الرئيسية / صوت الوطن / أوضاع التونسيّين على غاية من السّوء في هذا “العهد السّعيد”
أوضاع التونسيّين على غاية من السّوء في هذا “العهد السّعيد”

أوضاع التونسيّين على غاية من السّوء في هذا “العهد السّعيد”

بقلم علي المالكي

لم تحدث الثورة التونسية تحوّلات جذريّة في أوضاع الشعب التونسي سياسيّا واجتماعيّا واقتصاديّا وثقافيّا وحقوقيّا، مردّ ذلك أسباب عديدة يطول شرحها، أهمها ضعف التنظيم الثوري والعامل الذاتي.
ومن المؤكد أنّ من وصلوا إلى سدّة الحكم بعد الثورة دمّروا البلاد باتّباعهم لنفس خيارات بن علي التي ثار عليها الشعب. والمؤكد جدا أنّ قيس سعيد الذي وصل السلطة على حين غفلة هو أيضا، رغم كل الشعارات التي يرفعها، يتّبع نفس خيارات بن علي ومن حكم قبل 24 جويلية 2021، ويواصل في تدمير البلاد مع بيع الوهم بالرخاء المنشود وفيضان خزائن الدولة.
إنّ أسرة مكوّنة من أربعة أفراد تحتاج للعيش في تونس العاصمة إلى مبلغ 3500 دينار دون احتساب كلفة الكراء ويحتاج شخص واحد إلى مبلغ 975 دينارا شهريا.
وكما كان منتظرا، قامت حكومة التفقير باعتداءات جديدة وخطيرة على قوت الشعب وذلك بالترفيع في أسعار عديد المواد الأساسية والخدمات مثل الماء الصالح للشراب والكهرباء والنقل والسكر والحبوب ومشتقاتها…
إنّ الخيارات اللاّوطنيّة واللاّشعبية المتّبعة من قبل مجمل المنظومة الطبقية والسياسية المتنفذة لن تجلب للبلاد وللشعب سوى مزيد من التبعية والتفقير الذي تتصاعد درجاته أكثر من أيّ وقت مضى وتحميل فاتورة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية للطبقات الكادحة والطبقات الشعبية لترفل لوبيات البنوك والاقتصاد والمضاربين المتربّعة على جماجم المفقرين والمسنودة بالمافيا والمهرّبين والمتهرّبين في الحرير.
إنّ مستوى المعيشة في البلاد تدهور على نحو خطير خلال السنوات الأربع الأخيرة، ويعود ذلك إلى غلاء الأسعار وعجز الحكومات المتعاقبة عن التحكم في أسعار المواد الأساسية. ولم ينعكس غلاء الأسعار فقط على الطبقة الفقيرة بل تضرّرت منه الطبقة الوسطى التي تعيش معاناة صعبة بسبب تفاقم لجوئها إلى المديونية وقد شهدت أغلب السلع الاستهلاكية في تونس وإن توفرت ارتفاعا ملحوظا مقارنة بما كان الوضع عليه قبل أربع سنوات حيث بلغ سعر الكيلوغرام من لحم الضأن نحو 48 دينارا مقابل 30 دينارا، في حين قفزت أسعار الحبوب والخضر والغلال بشكل ملفت.
أما أسعار كراء المساكن فقد تضاعفت بنحو الضعفين مقارنة بالعام 2010 نتيجة تزايد أعداد الوافدين على المدن. كما ارتفعت فواتير الكهرباء والغاز والماء والاتصالات بسبب الزيادات المتتالية التي أقرتها الحكومة حكومات الفشل المتعاقبة بعد 14 جانفي 2011.
إنّ غلاء الأسعار دفع أصحاب الدخل الضعيف والمتوسط إلى الاقتراض من أجل المحافظة على مستواهم المعيشي، الأمر الذي أضعف قدرتهم على الادّخار وأضعف مستوى الادّخار الوطني.
