الرئيسية / الافتتاحية / ثورة 17 ديسمبر ـ 14 جانفي ملهمة السيرورات الثورية في العالم
ثورة 17 ديسمبر ـ 14 جانفي ملهمة السيرورات الثورية في العالم

ثورة 17 ديسمبر ـ 14 جانفي ملهمة السيرورات الثورية في العالم

 

مرتضى العبيدي

لم تقتصر ثورة 17 ديسمبر ـ 14 جانفي التونسية على الداخل الوطني بل إن صداها قد تجاوز كل الحدود المتوقعة وغير المتوقعة. وتردّدت شعاراتها، وخاصة منها شعارها الرمز “الشعب يريد إسقاط النظام” في عديد الميادين والساحات في كبريات المدن العالمية. وإذا كان تأثيرها المباشر في محيطها الجغرا-سياسي، أي في ما سيُطلق عليه لاحقا بلدان الربيع العربي (مصر، ليبيا، سوريا)، فإن مناطق أخرى أبعد جغرافيا وحضاريا شملتها شرارة الثورة وهبّت الجماهير فيها، في ظروف مختلفة، ولأسباب متنوعة، تُحاكي ثورة تونس، وتنسب نفسها إليها بصورة صريحة. وسنتوقف في هذا المقال على البعض منها لتأثرها الى هذا الحد أو ذاك بثورة تونس المجيدة.

حركة 20 فبراير بالمغرب الأقصى والاحتراز من التسيّس

ولعل حركة 20 فبراير 2011 بالمغرب الأقصى التي اندلعت بعد شهر تقريبا عن إسقاط زين العابدين بن علي كانت أول تعبير مباشر عن هذا السخط الشعبي الذي كان يتشكل في بقاع عديدة من العالم. فحركة 20 فبراير بالمغرب، كانت تضم نشطاء سياسيين وجمعويين يطالبون بإصلاحات في المغرب، وقد انضمت إليهم فيما بعد قوى سياسية وحقوقية. وتقول الحركة عن نفسها أن أعضاءها هم من المغاربة الذين يؤمنون بالتغيير، وهدفهم العيش بكرامة في مغرب حر وديمقراطي، وتؤكد استقلاليتها عن كل التنظيمات والأحزاب السياسية. وكانت بالأساس حركة شبابية ليس لها قيادة معلنة، استلهمت توجهها من التجربة الشبابية في كل من تونس ومصر، وجذبت إليها فئات مختلفة، وقامت باحتجاجات متنوعة مطالبة بالحرية والعدالة والديمقراطية. وجاء تأسيسها من خلال دعوات شبابية عبر وسائل التواصل الاجتماعي لمسيرات احتجاجية تحت شعار “دمقراطية الدولة والمجتمع” يوم 20 فبراير/شباط 2011، بعدها أسس المنخرطون فيها تنسيقيات في المدن والجهات المغربية. أكدت حركة 20 فبراير، أن هدفها هو العيش بكرامة في “مغرب ديمقراطي حر”، وشددت على استقلاليتها عن كل التنظيمات والأحزاب السياسية.

وأوضح بيانها التأسيسي الصادر يوم 14 فبراير 2011 أن “تراكم المعضلات الاجتماعية يرجع بالأساس إلى الاختيارات السياسية وبنية النظام السياسي المغربي”. وحدد عددا من المطالب منها، دستور ديمقراطي يمثل الإرادة الحقيقية للشعب، وحل الحكومة والبرلمان وتشكيل حكومة انتقالية مؤقتة تخضع لإرادة الشعب، وقضاء مستقل ونزيه. وطالب البيان بمحاكمة المتورطين في قضايا الفساد واستغلال النفوذ ونهب خيرات الوطن، وإطلاق كافة المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي، والإدماج الفوري والشامل للمعطلين في أسلاك الوظيفة العمومية، بالإضافة لضمان حياة كريمة بالحد من غلاء المعيشة والرفع من الحد الأدنى للأجور. وقد تم احتواء هذا الزخم النضالي بإجراءات اقتصادية واجتماعية ودستورية أعلن عليها الملك في خطابه يوم 9 مارس اعتبرت لدى البعض استجابة جزئية لمطالب الحركة ولدى البعض الآخر التفافا عليها.

