الرئيسية / صوت العالم / كيف تقيّم الأحزاب الإفريقية الوضع في القارّة وما هي بدائلها؟
كيف تقيّم الأحزاب الإفريقية الوضع في القارّة وما هي بدائلها؟

كيف تقيّم الأحزاب الإفريقية الوضع في القارّة وما هي بدائلها؟

ترجمة مرتضى العبيدي

تنويه: للإجابة على هذا السؤال، ننشر اليوم ترجمة لنص من أدبيات الحزب الشيوعي الثوري لبوركينا فاسو وهو أحد الأحزاب المؤسسة للندوة الدولية للأحزاب والمنظمات الماركسية اللينينية حول الأوضاع في القارّة الإفريقية على ضوء النضالات التي تشهدها بلدان القارّة في مواجهة العقد الاستعماري الجديد التي تسعى القوى الإمبريالية إلى تكبيلها به.

1 ـ مميّزات الوضع الراهن في القارّة

تشكل القارّة الإفريقية هدفا للأطماع ومركزا للتنافس بين الإمبرياليين في إطار تفاقم أزمة النظام الإمبريالي والصراع حول تقاسم مناطق النفوذ الجيوستراتيجية، وتمرّ بمنعرج سياسي كبير يتّسم بالأحداث التالية:

  • في جهات عديدة من القارّة (إفريقيا الغربية والوسطى والشرقية والأسترالية، الخ…) تعيش مختلف الدول اضطرابا عميقا من جرّاء أزمة النظام الرأسمالي، وبالتالي فهي مستضعفة وعاجزة عن الإيفاء بطموحات ومطالب الشعوب التي تعيش الفقر والبؤس.
  • إنّ الأنظمة الاستبدادية والفردية الناتجة عن الانقلابات العسكرية والتزوير الانتخابي أو عن حروب أهلية رجعية تفرض على الشعوب نمطا اجتماعيا يتسم بغياب الحريات الديمقراطية الدنيا.
  • إن الصراعات العسكرية والعنف يتكاثر في مختلف بلدان ومناطق القارّة الإفريقية (ساحل العاج، النيجر، السينيغال، مالي،بوركينا فاسو، موريطانيا، جمهورية إفريقيا الوسطى، غينيا بيساو، السودان، جمهورية الكونغو الديمقراطية).
  • إن الصراع يحتدّ بين مختلف القوى الإمبريالية (الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، الخ…) والقوى الطامعة الجديدة مثل الصين وروسيا والهند والبرازيل وتركيا من أجل مراقبة مناطق النفوذ في إطار الصراع من أجل إعادة تقسيم العالم. وتندرج هذه التناحرات أيضا في إطار السعي إلى الاستحواذ على الأسواق وعلى نهب الثروات الشاسعة المنجمية والفلاحية بإفريقيا (النفط، اليورانيوم، النحاس والكولتان، والقهوة والكاكاو).
  • إن تنامي النضالات من أجل التحرّر السياسي والانعتاق الاجتماعي للشعوب الإفريقية وخاصة لدى الشباب من خلال انفجارات اجتماعية وتحرّكات شعبية مكثّفة تهدف للتعبير بقوة عن مطالبهم من أجل الحقوق الديمقراطية والاجتماعية.

إنّ هذه النضالات ـ مع التأكيد على التطوّر اللامتساوي حسب البلدان ـ موجّهة أساسا ضدّ:

  • برامج الإصلاح الهيكلي المفروض من طرف القوى الإمبريالية وأجهزتها المالية: صندوق النقد الدولي، البنك العالمي والمنظمة العالمية للتجارة.
    الأنظمة الاستعمارية الجديدة البيروقراطية والرجعية والأوتقراطية عسكرية كانت أم مدنية وأدوات قمعها والأحزاب. الدول وقوى الدفاع والأمن الفاشية ودولة اللاقانون، الخ…
  • هذه الحركة تستحقّ عنايتنا الخاصّة من أجل تحليلها واستخلاص الدروس على أساس مبادئنا الماركسية اللينينية من أجل الدفع إلى الأمام بنضالات البروليتاريا والشعوب الإفريقية نحو التحرّر الوطني والاجتماعي.