واقتصاديا يعرّف التضخم بارتفاع أسعار السلع والخدمات نتيجة لانخفاض القوة الشرائية للدينار مقابل العملات الأجنبية ويترتب عن ذلك ارتفاع في أسعار المواد الاستهلاكية والخدمات مما يؤدي إلى انخفاض قيمة الدينار ليدور الاقتصاد في حلقة مفرغة.
وأعلن المعهد الوطني للإحصاء يوم الخميس 16 ماي 2024 أنّ النمو الاقتصادي في البلاد تباطأ إلى 0.2% في الربع الأول من العام الحالي مقارنة مع 1.1% في الفترة نفسها من العام الماضي.
وإنّ النمو يأتي مدفوعا بارتفاع القيمة المضافة في قطاع الخدمات، الذي بلغ 1.9% على أساس سنوي، كما تعافى نشاط القطاع الزراعي، بعد مواسم زراعية متتالية صعبة، مسجلا نموًّا نسبته 1.6%. ومقارنة مع الربع الأخير من السنة الماضية، نما الناتج المحلي الإجمالي التونسي 0.6%، بعد ما ارتفع 0.5% في الربع الأخير من 2023، ورغم هذه الوتيرة الإيجابية للنمو، لم يدرك الناتج المحلي الإجمالي بعد مستواه المسجل أواخر سنة 2019، أي قُبيل جائحة كورونا.
وارتفع حجم الطلب الداخلي 0.4% في الربع الأخير، ليظل بالتالي الدافع الأساسي لمسار النمو مساهما إيجابيا بنسبة 0.45% في نسبة النمو المسجلة (0.2%)، وسجلت المبادلات الخارجية من السلع والخدمات نموا سلبيا نسبته 0.26% نقطة. وقد مثّلت أنشطة قطاع الخدمات الدافع الأساسي للأداء الاقتصادي التونسي خلال الربع الأول من 2024، إذ زادت القيمة المضافة 1.9% على أساس سنوي بفعل نشاط قطاع الضيافة والمطاعم والمقاهي، الذي حافظ على نمو سنوي مرتفع نسبيا نسبته 6.6% وتطورت أنشطة الخدمات غير المسوقة بـ1.5%.
وساهم نمو القطاع الزراعي 1.6% في نمو الاقتصاد التونسي خلال الربع الأول من 2024 بواقع 0.1% من نسبة النمو الكلية المسجلة.
وفي المقابل، تراجع حجم القيمة المضافة في قطاع الطاقة، والمناجم، والماء والتطهير ومعالجة النفايات بحوالي 9.9% مقارنة بالربع الأول من السنة السابقة. من ناحية أخرى، أبرزت النتائج تسجيل انكماش جديد، في قطاع البناء والتشييد، بنحو 6.8% خلال الربع الأول من السنة الجارية.
وفي المجموع، يكون القطاع الصناعي قد سجّل تراجعا في قيمته المضافة بنحو 0.5% خلال الثلاثي الأوّل من سنة 2024 مقارنة بالثلاثي المماثل في السنة الماضية.
إنّ سياسة الشعبوي قيس سعيد وحكومته لم تحقق لشعب تونس سوى مزيد من الفقر ومزيد من الحرمان. أضف إلى ذلك فإنّ “تطهير” المؤسسات وطرد العمال بصدد التضاعف. والمقدرة الشرائية للمواطن لم تشهد تدهورا كالذي عرفته في عهد الشعبوية وعشرية حكم الإخوان وهي نتيجة منطقية لتحرير الأسعار وتجميد الأجور. إنّ المواطن العادي أصبح يعي أنّ سبب فقره وبؤسه هو توجهات الدولة بعد أن أدرك أن لا شيء يجعل بعض المواد الفلاحية مثل الأعلاف والزيت والسكر والدواجن والحليب والغلال والخضر تطير أسعارها وتختفي أحيانا من السوق.
إنّ حكومة لا تحترم مواطنيها ليست جديرة بالاحترام ونحن في حزب العمال نرفض تحميل الشعب تبعات اختيارات تولد البطالة والفقر والتهميش، وتخلق مناخا مواتيا لتفاقم الجريمة والمخدرات والتهريب.

إلى الأعلى
×