الرئيسية / صوت العالم / العدوان على غزّة : الدروس والاستنتاجات
العدوان على غزّة : الدروس والاستنتاجات

العدوان على غزّة : الدروس والاستنتاجات

علي البعزاوي

قد يبدو من الوهلة الأولى أنه من السابق لأوانه الحديث عن الدروس الواجب استخلاصها من الحرب العدوانية على غزة والتي هي في الواقع حرب على الشعب الفلسطيني وعلى وجوده الذي يتناقض مع الوجود الصهيوني. لكن هناك حقائق تفرض نفسها وقد تأكّدت منذ الأسبوع الأول للحرب ومن الضّروري الاشارة إليها.

  • الدرس الأول

إن الدرس الأول والأساسي يتعلّق بدور القوى الامبريالية في هذه الحرب الظالمة وعلاقتها بالشعوب. لقد انخرطت هذه القوى من الوهلة الأولى في الحرب على الشعب الفلسطيني بتوفير المال والعتاد والذخيرة والأسلحة المتطورة بما فيها المحرمة دوليا وتسخير افضل الخبراء في الاستطلاع والاستخبار وتوفير التغطية الإعلامية المنافقة والكاذبة بهدف تضليل الراي العام حتى يستوعب هذه الحرب الهمجية ويجد لها التبريرات ويمكن الجيش الصهيوني من الوقت الكافي لضرب المقاومة باعتبارها حركة تحرير وإبادة الشعب الفلسطيني أو تهجيره من غزة والضفة نحو سيناء المصرية والأردن مثلما هو مخطّط له مسبقا.

وعندما أفاقت شعوب الدول الاستعمارية من غفوتها وسارعت إلى التظاهر والاحتجاج مطالبة بوقف الحرب وتمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة وإقامة دولته المستقلة، قابلتها دول العدوان بالمنع والمحاصرة والإيقاف والحكم بالسجن وبغرامات مالية ضدّ من يرفع العلم والكوفية الفلسطينيّيْن ضاربة عرض الحائط بالحقوق والحريات التي طالما تغنّت بها وجعلت منها في أغلب الأحيان منطلقا لتصفية وإسقاط الأنظمة المناوئة وخنقها اقتصاديا وماليا. لكن مع اتّساع حركة الاحتجاج اضطرّت إلى مسايرتها دون الاستجابة لشعارات ومطالب ملايين الجماهير المحتجة والتي بدأت تهدّد بإسقاط أحزاب الحكم في الانتخابات القادمة. عديد النواب الأحرار في الولايات المتحدة وإنجلترا وفرنسا صوّتوا ضد مواصلة الحرب او استقالوا من أحزابهم احتجاجا على المواقف المساندة بلا شروط للعدوان الصهيون على الفلسطينيين. وعديد الموظفين وأعضاء في الكونغرس الأمريكي طالبوا مجرم الحرب بايدن بإيقاف المجازر ضدّ مواطني غزّة لكنه يتمسّك “بحق الكيان الصهيوني في الدفاع عن نفسه”.

لقد اتّضح لكل ذي عقل أن القوى الامبريالية هي عدوة الشعوب وفي خدمة الطغم المالية المسيطرة اقتصاديا وسياسيا وثقافيا في كبريات الدول على حساب العمّال والكادحين وعموم الفئات الشعبيّة الذين يتحمّلون قسرا تبعات الحروب والأزمات المختلفة من خلال الزيادات في الأسعار والتضخّم والضغط على الأجور وإدارة الظهر لمطالب العمال وتراجع العملات القومية، إلى جانب تكثيف استغلال ونهب ثروات البلدان التابعة مقابل الدعم السياسي والأمني والعسكري لأنظمة الحكم العميلة والمطبّعة بحسابات والتي لا علاقة لها هي الأخرى بمصالح شعوبها.

إن أحد التناقضات الأساسية في عصر الامبريالية الذي لم يعد مجرّد شعار أو فكرة بل مسألة ملموسة تعيشها الشعوب وتؤثّر مباشرة على حياتها وأمنها واستقرارها وازدهارها هو التناقض بين الامبريالية وأدواتها المحلّية البورجوازيات الكبيرة العميلة، من جهة، والشعوب المضطهدة والمستغِلّة (بفتح الغاء) من جهة أخرى. ويمكن القول أن مصالح القوى الاستعمارية المرتبطة بمصالح الأنظمة العميلة في الدول التابعة وفي انسجام تام معها، تتعارض كلّيا مع مصالح الشعوب سواء في الدول الاستعمارية أو التابعة، وأن مصالح الشعوب وفي مقدّمتها العمال والكادحون تكمن في التخلص من هذه الأنظمة كشرط لبناء علاقات تعاون وتبادل من شأنها خدمة مصالحها المشتركة وتثبيت السّلم والأمن في العالم وتوفير شروط التقدّم والازدهار.

إنه لا مكان للشعوب وللعمال والكادحين أساسا ولا مصالح حقيقية لهم في ظل منظومة الدول الامبريالية الداعمة للكيان الصهيوني ومن مصلحتهم أن يتعاونوا ويتوحّدوا ضد هذا الجسم المعادي لهم والذي يعمل دائما على ضرب مصالحهم المباشرة والبعيدة.

