الرئيسية / ملفات / 1 ماي / أيّ دور لصندوق النقد الدولي في العالم وفي تونس
أيّ دور لصندوق النقد الدولي في العالم وفي تونس

أيّ دور لصندوق النقد الدولي في العالم وفي تونس

منذر خلفاوي

تقدّم حكومة المشيشي/النهضة قبول صندوق النقد الدولي التفاوض معها على أنه انتصار ومكسب. وفي انتظار نتائج الحج إلى واشنطن يوم 3 ماي، بادر المشيشي ببعث رسالة حسن نوايا كشفت عنها مديرة الصندوق التي اشترطت هذه المرّة إجماع الفاعلين السياسيين والاجتماعيين على الخطوات والشروط التي لم تلتزم بها الحكومات المتعاقبة.

وتأتي هذه المفاوضات تبعا للأزمة العميقة التي تتخبط فيها بلادنا منذ عشر سنوات بعد الثورة والتي لم تفلح الحكومات المتعاقبة في تخطّيها رغم تضاعف الديون الخارجية لتصل إلى 87 بالمائة من الناتج الداخلي الخام. إنّ الطبقات المتنفذة الطفيلية عمّقت الفساد الذي أصبح ينخر أجهزة الدولة بتواطؤ من منظومة الحكم المعادية لمصالح الشعب والوطن. إنّ الحكومة والأحزاب الملتفّة حولها مضطرّة إلى قبول الشروط، كل الشروط لسدّ الثغرة المالية في ميزانية 2021 والمقدّرة بـ15,6 مليار دينار.

الطّبيعة الحقيقيّة لصندوق النّقد الدّولي
وقع إنشاء صندوق النقد الدولي سنة 1944 من قبل عدّة بلدان رأسمالية بهدف تحقيق النمو الاقتصادي واعتماد سياسات اقتصادية سليمة حسب ما نصّت عليه القوانين الداخلية للصندوق. وتساهم الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 16,5℅ من ميزانية الصندوق ودول الاتحاد الأوروبي بـنسبة 29,6℅، ويتمتعان بحقّ الفيتو في مجلس الإدارة. ويمكن للدول الأعضاء التمتّع بالتمويل المؤقت حسب مساهمتها في ميزانية الصندوق بهدف تجنّب تخفيض العُملات. ويعمل الصندوق على تقديم المساعدة في مجال الخبرات.

هذا ما نصّت عليه القوانين نظريا، لكن الواقع وتجربة العقود الفارطة من تدخّل الصندوق في مختلف أصقاع العالم وخاصّة في البلدان المفقّرة والتابعة تبيّن أنّ المساعدات والقروض الممنوحة كانت دوما مشروطة باتباع وصفات اقتصادية وإجراءات تكاد تكون متشابهة لجميع البلدان وفي جميع الحالات. وهي تتمثل عموما في خوصصة المؤسسات العمومية وفتح الأسواق الداخلية أمام المنافسة الأجنبية وخاصة الامبريالية دون تحليل عميق لهيكلة اقتصاد كل بلد، كما تستهدف القطاعات الاستراتيجية مثل الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية، كما لا تشترط موافقة مجلس الشعب في البلد المعني.

إنّ الديون الممنوحة والتي تُستخلص بفوائد مجحفة خاصة عند تفاقم العجز هي بوابة لتمتيع الشركات الكبرى والدائنين بمزايا الاستثمار في البلد المعني، وفي نفس الوقت مزيد تفقير الطبقات الشعبية ومزيد دهورة الاقتصاد مقابل عدم محاسبة الأنظمة الفاسدة المسؤولة عن الخراب والانهيار والفساد.

ولتدعيم هذه الاستنتاجات التي وصل إليها عديد الخبراء حتى الليبراليين منهم يمكن استحضار بعض الأمثلة التي تؤكد فشل ما يسمّى بالإصلاحات الهيكلية في النهوض بأوضاع البلدان الممنوحة.

فالأرجنتين، التلميذ النجيب لصندوق النقد الدولي، الذي طبّق التوصيات، عرف أزمة سنة 2000 وانهيارا تاما (خمسة رؤساء في ظرف عشرة أيام سنة 2001). وفي البيرو وقع القضاء على مَزارع القمح التي تمّ تعويضها بإنتاج الكوكا والمخدّرات. نفس الشيء في يوغسلافيا الفيدرالية التي عرفت الانقسام نتيجة إعادة الهيكلة لسنة 1980 بعد تفكك الدولة الراعية وتطوّر النزعات الانفصالية نتيجة التفقير الحادّ للشعب اليوغسلافي.

أمّا السينغال البلد الإفريقي، فبعد خوصصة أهمّ خطوط النقل الحديدي، انهار الديوان الوطني لتربية الماشية. ونفس المصير عرفته دولة زمبيا التي تفككت فيها مصانع الملابس ولم تصمد سوى 8 شركات من جملة 140. أما في غانا، فقد انهارت طبقة المزارعين نتيجة فتح الأسواق أمام الواردات الغذائية.

تونس تسير نحو الهاوية
يشهد تاريخ بلادنا أنّ الاقتراض والتداين فتح الباب أمام الحماية والاستعمار الفرنسي المباشر. ويعيد التاريخ نفسه لأنّ تونس تسير في نفس الاتجاه نتيجة التداين المفرط والمتسارع لدى المؤسسات العالمية دون نتائج تُذكر سوى مزيد الفقر والتبعية.

إنّ الإجراءات الموجعة التي “تُبشّر” بها الحكومة مثل رفع الدعم عن المواد الأساسية لن يكون انعكاسها سوى الانتفاضات والثورات مثل ما حصل سنة 1984 في كل من المغرب وتونس ومصر الخ… ذهب ضحيتها آلاف الشهداء.

لقد وصلت اليوم المديونية حدّا غير مسبوق (87℅ من الناتج الداخلي الخام)، وتفاقمت البطالة (16,2℅)، وتدهورت قيمة الدينار، وازداد عجز ميزان الدفوعات، وهي كلها نتائج السياسات اللاّوطنية واللاّشعبية لحكومات ما قبل الثورة وما بعدها، أتت على قطاعات الصناعة المحلية والفلاحة والخدمات. ولن تكون المفاوضات والخضوع للإملاءات المرتقبة إلاّ مزيدا لتفكيك النسيج الاقتصادي المحلي والتفريط الكلي في السيادة الوطنية وفي مصير البلاد المرشحة للبيع بالمزاد العلني.
لا حلّ إلاّ في السّيادة الوطنيّة والدّيمقراطيّة الشّعبيّة والعدالة الاجتماعيّة

إنّ كنس منظومة الحكم الحالية المسؤولة عن الانهيار هو المدخل للإصلاح وإنقاذ البلاد. ومباشرة وجب النضال من أجل سحب قانون استقلالية البنك المركزي، وسنّ ضريبة تصاعدية على الثروة، ومكافحة التهرّب الضريبي، وإلغاء الديون الخارجية وتعليق تسديدها على الأقل لمدة 3 سنوات التي تم استخلاصها منذ مدة، وزيادة الإنفاق الاجتماعي، وبناء اقتصاد يلبي حاجيات الطبقات والفئات الشعبية.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×