الرئيسية / صوت الوطن / حكومة الفخفاخ أمام اختبار كورونا
حكومة الفخفاخ أمام اختبار كورونا

حكومة الفخفاخ أمام اختبار كورونا

بقلم علي البعزاوي

يؤكد الكثير من السّياسيين والفلاسفة وعلماء الاجتماع والإعلاميين والمثقفين وغيرهم أنّ زمن ما بعد كورونا سيكون مختلفا عن الزّمن الرأسمالي في نسخته الحالية المعروفة بالعولمة الليبرالية. فالتّغييرات الكبرى لا تحدث إلّا زمن الأوبئة التي تضع الشّعوب والنخب في حالة تأهّب وتركيز غير مسْبوقين وتفرض عليهم أسئلة حارقة وتدفعهم إلى البحث عن الأجوبة الضّرورية واتّخاذ القرارات الصّعبة التي لم يجرؤوا على اتّخاذها في الظروف العادية.

حكّام تونس على اختلاف مواقعهم وهم يحاولون مُجاراة المشهد والظهور بمظهر المُساهم في حلّ الأزمة وتحمّل المسؤولية في مواجهة تداعيات الجائحة محاولة منهم البقاء في “الكورسة السياسية” أدلوا هم أيضا بدلْوهم في هذا السّجال وقد ردّدوا ويردّدون جملا مُبْهمة حمّالة أوجه مفادها ان التغييرات ضرورية والاجراءات الموجعة والمؤلمة (مع التشديد على الموجعة والمؤلمة) لا بدّ منها محاولين الإقناع بأن هذه الأفكار هي خلاصات الأزمة التي ترقى إلى مستوى الحقائق الدّامغة.

إن تصريحات رئيس الحكومة ووزير ماليّته ووزير الاستثمار والتّعاون الدّولي الذي كان ردّه حاسما وواضحا شديد الوضوح في إحدى جلسات النّقاش مع البرلمان بقوله أن تونس يهدّدها المرور من وباء كورونا إلى وباء اقتصادي واجتماعي وأنّ هناك مؤسّسات عمومية حيويّة ينبغي الانطلاق اليوم قبل الغد في اتّخاذ إجراءات بشأنها صعبة ومُوجعة.

وقد شكّل رئيس الحكومة لِجان دراسات وإعداد لمرحلة ما بعد كورونا بالبحث عن مصادر التّمويل وتعْبئة الموارد وإعادة تنشيط الحياة الاقتصادية بما يُتيح لحكومته الاستمرار والبقاء حتى لا تفتك بها الجائحة.

سلوكاتهم تدلّ عليهم

إن توقّعات أهل الاختصاص بخصوص الوضع المحلّي لما بعد كورونا تقدّر خسارة ب 10 بالمائة من الناتج الإجمالي الخام وتدحرج نسبة النمو إلى أكثر من 4 بالمائة سلبي (4.3- بالمائة) وارتفاع الأسعار ومعدّل البطالة إلى نحو 20 بالمائة وتراجع العملة المحلية, يضاف إليها غلق 93 مؤسّسة صناعية خلال الثلاثي الأول من 2020 من ضمنها مؤسّسات دخلت في حالة إفلاس. هذه المعطيات وغيرها كثير تؤكّد على هول الأزمة وخطرها على الاستقرار والأمن الاجتماعيّين, وتدعونا إلى التفكير في مآلاتها واتّجاه تطوّرها وسلوك الحكم بمختلف مكوّناته وتحديدا الحكومة باعتبارها رأس حربة الائتلاف الحاكم.

إن الإجراءات التي أقدمت عليها هذه الأخيرة لمجابهة تداعيات الجائحة بكل ما تحمله من انْحياز طبقي لفائدة كبار الرأسماليّين الذين وقع تمتيعهم بتأجيل خلاص الدّيون الجبائية والدّيوانية لمدة سبعة سنوات (10 آلاف مليار) وبخطوط تمويل بضمان الدولة (500 مليار) وغيرها, مقابل فتات للمهمّشين وذوي الدّخل المحدود والإصرار على المضيّ في سياسة الاقتراض والتداين (قروض من صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي وإيطاليا والبنك الافريقي…) ورفض المطالبة بتعليق خلاص الدّيون وبالتّدقيق فيها تؤشّر كلّها على طبيعة الخيارات المستقبلية للحكومة ومن ورائها كل المنظومة التي ستمضي بأكثر سرعة في الخصْخصَة وسياسات التقشّف والضغط على الأجور وتحرير الأسعار وتوجيه الإنتاج المحلي نحو التصدير وفتح السّوق المحلية للبضائع الأجنبية بما يساعد كبارالسّماسرة المحلّيين على إنعاش حساباتهم البنكية, والإمضاء على اتّفاقية التبادل الحر الشّامل والعميق (الأليكا) وأخرى مماثلة مع قطر وتركيا اضطرّ البرلمان لتأجيل النظر فيها. وهي في مجملها خيارات لاشعبيّة ولاوطنيّة خادمة لمصالح الشركات الأجنبية العملاقة والوكلاء المحلّيين الراعين لهذه المصالح والتي ستزيد الأزمة سِعَة وعمقا بربط الاقتصاد المحلي نهائيّا بالسّوق العالمية وتصفية القطاع العام وكلّ الصناعات المحلية وإخضاع الفلاحة وقطاع الخدمات.