  • الدرس الثاني

في هكذا مناخ يتّسم بمعاداة الشعوب ومحاولة تهميشها تدوس القوى الاستعمارية على الديمقراطية وعلى حقوق الإنسان وعلى القوانين الدولية التي وُضِعت بموافقتها وتجعل من المنظمات الحقوقية والإنسانية على اختلاف اختصاصاتها مجرّد واجهة أو منظمات ديكور وهو ما يتأكد من خلال دور “الأونروا” في غزة خلال الحرب حيث تتعرّض مقراتها للقصف وموظفوها للاغتيال ويتأكد من خلال دور منظمات أطباء بلا حدود واليونيسيف …التي تؤكد أنها لا تستطيع أداء واجبها الإنساني تحت القصف العشوائي من طرف الجنود الصهاينة. وحتى الأمم المتحدة، المنظمة الأم، فهي ممنوعة من الدخول إلى فلسطين المحتلّة وغزّة ومعاينة ما يجري بقرارٍ من حكومة  الكيان الصهيوني وبضوء أخضر امبريالي غربي.

لقد فُرِض على هذه المنظمات أن تكتفي بالمناشدات وإطلاق التحذيرات ورفع المطالب التي لا تجد طريقها إلى التنفيذ لأن القوى الاستعمارية لا تريد ذلك، لسبب بسيط وهو إرادة تثبيت وتعزيز تفوّق الكيان الصهيوني كقوة أساسية في الشرق الأوسط باعتباره وكيل الامبريالية وأداتها لإخضاع دول المنطقة والسّيطرة على مقدّرات شعوبها ومنعها من التحرّر والانعتاق.

لقد غدت الديمقراطية وحقوق الإنسان والحداثة وكل القيم التي اعتمدتها الرأسمالية لإعلان تفوّقها على النظام الإقطاعي المتهالك وتمايزها مع النظام الاشتراكي قبل سقوط التجربة مجرّد أكذوبة وشعارات جوفاء لا يقع تكريسها على أرض الواقع .لقد سقطت هذه القِيم منذ دشّنت الرأسمالية مرحلة الامبريالية ممّا يجعلها حسب قولة لينين الشهيرة “عشيّة الثورة الاشتراكية”. 

  • الدرس الثالث

إن إرادة الشعوب – مهما اشتدّت فترات الجزر والتّراجع وطال أمدها -لا تُقهر، فقد فرضت حركة نضال الشعوب بما مارسته طيلة أربعين يوما من ضغطٍ عبر المسيرات المليونيّة والمظاهرات والوقفات الاحتجاجية، فرضت على حكوماتها ورؤساء دولها مراجعة وتليين مواقفها .فمنها من بات يرفع شعار وقف الحرب رغم دعمه ل “حق إسرائيل في الدّفاع عن نفسها ” (الرئيس الفرنسي) ومنها من أصبح يندّد بالمجازر الصّهيونية ويطالب بهدنة إنسانية (خارجية الاتحاد الأوروبي )…

لكن أهمإانجاز فرضته شعوب العالم هو وضع القضية الفلسطينيّة من جديد على الطاولة كأهم قضيّة عادلة وجب حلّها بعد أن تراجعت ودخلت طيّ النسيان، بل تكثّفت حولها المؤامرات من أجل تصفيتها وتثبيت الكيان الصهيوني الفاشي العنصري كدولة كاملة الحقوق ومطبّعة مع محيطها العربي على حساب الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.

إنه بفضل نضال الشعوب الحرّة التي انتصرت للقضية الفلسطينيّة ولمقاومتها باعتبارها قضيّة تحرّر وطني، قضية شعب يناضل من أجل الاستقلال والحرية، عادت القضية الفلسطينية وستعود بأكثر قوّة في القادم من الأيام كقضية يجب حسمها وإنصاف الشعب الفلسطيني الذي عاش المجازر والتهجير والتجويع وحروب الإبادة على مدى خمسة وسبعين عاما.

إن الفضل في هذه الحركيّة الجديدة يعود بالأساس إلى قوى المقاومة الوطنية الفلسطينيّة على اختلاف مشاربها التي خيّرت النضال وطوّرت من قدراتها العسكرية ورفضت كل الحلول التصفويّة، وفي مقدمتها اتفاقية أوسلو، رغم إصرار الرئيس الفلسطيني وبطانته وتنكّره لميثاق منظمة التحرير الفلسطينية.

إن تاريخ 7 أكتوبر سيشكّل نقطة فارقة بين مرحلتيْن مختلفتين: مرحلة التعثّر والتراجع ومحاولات التصفية التي اتّسمت بها فترة ما قبل 7 أكتوبر، من جهة، ومرحلة النهوض والنضال والتحرّر الوطني التي ستطبع مرحلة ما بعد 7 أكتوبر.

عاشت فلسطين حرّة

النصر للمقاومة الوطنية الفلسطينية

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×