الرئيسية / صوت الوطن / انفصام الخطاب والممارسة في التعاطي مع تعبيرات المساندة للمقاومة الفلسطينية
انفصام الخطاب والممارسة في التعاطي مع تعبيرات المساندة للمقاومة الفلسطينية

انفصام الخطاب والممارسة في التعاطي مع تعبيرات المساندة للمقاومة الفلسطينية

بقلم الشاذلي المغراوي

تصدّعت آذاننا ولا تزال من تخوين كل من يتعامل مع الكيان الصهيوني الغاصب وأن التطبيع خيانة عظمى، الخ. غير أن الوقائع عنيدة وهي ليست كذلك، إذ تشعر بالرعب والفزع وأنت تشاهد طريقة التعاطي البوليسي مع أحباء جمعية رياضية لمّا أرادوا التعبير عن موقفهم المنحاز للحق الفلسطيني وتنديدا بجرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها العصابات الصهيونية ضد شعب أعزل متجاوزة كل الأعراف والمواثيق الدولية، بل وصل الصلف حد تهديد قضاة محكمة الجنايات الدولية.
فأحباء جمعية النادي الإفريقي عبّروا بطريقتهم من خلال رفع الأعلام وارتداء الكوفية الفلسطينية مع شعارات متداولة جامعين بين حبهم لجمعيتهم وفلسطين وقد زينوا ملعب رادس كأحسن ما يكون وانطلقت الحناجر صادحة بحبهم لفلسطين مشعلين الشماريخ ورافعين الأعلام وهاتفين بتمجيد المقاومة وبطولة الشعب الفلسطيني الأبي. غير أن البوليس التونسي الذي لم يعرف من التعامل مع الجماهير إلا طريقة واحدة وهي التعاطي الأمني القائم على القوة وعنف الماتراك والقنابل المسيلة للدموع وتفريق تلك الجماهير بطريقة مرعبة وفوضوية، أغلق المنافذ وانطلق في المحاصرة والملاحقة والضرب. فالبعض وقع دهسه تحت الأقدام وهناك من اختنق بالغاز المسيل للدموع مع انعدام الرؤية، فيما لجأ آخرون إلى تسلق الجدران والقفز من فوقها.
فهل تجاوزنا مرحلة “تعلّم عوم” إلى مرحلة “تعلم اقفز أو نقز” وقد هالك المشهد وأنت ترى أحد المشجعين يجري وسط الملعب متشبثا برفع العلم الفلسطيني وسط القنابل المسيلة للدموع والدخان المتصاعد حتى أنك تكاد تخال نفسك على أرض المعركة في غزة أو خان يونس أو جنين أو رفح أو أيّ منطقة من فلسطين الحبيبة تتعرّض للقصف العشوائي. ولكن الأمر لا يقف عند ذلك الحد. فربما تبرر ذلك بأن قوات البوليس لا تعترف بغير منطق القوة والعنف. بل إن ما يثير الغرابة ويتناقض مع الخطاب الرسمي للسلطة حول المساندة المطلقة للقضية الفلسطينية هو ما طرح أخيرا على شبكات التواصل الاجتماعي حيث تنادى مجموعة من الشباب التلمذي المتأثر بما يجري حوله في بعض الجامعات الغربية من اعتصامات ومظاهرات منددة بالجرائم الصهيونية والداعية إلى وقف الحرب والإبادة والدمار. إذ فكر هؤلاء التلاميذ في ارتداء الكوفية الفلسطينية خلال إجراء امتحانات البكالوريا. ولكن ما راعنا هو انزعاج وزارة التربية والإسراع بإصدار بلاغ يمنع منعا باتا لباس الكوفية الفلسطينية خلال فترة امتحان البكالوريا. فأين نحن من مساندة الشعب الفلسطيني. وما ضرّ لو لبس التلاميذ يومها الكوفية الفلسطينية وأين نحن من شعار “التطبيع خيانة عظمى”. فهل تخشى الدولة مجرد ارتداء كوفية؟
إن تعاطي الدولة مع القضية الفلسطينية يبقى على مستوى الشعارات، أمّا فعليا فهي تجرّم الأنشطة الميدانية المساندة للقضية الفلسطينية حيث عمدت قوات البوليس في المدة الأخيرة إلى شن حملة تقصّي واستخبار بجهة زغوان على خلفية أنشطة ميدانية (معلقات حائطية، توزيع بيانات… الخ.) داخل بعض المؤسسات التربوية والجامعية. وقد جُنّ جنون البوليس الذي لم يتفطن إلى ذلك النشاط في وقته الأمر الذي جعله يرابط أمام تلك المؤسسات ولعدة أيام بالزي المدني والسيارات المدنية مستفسرا عن العناصر التي كانت وراء ذلك النشاط باثا الرعب في نفوس التلاميذ والطلبة وأقاربهم وحتى بعض العاملين بتلك المؤسسات. كل تلك التصرفات البوليسية أو الإدارية توضح بكل جلاء أن الدولة تتعاطى بطريقة لا مبدئية مع قضية عادلة طالما صدعت رؤوسنا بالشعارات الجوفاء لمناصرة الحق الفلسطيني في التحرر والانعتاق وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس. وأين قانون تجريم التطبيع إذا كان التطبيع خيانة عظمى؟

إلى الأعلى
×