إنّ تعاطي الفريق الحاكم مع تداعيات الأزمة ومجمل القرارات والإجراءات والمراسيم التي وقع إصدارها وتصريحات المسؤولين في مختلف المواقع وفي كلّ مناسبة تؤكّد لكل المتابعين أن النّية تتّجه نحو التسريع في تكريس سياسات التقشّف المُملاة من المؤسسات المالية العالمية النهّابة والمدعومة من القوى الإقليمية والدولية التي تحاول بهذا القدر أو ذاك الهيمنة على مقدّرات الشعب التونسي ودعم اتّباعها من أحزاب ومسؤولين وكتل برلمانية وإعلاميّين وغيرهم.

الصّراعات تجري على قدم وساقٍ ليس من أجل إنقاذ تونس وشعبها، لكن من أجل رهنها وإخضاعها وتصريف أزمات الجهات الدّاعمة على حساب الشعب التونسي.

موازين القوى هي المحدّدة

المعركة مفتوحة اليوم بين عديد الخيارات، ومنظومة الحكم ليس بمقدورها السّيطرة بسهولة على الوضع، ولا يديها مطلوقتين لتمرير ما تودّ تمريره. وهذا راجع لعدّة أسباب.

• أوّلا لأنها فشلت في الخروج بالبلاد من أزمتها وليست لها حلول واضحة ومقبولة على نطاق واسع وقادرة على معالجة الأزمة التي طال أمدها.
• ثانيا بسبب التّجاذبات والصّراعات المحمومة داخل الائتلاف الحاكم حول من يستفْرِد بالساحة ويقود السّفينة :
– رئيس دولةٍ يسري ليلا إلى المناطق الداخلية حاملًا كراتين المساعدات المموّلة من دافعي الضرائب محاولا تقمّص شخصيّة “الخليفة عمر ابن الخطاب”، ليس عبر فرْض العدل واتّخاذ الإجراءات الشّعبية العادلة، بل بالاستعراض الشّكلي لا غير. والهدف هو تسويق صورة وهمية للناخبين قبل المرور الى تشكيل القائمات الانتخابية وإعداد العدّة للانقضاض على الحكم.
– رئيس حكومة قذفت به الظّروف إلى القصبة بعد فشلٍ ذريع في الانتخابات فأصبح يعِدّ العدّة لفرض نفسه عبر تُرْسانة من الوزراء المستقلّين في عديد القطاعات ومستشارين وغيرهم. وهو يلقى الدّعم من فرنسا والاتّحاد الأوروبي ويحظى بالدعم المالي من خلال القروض والمساعدات. ويعمل على كسب الأعراف من خلال الإجراءات المتّخذة لفائدتهم تحت عنوان الحرب على كورونا. ومن غير المستبعد أن تكون له كتلة برلمانية على غرار صديقه الحميم يوسف الشاهد.
– رئيس البرلمان الذي فرضت عليه الأزمة التّراجع ليترك مكانه لوزير الصحّة إبن حركته (حزب النهضة) الذي يسعى جاهدا لفرض نفسه على رأس الحركة الإخوانية بديلًا عن رئيسها الحالي.
• ثالثا لأن التحالفات الحاليّة هشّة وغير قابلة للصّمود طويلا وهي محكومة بالمصالح والحسابات الحزبية الضيقة (تحالف قلب تونس مع النهضة- تحالف الكتلة الديمقراطية مع رئيس الحكومة وفي نفس الوقت الانفتاح على رئيس الدولة واعتبار حكومة الفخفاخ حكومة الرئيس – تقلّب تحيا تونس بين الفخفاخ والنهضة المحكوم بالمصالح – العلاقة بين قيس سعيد والفخفاخ وامكانية دخول الطرفين في تنافس حاد ) تقابلها معارضة تجمّعية تنتمي لمعسكر الثّورة المضادّة وتوجّه سهامها ضد حركة النهضة، ليس كخيارات وبرنامج بل كخصم ايديولوجي وسياسي، مع إمكانية التعاطي مع باقي أطراف الحكم من الليبراليّين وفقا للمصالح والحسابات. وهي معارضة معادية للشعب.

وفي كلمة، تهيمن على البرلمان أغلبيّة معادية للشعب والوطن ولا ننتظر منها عمليا حلولا ومقاربات جدّية لمعالجة الأزمة التي تتميّز بالشّمولية والعمق.

إن الأمل موْكول في الأصل إلى القِوى الثورية والتقدّمية على اختلاف مشاربها من أحزاب ومنظّمات وفعاليات وشخصيات وطنيّة، وهي التي أعادتها أزمة كورونا إلى الواجهة وأطلقت مبادرة سياسيّة جريئة انبثقت عنها جُملة من الحملات والأعمال التي مازالت في بداياتها الأولى: حملة من أجل تعليق ديون تونس موجّهة إلى صندوق النقد الدولي- تعاطي إيجابي وعملي مع الجائحة – وأخرى بصدد التحضير.

مُطْلِقوا هذه المبادرة السّياسية قادرون على التأثير في الواقع وتغيير موازين القِوى لصالح قوى التّغيير إذا حافظوا على حيويّتهم ووِحْدتهم ونجحوا في توسيع علاقاتهم وواصلوا أنشطتهم بتماسكٍ وبِطرقٍ مدروسة وعلميّة ومتنوّعة قادرة على استقطاب أوسع الجماهير التي ترزح تحت نِيرِ سياسات التقشّف والتهميش.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×