“فلنحتلّ وول ستريت” (الولايات المتحدة)

أما في الولايات المتحدة الأمريكية، ففي سنة 2011 كانت آثار الأزمة المالية لسنة 2008 مازالت قائمة، فثار جزء من الشباب المتعلم ضحايا الأزمة ضد أمولة الاقتصاد من خلال تنظيم حركات احتجاجية، تولدت عنها حركة عارمة تحت مسمّى “فلنحتلّ وول ستريت” التي لم تجمع في البداية سوى عدد قليل من المتظاهرين الذين كانوا ينصبون الخيام في حديقة مانهاتن، لكنها سرعان ما اكتسبت زخماً حالما حصلت على دعم النقابيين وسكان نيويورك. فنظمت مظاهرات ضخمة في وسط المدينة وتلقت الكثير من ردود الفعل الإيجابية في بقية أنحاء البلاد، حتى أنها انتشرت في بلدان أخرى كثيرة، منها اسبانيا.

اسبانيا : من حركة “الساخطين” إلى “قادرون”

إذ انتظم أول احتجاج في مدريد في 15 مايو / أيار 2011، حيث تظاهر مئات الآلاف من الشباب ثم احتلوا ميدان “باب الشمس” (puerta del sol) وأقاموا فيه مخيما ضخما، واختاروا لهم في البداية اسم “الساخطين” (les indignés) نسبة إلى عنوان كتاب Indignez-vous للكاتب ستيفان هيسيل. ثم امتدت الحركة إلى العواصم الأوروبية الكبرى مثل باريس أو لندن وبروكسل. وتتمثل خصوصياتها في اللاعنف واستخدام الشبكات الاجتماعية للحصول على المعلومات والتعبئة، وهو نفس الأسلوب الذي استخدمه نشطاء السيرورات الثورية في البلدان العربية.

لكن هذه الحركة ستشهد تطوّرا كبيرا على شتى الأصعدة بما فيها التنظيمي، إذ سرعان ما تحوّلت الى حزب سياسي اختار لنفسه اسم “قادرون” (Podemos) وانخرط بطمّ طميمه في العملية السياسية في اسبانيا التي تتحكم فيها منذ نهاية حكم فرانكو الأحزاب التقليدية اليمينية منها (الحزب الشعبي) واليسارية (الحزب الاشتراكي الموحد والحزب الشيوعي)، إذ أصبح حزب “بوديموس” جزءا من هذا المشهد لا يختلف في شيء عن غيره من الأحزاب البورجوازية.

بوركينا فاسو : إسقاط بلاز كومباوري لم يكن كافيا لتجذير الثورة

أمّا في إفريقيا، فقد امتدّ صدى الموجة الثورية التي عاشتها المنطقة العربية في مستهل العشرية الثانية من هذا القرن الى عدة بلدان لعل أبرزها “بوركينا فاسو” التي شهدت يومي 30 و31 أكتوبر 2014 حركة احتجاجية كبيرة توجهت إلى البرلمان لمنعه من إقرار التحوير الدستوري الذي كان سيبيح للرئيس “بلاز كمباوري” الترشح مجددا للرئاسة التي يتربع على عرشها منذ انقلابه على “توماس سانكارا” سنة 1987. لكن الشراسة التي ووجه بها المتظاهرون حوّلت هذه الحركة الاحتجاجية السلمية إلى انتفاضة عارمة، تدخلت أطراف عديدة وخاصة الامبريالية الفرنسية لإخمادها وتحويلها عن المسار التي بدأت تخطّه لنفسها. وفرّ “بلاز كومباوري” الى كوت ديفوار المجاورة، كما فرّ بن على قبله، أملا في العودة حالما يسترجع جهازه القمعي مقاليد الأمور، إلا أنها كانت رحلة بلا عودة، بل إن القضاء البوركيني حكم عليه غيابا بالمؤبد في قضية اغتيال الرئيس الأسبق توماس سانكارا.

وفي الختام…

يمكن القول إنه زيادة على هذا الصدى العالمي لثورة تونس، أصبحت البلاد لمدة السنوات التي عقبت الثورة قبلة لعديد الديمقراطيين والتقدميين والثوريين من كل الأطياف الذين كانوا يقصدونها للتعبير عن التعاطف والتضامن مع الشعب التونسي الذي لم يكن يعلم أنه بثورته قد فتح آفاقا لعديد الشعوب في العالم ليجتازوا حاجز الخوف ويجرؤوا على النضال.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×