2 ـ الخاصيات الأساسية لحركة التحرّر السياسي والاقتصادي والاجتماعي للشعوب الإفريقية:

أ) إن المطالب السياسية والاقتصادية والاجتماعية الموضوعة في الصدارة من طرف الشعوب الإفريقية تتّصل بالمبادئ التالية:

  • الحرية السياسية ودولة القانون الديمقراطي الحقيقي الذي يفتح المجال الكامل أمام التمتع الكلي بالحريات الفردية والعامّة وأمام التطوّر الاجتماعي.
  • حرية التعبير والنشاط والتنظم بما في ذلك حرية بعث أحزاب سياسية في إطار تعدّدية كاملة.
  • الحقّ في تقرير المصير، الحقّ في الاختيار الحرّ للنظام السياسي والاقتصادي، ورفض الاعتداءات والتدخّل العسكري الإمبريالي ورفض نهب التراث والثروات العمومية المرتبطة ببرامج الخوصصة المملاة من طرف صندوق النقد الدولي والبنك العالمي.
  • الشغل للجميع، التمتع بالخدمات الصحية والسكن اللائق للجميع والحق في التعليم للجميع والقضاء على الأمية وبلوغ الاكتفاء الذاتي الغذائي، الخ…

ب) إنّ حركة التحرّر السياسي والاجتماعي تتّسم بالطابع الجماهيري: ملايين الرجال والنساء والشباب يهتمّون بالحياة السياسية ويدخلون في صراع نشيط وبكل عزم من أجل تحقيق مطالبهم المشروعة. لقد قامت في كثير من البلدان مظاهرات قويّة شعبية ضدّ غلاء المعيشة وضدّ الفساد والتحيّل الضريبي والإفلات من العقاب في الجرائم السياسية والاقتصادية (مسيرات، تجمّعات تتحوّل إلى مواجهات دامية مع فيالق عسكرية)، إضرابات اقتصادية وسياسية جماهيرية. بعض التحرّكات اكتست طابع العصيان (البينين، الطوغو، بوركينا فاسو، جمهورية الكونغو الديمقراطية، مدغشقر، إفريقيا الجنوبية، مالي).
ج) إنّ حركة التحرّر السياسي والاجتماعي الحالي للشعوب الإفريقية تستهدف أساسا النظام الاستعماري الجديد مغرقة البورجوازيات الفاسدة الحاكمة في اليأس والحيرة. وتُظهر هذه الحركة أنّ الثورة الديمقراطية المعادية للإمبريالية والرجعية والبيروقراطية كبديل للأوضاع الراهنة مطروحة للإنجاز الفوري من أجل إقامة وتثبيت نظام اجتماعي جديد يرتكز على التحرّر التامّ للإنسان على المستوى المادّي والفكري والثقافي والأخلاقي والروحي.
د) ولكن ما يميّز هذه الحركة هو ضعف أو غياب العامل الذاتي للثورة، وهو ما يفسّر النواقص السياسية والمحدودية التنظيمية التي تشكّل عوائق تمنع الشعوب، حتّى في الحالات الثورية، من تحويل هبّاتها إلى ثورات حقيقية. إنّ هذا الضعف السياسي والإيديولوجي والتنظيمي يعطي هامشا لتصرّف القوى الإمبريالية وبيادقهم الأفارقة للالتفاف على هذه الحركات الحاملة لآمال البروليتاريا والشعوب.
ه) إنّ نضال الشعوب الإفريقية من أجل التحرّر والانعتاق يؤكّد بلا لبس صحّة المقولات الماركسية ـ اللينينية ويبرز النقاط التالية:

  • إنّ النظريات البورجوازية والنظريات الإصلاحية من مختلف المشارب حول استحالة الثورة قد سقطت تدريجيا بالنضال الملموس للجماهير الشعبية المنادية بنظام اجتماعي تقدّمي جديد مكان النظام الرأسمالي الاستعماري الجديد الفاشل الذي انتهى زمانه. لقد انهزمت كذلك تباعا النظريات الاستسلامية حول “القوّة التامّة للإمبريالية التي لا تُقهر والتي كان على الشعوب أن ترضخ لها. إنّ الشعوب الإفريقية التي أثبتت عزمها وبطولتها ضدّ الأنظمة الاستعمارية الجديدة (كما في النيجر ومالي وبوركينا فاسو والبينين والسينيغال ونيجيريا، الخ…) موقعين الإمبرياليين وحلفائهم في حيرة. إنّ الثورة في تونس ومصر التي أطاحت بدكتاتوريات بن علي ومبارك تُعتبر أمثلة ساطعة للفكر المقاوم والمناضل للشعوب. كل ذلك يُبرهن على أنّ قدرات الإمبريالية تتآكل، وإنّها تمرّ بمرحلة التقهقر، بينما تنمو تدريجيا قدرات البروليتاريا والشعوب.
  • إنّ المحاولات التي تبذلها الإمبريالية وحلفاؤها بإفريقيا من اجل محاصرة أو تصفية حركة تحرّر شعوب القارّة تبيّن بوضوح:

أنّ النضال المعادي للإمبريالية، وحتّى يكون هادفا، عليه أن يكون في نفس الوقت نضالا ضدّ الطبقات والفئات الحليفة للإمبريالية. إنّه نضال طبقي في الآن نفسه.
– إنّ الثورة الديمقراطية المعادية للرجعية والبيروقراطية التي هي قضية الساعة في إفريقيا، عليها أن تحدّد كهدف لها الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية وهو المحتوى الأساسي لثورات العصر، عصر الإمبريالية والثورات الاشتراكية.

  • إزاء تنامي النضالات الشعبية، تواجه الإمبريالية وحلفاؤها الأفارقة الشعوب بعنف رجعي وحشي (اغتيالات سياسية، اعتداءات على المظاهرات السلمية، اعتقالات وتعذيب وحشي ضد مناضلي الحرية، تدخّل وحشي من الفيالق العسكرية الأجنبية لإنقاذ النظام الاستعماري الجديد). وباستخلاص الدروس من ممارسات الإمبريالية وحلفائها، تتبيّن الجماهير الشعبية شيئا فشيئا ضرورة العنف الثوري، وبشكل طبيعي، تضع على جدول أعمالها بصورة عملية العصيان المدني كشكل نضالي أرقى.
  • ومع الهزيمة المؤقتة للاشتراكية على الصعيد العالمي وممّا نتج عنها من تراجع في المدّ الثوري، أعلنت البورجوازية الرجعية والانتهازيون والإصلاحيون من مختلف المشارب مبكّرا نهاية الشيوعية والإيديولوجيات وما ارتبط بها. “الصراع الطبقي، ضرورة المصالحة الوطنية، التسامح والعفو، الخ…” إنّ الوضع الرّاهن يكذّب هذه التكهّنات. فالحياة ستبيّن بأكثر وضوح أنّ تلك الادّعاءات إنّما هي نابعة من تيّار مهادن أمام الهجمة الإمبريالية والرجعية يحاول الاحتماء بنظريات تدّعي إمكانية إدخال إصلاحات عن النظام الرأسمالي القبيح ذي الجراح المقرفة. إنّ الإصلاحية في وضع إفريقيا الراهن تهدف إلى الدفاع عن النظام الاستعماري الجديد وإلى إعاقة أيّ حلّ ثوري للأزمة التي تعصف بالقارّة الإفريقية.

وعلى ضوء هذا التوصيف الدقيق لأزمة النظام الاستعماري الجديد في إفريقيا، ما هي البدائل التي تقترحها الأحزاب الماركسية اللينينية في القارة؟ وهو ما سنتناوله في العدد القادم.

إلى الأعلى
×