الرئيسية / الافتتاحية / ويتواصل تدهور أوضاع الشعب التونسي
ويتواصل تدهور أوضاع الشعب التونسي

ويتواصل تدهور أوضاع الشعب التونسي

تشهد أوضاع الشعب التونسي المادية والمعنويّة تدهورا مستمرّا بفعل مواصلة نظام قيس سعيّد تكريس نفس الخيارات الرجعية التي سار عليها أسلافه الذين يدّعي أنّه جاء لتصحيح ما دمّروه. ولئن كان سعيّد، الذي نصّب نفسه حاكما فرديّا مطلقا، نراه يصرّ على أنّ الأوضاع بخير وأنّ ما ينشر من أرقام حول تدهور المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية تقف وراءه “لوبيات فاسدة وعميلة” فإنّ حقيقة الأوضاع المادية الملموسة التي يعيشها الشعب تسفّه هذه الدّعاوي وتؤكّد استمرار ما ذكرنا من تدهور. فالأسعار منفلتة كالعادة والتونسيون اعتادوا تدريجيّا الاكتفاء بالضروريات الدنيا وحتّى بأقلّ منها. وقد أصبحت في قناعة أغلب النّاس أن اللّحوم الحمراء والأسماك والغلال هي من “الكماليات” غير المقدور عليها. ومع تدهور خدمات الصحة والتعليم والنقل بشكل غير مسبوق فقد أصبح استيراد “الخردة” من حافلات “العكري” حدثا اقتصاديّا مهمّا تتفاخر به وزارة النقل والسّلطة وزبانيتها وتتصارع الإدارات الجهوية من أجل نيل عدد منها ليخصّص للنّقل المدرسي. وبدخول فصل الصيف الذي ارتبط في ذاكرة التونسيين بظاهرتين متناقضتين يسر العيش من جهة وـوفرة “الناموس والوشواشة” من جهة أخرى فإنّه أصبح مع الشعبوية مرتبطا بالانقطاع المستمرّ للتيار الكهربائي ومياه الشّرب وهي حالة معمّمة في أغلب الجهات تقريبا وخاصة منها الداخلية، علما وأنّ انقطاع الماء يتمّ في سنة قياسية من جهة حجم التساقطات التي استمرّت حتى شهر ماي بما يؤكد أنّ المسألة تتعلق بسياسة التدبير والتسيير.
ولئن يتجه الخطاب الشعبوي إلى زرع وهم الانتصار للطبقات والفئات المسحوقة، فإن أوضاع هذه الأخيرة تعرف تواصل البؤس الذي طال الأساتذة والمعلمين النوّاب والمرشدين التربويين الذين يُعدّون للاحتجاج قريبا، فيما تعرف مختلف مجموعات الخريجين تناميا للغضب بعد أن اقتنع جزء منهم أنّ السلطة ليس لديها تجاههم إلا الوعود الزائفة، وهم يعدّون العدة للتحرّك مثلما أعلنت ذلك مجموعة “يزّينا” في الرديف التي أعادت طرح الملفات الحارقة في المدينة وفي مدن الحوض المنجمي التي يتزايد فيها البؤس والفاقة مثلها مثل كل ربوع الوطن بحكم خيارات لا شعبية ولاوطنية سائدة منذ عقود. وبطبيعة الحال فإن أوضاع الحريات تتقهقر هي أيضا باستمرار. فقد أصدر قضاء التعليمات الأسبوع الفارط أحكاما غيابية تجاوزت العشرين عام سجنا ضد منصف المرزوقي وعبد الرزاق الكيلاني وآخرين بنفس تهم التآمر المعتادة. كما تمّ نقل مجموعة من المساجين السياسيين إلى سجون بعيدة عن مقرات سكنى عائلاتهم تكريسا لسياسة التنكيل بالخصوم والمنتقدين مثلما مارسها نظام بن علي على مدى عقدين كاملين من حكمه الدكتاتوري.
إنّ الخيط الناظم لمجمل الأوضاع في بلادنا هو التّدهور المستمر لأوضاع الشعب المادية والمعنوية. وهذا التدهور يغذّي الغضب الذي وإن كان محتشما اليوم فسيتوسع ويتصاعد بمرور الأيام طالما أنّ أسبابه تتفاقم. ولكن الحلّ يبقى دائما في نشر الوعي بين صفوف الشعب وتنظيم صفوفه وتطوير نضالاته المحدودة والمتفرقة اليوم لتتحول إلى تيّار عارم يجرف منظومة الاستبداد ويضع بلادنا ومجتمعنا على سكّة تغيير جذري وجدّي يحقّق ما لم تحققه ثورة 2010-2011 التي التفت عليها القوى الرجعية وأجهضتها وهي اليوم تصفّي المكسب الوحيد الذي جاءت به تلك الثورة ونعني مكسب الحريات. إنّ هذه المهمّة، أي مهمّة إسقاط الاستبداد وإن بدت اليوم صعبة ومعقّدة بحكم حالة الجزر التي يعرفها الوضع فإنّها تبقى المفتاح للنهوض ببلادنا وبالتّالي لا بدّ من أن نكرّس لها الجهد الفكري والعملي المطلوب فحالة التراجع ليست دائمة وما يبدو اليوم صعبا يصبح في لحظة من اللحظات في متناول الشعب الكادح الواعي والمنظّم بمختلف طبقاته وفئاته.

إلى الأعلى
×