديد”، في شهر تغنّى به الشيخ إمام بكلمات أحمد فؤاد نجم “كل ما تهلّ البشائر في يناير” ولم تأت أغنية “الراب” تلك بعيدة عن روح “الشيخ ورفيقه الفاجومي”، إذ ذكرت الأغنية كلّ الانتفاضات التي حدث في هذا الشهر في تونس وفي المغرب ومصر وتغنّت بالثورة المسلحة التي اندلعت في فلسطين ونادت بعدالة انتقالية قائمة على أساس المحاسبة أولاّ والتنصيص على عدم الإفلات من العقاب “أعطيني حقّي وإلاّ فلن نصالح”.

شباب بالكوفيّة و”الدّنقري” يطالب بحقوقه   

ليلة الاثنين 19 جوان، في الساحة المحتضنة لمهرجان حومتنا فنانة، شاهد الجمهور الحاضر فتية، تلبس “الدنقري”، وهو لباس الرجال من الفئات الشعبية والطبقات الكادحة سابقا وملتحفين بالكوفية الفلسطينية، يتغنون بالحق في الثقافة ويدافعون بكلماتهم عن حرية الصحافة وحقّ في النفاذ إلى المعلومة.

شباب يندّدون بعدم تطبيق فصول الدستور في “بلاد النور أمّا الشعب طافي.. والدّستور في تونس خرافي.. الصحافة بلاش قدر والثّقافة في خطر.. بره وصّل هالخبر يا صحافي” وصرخوا “مانسيناش البراهمي وبلعيد” وردّدتها حناجر الجهور الحاضر.  

عبد الكريم العكرمي وسيف مقري وبلال نصر الله وعمر عايش وحازم جراد، أعضاء مجموعة راب مسار، غنّوا للحركة الطلابية ولتاريخها منذ فيفري 72، تغنّوا باعتقال الطلبة ونفيهم إلى رجيم معتوق وببولسة الجامعة وقمع الحركة النقابية مردّدين في لازمة أغنية “لن نحيد”، نشيد الأممية بالراب.  

وحول الحاضر وما جرى بعد الثورة لم تنس المجموعة في أغانيها نصيب الحكومات المتعاقبة ودورها في تهميش الشباب وقمع التحركات الاجتماعية وسياساتها الترقيعيّة للتغطية على المشاكل الاقتصادية والاجتماعية “وفات الفلوس.. زيد قروضات… شباب يسوفري.. وزير متملّح.. باك plus 4 ضربو الصباط”.   

موسيقى المجموعة تركيبها جاهز (بموسيقى اصطناعية تخلقها الحواسيب) كجلّ أغاني “فن الراب” إلاّ أنّ أغنية “طائر بجناحين” كانت اكتشافا رائعا تفاعل معه الجمهور الحاضر نظرا إلى أنّ لحن الأغنية اعتمدت فيه الإيقاعات البدوية مع مرافقتها بصوت كمنجة الفنان “أيمن مقني” الذي أضاء الكشّاف ظهوره وصعوده على الركح وسط المجموعة وهو يعزف.

هديّة مسار إلى الأغنية الملتزمة في تونس

راب مسار هدية “حومتنا فنانة” و”فضاء مسار للفنون” إلى الساحة الفنية في تونس عموما وإلى الأغنية البديلة على وجه الخصوص وهي ليست بالاكتشاف الأوّل الذي يقدّمه هذا الفضاء إلى المشهد الثقافي في البلاد.

فثقافة القرب التي يشتغل عليها فضاء مسار في اتصاله بالمناطق والأحياء المهمشة التي يبحث متساكنوها عن بدائل لممارسة حقوقهم في العمل الثقافي والإنساني هي تكريس حقيقي لمبدأ لا مركزية الثقافة التي لا تقتصر على إحداث فضاءات ثقافية في الجهات وفي الأحياء الشعبية فحسب وإنما أيضا تطوير إنتاج ثقافي بديل يكوّن ويؤّطر ويفتح العقول والأدمغة ويدحض عنها المخاطر التي تتهدّدها من يأس وتقاعس وتطرّف وتعصّب.

وإن كان الهدف من ثقافة القرب يتجلّى في خلق مبادرات وأفعال ثقافية في المناطق النائية تكون قادرة على تمكين مواطنيها من وسائل العمل الثقافي لتوفير حقهم في التعبير والإبداع بأشكال فنية مختلفة فإنّ مسار أكّد من خلال مجموعة “راب مسار” أنّ البديل ممكن وموجود ولا يتطلّب سوى كلمة واحدة وهي العمل.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×