الرئيسية / صوت العالم / قانون الهجرة في فرنسا: فصل عنصري جديد ضدّ المهاجرين
قانون الهجرة في فرنسا: فصل عنصري جديد ضدّ المهاجرين

قانون الهجرة في فرنسا: فصل عنصري جديد ضدّ المهاجرين

بقلم عادل ثابت

قانون جديد ينضاف إلى ترسانة قوانين الهجرة المتضخمة في فرنسا والتي تجاوز عددها العشرين خلال الأربعين سنة الأخيرة، وهو ينضاف أيضا إلى آليات وتشريعات الاتحاد الأوروبي في هذا المجال.
جل هذه القوانين تندرج في جوهرها في إطار تعاطي نفعي وأمني مع ظاهرة الهجرة وفي سياق العلاقات النيوكولونيالية بين الشمال والجنوب.
علاوة على هذه الثوابت العامة التي تحكم سياسة الهجرة الفرنسية، يتنزّل القانون الأخير ضمن سياسات ماكرون وحكوماته المتعاقبة في خدمة مصالح الرأسمال الكبير وتحميل أعباء الأزمة للكادحين وعموم الفئات الشعبية ومن ضمنهم المهاجرين، سواء في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية (غلاء المعيشة وتراجع المقدرة الشرائية، التمديد في سن التقاعد… الخ) أو في أبعادها السياسية عبر ضرب الحقوق والحريات واعتماد المقاربات الأمنية في التعاطي مع الحركة الاجتماعية.

المجلس الدستوري يسقط جزء هاما من مشروع القانون المصادق عليه

قام المجلس الدستوري يوم 25 جانفي بحجب جزء هام (حوالي 40 %) من فصول مشروع القانون. حيث أسقط 32 فصلا بصفة كلية أو جزئية بسبب تنقيحات لا تتصل، بصفة مباشرة أو غير مباشرة، بمواضيع فصول مشروع القانون الذي تمّ تقديمه في البداية. كما أسقط 3 فصول بصفة كلية أو جزئية لعدم دستوريتها، علاوة عن تحفظه حول تأويل فصلين من مشروع القانون. وهو – أي العدد الكبير من الفصول التي سقطت – أمر نادر، وإن دلّ على شيء فهو يدلّ عن الطريقة البائسة التي اعتمدتها الحكومة لفرض هذا المشروع والمناورات التي حفت بالتصويت عليه.
إن أغلبية الفصول التي تمّ إسقاطها جاء بسبب الشكل، ولم يتمّ النظر فيها من حيث الأصل رغم طابعها التمييزي والعنصري وعدم دستوريتها، وهو ما يترك الباب مفتوحا أمام أصحابها لتقديمها مستقبلا.
لكنّ هذا القرار، ولئن أسقط الفصول الأكثر زجرية من مشروع قانون الهجرة، فإنه أقرّ جوهر نص المشروع الأصلي الذي قدمته الحكومة في البداية، وهو قانون زجري ومعادي لحقوق المهاجرين والأجانب.
ورغم حجب جزء هام من مشروع القانون، فإن ماكرون لم يتردّد في التعجيل بنشره بكل صلف منذ اليوم الموالي بالرائد الرسمي، وكذلك الشأن بالنسبة لوزير الداخلية دارمنان الذي أصدر مباشرة تعليماته إلى المحافظين ليدعوهم إلى التطبيق الفوري لمقتضيات القانون الجديد، وعلى رأس ذلك إعادة النظر في ملفات الإبعاد القسري بعد سقوط العديد من الموانع القانونية.

ماراطون تشريعي ومساومات

كان من المفترض أن ينطلق البرلمان في النظر في مشروع قانون الهجرة بعد إيداعه لدى مجلس الشيوخ في 1 فيفري 2023، إلا أن تواصل الحركة الاحتجاجية النقابية والمظاهرات الرافضة لقانون التمديد في سن التقاعد، الذي وقع تمريره بالقوة دون التصويت عليه في البرلمان، بعثر أجندة ماكرون وحكومته وقتها، واضطرّهما إلى المناورة وسحب مشروع قانون الهجرة في انتظار تهدئة الحركة الاجتماعية وتوفر ظروف أسنح لتمريره. وهو ما تمّ في شهر نوفمبر الفارط، إلا أن مشروع القانون سقط مرّة أخرى بعد رفض مجلس النواب النظر فيه بغالبية الأصوات. وعلى الرغم من ذلك، لم يتخلى ماكرون ودارمنان عن مشروعهما بل دفعا نحو إعادة صياغته في اتجاه تعميق طابعه الزجري والعنصري تلبية لمطالب اليمين واليمين المتطرف قصد عقد صفقة معهما للحصول على أصواتهما وضمان أغلبية في البرلمان. وهو ما جرى فعلا بالمصادقة على مشروع القانون في صيغته الجديدة يوم 19 ديسمبر الماضي.

قانون زجري وعنصري

يمكن القول بأن القانون الجديد جاء لتضييق الخناق على المهاجرين الذين حوّلتهم الدعاية الرسمية إلى سبب من أسباب الأزمة وجب التحكم فيه ومحاصرته عبر تشديد شروط الحصول على الإقامة. في هذا السياق تمّ الترفيع في الشروط المتعلقة بإتقان اللغة الفرنسية لمنح الإقامة، وبذلك تحوّلت اللغة إلى أداة فرز وتمييز ليست في متناول عدد واسع من الأجانب بما يمكّن من استثناءهم من الحق في الإقامة. كما حصر القانون إمكانية الحصول على الإقامة عبر الشغل في العاملين في “المهن تحت الضغط” (métiers en tension)، وهو ما يستثني غالبية العمال المهاجرين الذين يشتغلون في قطاعات هامة مثل البناء والمطاعم والنظافة وغيرها من القطاعات التي لا تشملها القائمة الرسمية.
أمّا على مستوى الإجرائي فقد جاء القانون الجديد لمزيد تعقيد إجراءات مطالب الإقامة، بما يفسح المجال أمام مزيد رفض إسناد الإقامة أو سحبها. كما أغلق الباب بصفة نهائية أمام من صدرت في حقهم قرارات الإبعاد (OQTF) وقام بتسقيف تجديد الإقامة المؤقتة بثلاث مرات. وحتى بطاقة الإقامة الدائمة (10 سنوات) التي كان يتمّ تجديدها بصورة آلية لم تسلم من القانون الجديد وأصبحت خاضعة لجملة من الشروط.
القانون الجديد وسّع أيضا في مجال تنفيذ الإبعاد القسري وفتح الباب أمام اعتماد معايير غير موضوعية لاتخاذه مثل “تهديد الأمن العام” وهو تقدير تتحكم فيه الإدارة، كما مدّد في آجال الإيقاف داخل مراكز الاحتفاظ ووسّع دائرة اللجوء إليه.
لا نغالي في شيء إذن حين نعتبر هذا القانون زجريا وعنصريا يستهدف المهاجرين دون سواهم ويجعل منهم كبش فداء لأزمة لم يتسببوا فيها. بل صار هذا الاستهداف ممنهجا ومفضوحا، ولم يعد حكرا على اليمين واليمين المتطرف، ليصبح سياسة دولة يسهر على تنفيذها ماكرون وفريقه، الغاية من وراء ذلك طبعا هي التغطية على الأسباب الحقيقية لأزمة الرأسمالية المتعفنة وتوجيه غضب الفئات الشعبية المتضرر الرئيسي منها ضدّ أشقاءهم وأبناء طبقتهم من المهاجرين.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×