الرئيسية / صوت الوطن / حين يتحول بعض “الطراطير” إلى ناطقين باسم “الدولة”
حين يتحول بعض “الطراطير” إلى ناطقين باسم “الدولة”

حين يتحول بعض “الطراطير” إلى ناطقين باسم “الدولة”

حمه الهمامي

سرت منذ يوم السبت 11 فيفري الجاري “أخبار” عن اعتقال بعض الوجوه السياسية وبعض رجال الأعمال و”أمني ودبلوماسي سابقين”. وهذا في حد ذاته ليس بالأمر العجيب أو الغريب في بلادنا ماضيا وحاضرًا. فالاعتقالات لم يخل منها عهد منذ حكم بورقيبة. كما أنه ليس بالأمر العجيب أو الغريب أن تتمّ الاعتقالات في شكل مداهمات ودون إعلام المعني وعائلته ومحاميه بهوية الفرقة القائمة بالاعتقال وسبب الاعتقال والمكان الذي سيقتاد إليه المعتقل أو الموقوف. فهذا السلوك من المألوف، بل يمثل القاعدة في بلادنا والعكس هو الشاذ الذي لا يقاس عليه. وليس من الغريب أو العجيب في دولة البوليس أن تتم الاعتقالات دون علم القضاء وتحديدا النيابة العمومية التي تأذن عادةً بالإيقاف ثم تزور التواريخ لتكييفها مع الإجراءات القانونية. ولكن الجديد، غير المألوف، هو أن تسكت “الدولة” بمختلف أجهزتها عن الكلام المباح فلا تقدّم إلى الرأي العام أيّ توضيح ويعوضها في ذلك حفنة من “الطراطير” الذين يتكلمون باسم الرئاسة والحكومة ووزارتي العدل والداخلية لـ”إعلام” الرأي العام بأسماء الموقوفين و”أسباب” إيقافهم. بل إنهم يقدّمون حتى قائمات فيمن سيشملهم الإيقاف لاحقا. والأدهى والأمرّ أنّ بعض هؤلاء “الطراطير” الذين يرفعون شعار “إلى الأمام قيسون نحن معاك”، يقدّم “معلومات” بعنوان “هذا ما كشفته الأبحاث الأوّلية” وكأنه كان حاضرا أثناء الاستنطاقات أو كأنه أجراها هو بنفسه ولا أحد يوقفه في وسائل الإعلام التي يتكلم فيها ولا أحد من “الدولة” يردّ عليه أو يكذّبه وهو ما يفسّر أنه وغيره “مكلف بمهمة” فهو لا ينطق إلاّ بما يكلّف بالنطق به مقابل “أجر” وهو ما يسمى لغة “مأجور”
كل هذا يعطي مرة أخرى فكرة عن الشعبوية اليمينية الاستبدادية الرثّة وما يمكن أن تبلغه من تعاسة.
ولكن ما خفي كان أعظم. إنّ هؤلاء “الساقطين والسواقط والسقاط” كما سمّاهم الشاعر الراحل، الطاهر الهمامي، إنما يُستأجرون للقيام بهذه المهام القذرة دون حياء أو خجل، ومتى كان لهم حياء أو خجل، ليتيسّر لمؤجّرهم تحقيق مآرب أخرى كما حصل منذ انقلاب 25 جويلية الماضي. إنّ التونسيات والتونسيّين وخاصة فقيراتهم وفقراءهم، عليهم أن ينتبهوا هذه الأيام إلى ما يخفيه هذا الضجيج. فقد اعتادت أنظمة العمالة والتفقير والتجويع أن تلهي الرأي العام بشيء حتى لوكان كلمة حق محولة للضرورة إلى كلمة باطل، كي تمرّر ما تريد تمريره من إجراءات اقتصادية واجتماعية خطيرة. إنّ المؤسّسات المالية الدولية تضغط على سعيّد وحكومته للتعهّد في الأيام القليلة القادمة بما تمليه عليهما من إجراءات: رفع الدعم وما سينجر عنه من تلهيب جديد للأسعار، وخوصصة المنشآت العمومية ليرتع فيها الرأسمال الأجنبي، وتجميد الأجور ، ووقف الانتدابات وغير ذلك من الإجراءات المدمّرة للشعب والوطن… وهو ما يتطلب تلهية الرأي العام ببعض “الحكايات المثيرة والمضللة” لـ”إقناع” الرأي العام بأنّ صاحب السلطة لا مسؤولية له في معاناة الشعب وأنّ سبب هذه المعاناة ليس السياسات الرسمية وإنما “حفنة من الخونة والمتآمرين المتلاعبين بقوت الشعب” وبعد ذلك يقوم “أولي الأمر” ليقولوا، تبريرا لفشلهم الذريع وتنصّلا من المسؤولية التي يتحمّلونها كاملة”: “الله غالب… قمنا بواجبنا وصمدنا في وجه الاستعمار ولكن “الخونة والمتآمرين” ومن بينهم اتحاد الشغل بالطبع، خذلونا فاضطررنا إلى قبول “إملاءاته” إي إملاءات الاستعمار وصناديقه التي ستجوّعكم وتفقّركم وترهن مستقبلكم ومستقبل أبنائكم وبناتكم ووطنكم… فلا تحاسبونا نحن الماسكين بالسلطة بل حاسبوا من يعارضنا…”
تذكّروا هذا الكلام يا أولي الألباب في القادم من الأيام والأسابيع… دون أن تنسوا أنّ ماكينة القمع ستشتدّ أكثر فأكثر لفرض الصمت على المجتمع… ولكنها لن تقدر… انتهى زمن الخوف حتى إن كان مازال ثمة خائفون بطبعهم…

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×