الرئيسية / صوت الوطن / منظومة الحكم تمعن في تعفين الأوضاع
منظومة الحكم تمعن في تعفين الأوضاع

منظومة الحكم تمعن في تعفين الأوضاع

عمار عمروسية

يبدو أنّ قطبي الصّراع المحموم حول السّلطة ببلادنا يتسابقان من أجل تحقيق أهدافهما دون إقامة أدنى اعتبار لتفاقم معاناة التّونسيّات والتّونسيين تحت وطأة الأزمة العامّة والعميقة التي تطحنهم وتحوّل حياتهم إلى جحيم حقيقي، وكذلك لأدنى نواميس العمل السياسي والقليل من الظوابط القيّمية والأخلاقيّة.
فالبلد يغرق في أتون أزماته غير المسبوقة ويتدحرج بخطى حثيثة نحو القاع الذي لا نهاية له. وأجنحة السّلطة تسبح في مستنقع حساباتها الخاصّة والصّغيرة بل الرخيصة.
فكلّ المؤشرات الحاصلة حتّى هذا الوقت تدفع إلى الاعتقاد بأن لا نهاية لهذا التّطاحن الرّجعي بين إخوة الحكم وشركاء الأمس القريب. فالهوّة بين محوري النّزاع تباعدت ودخلت منذ أسابيع مرحلة الاّعودة. ولم يعد ممكنا ردم مسافات التّباعد وتقريبها ووسائل صراعهما وأساليبه أطاحت بكلّ الخطوط الحمر ونزلت إلى أشدّ الأسلحة هبوطا وقذارة تظهر تجلياتها الأبرز في حمّى التّسريبات وعنف التّصريحات ووقاحة التّموضع في خدمة المحاور الدّولية والاقليميّة المتصارعة على بلادنا وباقي دول الوطن العربي وخصوصا الشقيقة الجزائر.
لقد صدق قول القدامى عندما وضعوا نزاعات القوى الرجعية من أجل الحكم من أبرز عوامل انهيار الدّول وتفكّك المجتمعات.
فالتّطاحن الذي تعيشه بلادنا بين محوري النّزاع فاقم جميع الأزمات الاقتصادية والماليّة والاجتماعيّة والصحيّة ووضع الدّولة على مشارف مرتبة الدّول الفاشلة وألقى بالبلد ضمن منطقة الهزّات الاجتماعيّة الكبرى.
والأنكى من ذلك أنّ طرفي الصّراع يبديان استعدادات لا محدودة لاستعمال كلّ الأساليب والأسلحة لتحقيق هدف الاستفراد بالحكم.
ولعلّ الإطلالة القويّة لبعض متقاعدي المؤسسة العسكرية في الأيّام الأخيرة من خلال تعدّد البيانات والرسائل لبعض الكوادر العليا بتلك المؤوسسة فاتحة لنقل ذاك التّطاحن إلى فضاءات جديدة وأدوات حسم إضافيّة ينهي فشل الأسلحة السياسيّة والقانونيّة والدّستوريّة الخ….
إنّ هذه الإطلالة في سياق الأزمة السياسيّة الخانقة وفي ظلّ المعطيات الموضوعيّة للانهيار الاقتصادي والإفلاس المالي ليست بالأمر الهيّن الذي يمكن فهمه مثلما يسوّق البعض تحت عناوين خاطئة مثل “فائض الديموقراطيّة” أو “الانفلات العام” الخ.
فهذا الدّخول مهما كانت نوايا وتصريحات أصحابه أو المدافعين عنهم يفتح مآل تطورّات الأوضاع ببلادنا على سياقات عالية المخاطر والانزلاقات نحو العنف ومربعات عودة الاستبداد الذي ثار ضدّه شعب تونس.
فلعبة “العسكر” التي تستهوي مثلما هو واضح طرفي الصّراع لقلب موازين القوى في معركتهما تلويح بالعصى الغليظة لمجمل الشعب التّونسي وقوّاه الثورية والديموقراطيّة خصوصا عند النّهوض الاجتماعي والشعبي في وجه الخيارات اللاّوطنية واللاّشعبيّة المضمّنة ضمن ما يعرف ببرنامج الإصلاح الهيكلي المملى من قبل صندوق النّقد الدّولي والبنك العالمي.
لعبة “العسكر” نار تحرق الحقوق والحريّات وتخريب لكلّ المكتسبات. وعلى أيّ حال شعبنا اكتوى بحكم “الجنرال” الذي نزع بدلته العسكرية وتخفّى وراء واجهات مدنيّة. غير أنّ حصيلة سيادته كانت مدمّرة وأفضت إلى اندلاع ثورة عظيمة خطيئتها الكبرى أنّها لم تواصل طريقها في اقتلاع القديم وبناء أسس النّظام الجديد بما يناسب تحقيق الخلاص من أصفاد القديم.
ولعبة العسكر قد تبدأ بالمتقاعدين والتّخفي وراء حقوقهم المدنيّة الكاملة في ممارسة السياسة وتنتهي بتشريع كلّ الأبواب أمام إقحام المؤسسة العسكرية في الشأن السياسي وتوظيفها لهذا الشقّ أو ذاك من الذئاب المتصارعة على السلطة ومغانمها.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×