الرئيسية / أقلام / السّطو على الهيئات الفرعية للانتخابات تحت أنظار الهيئة العليا
السّطو على الهيئات الفرعية للانتخابات تحت أنظار الهيئة العليا

السّطو على الهيئات الفرعية للانتخابات تحت أنظار الهيئة العليا

بقلم فوزي القصيبي

741مع اقتراب الموعد الانتخابي بدأت الألاعيب والحيل تأخذ شكلا وقحا ومفضوحا محاولة شقّ طريقها كالمعتاد غير مكترثة بالقوانين المنظّمة لهذه المنافسة الديمقراطية التي سوف تحدّد مستقبل بلد وشعب بأسره لسنوات عديدة. هذه الخروقات وهذه اللامبالاة تفضح أخلاق أصحابها ومدى احترامها لهذه الآلية الديمقراطية وللديمقراطية أصلا.

كما يعلم الجميع فإنّ العملية الانتخابية عمليّة معقّدة ودقيقة جدّا تعتمد بالأساس على هياكل تنظيميّة تسيّرها في كافّة مراحلها منذ التّسجيل إلى حدّ الإدلاء بالأصوات. ما يهمنا هنا بالأساس هو الهيئات الفرعية ومكاتب الاقتراع حيث أنّ تركيبتها تحدّد مستقبل العملية الانتخابية برمتها، لذا وجب الحذر والتحرّي في الهوية السياسية للأشخاص المترشحين لهذه الهياكل حتى لا تكون الانتخابات القادمة نسخة مطابقة لسابقاتها أين هيمن أعضاء وأنصار حركة النهضة على أغلبية المكاتب في غفلة من الأحزاب التقدمية والديمقراطية. إذا لم يعد مسموحا لهذه الأخيرة التّغافل مرّة أخرى على مسألة ذات أهمية قصوى والسّماح مجددا للنهضة ومشتقاتها وشبيهاتها الاستحواذ على هذه الأطر والتحكّم في العملية الانتخابيّة لتجنب إعادة سيناريو 23 أكتوبر والمنظومة العقيمة التى أفرزها والتي جثمت على صدورنا طيلة أكثر من ثلاث سنوات وعطّلت المسار الثوري.

ولم يتسنّ لنا التّخلّص منها نسبيّا إلاّ بعد دفع تكلفة باهظة جدّا وصلت حدّ ضريبة الدّم قدّمت من خلالها الجبهة الشعبية أربعة شهداء بالإضافة إلى شهداء الجيش وقوّات الأمن. إنّ جميع القوى التقدمية والديمقراطية مطالبة اليوم بإيلاء المسألة اللوجستيّة الأهمّيّة التي تستحقّ وذلك إن لزم الأمر بإحداث تنسيقيّات فيما بينها على هذا المستوى كما ذهبت إليه بعض الأحزاب.

الخارج.. الحديقة الخلفيّة

إنّ تركيبة الهيئات الفرعية شابتها شكوك كبيرة عبّرت عنها جمعيّات عديدة من المجتمع المدني وأحزاب سياسية من بينها الجبهة التي اعترضت على الهيئة الفرعية بالقيروان لأسباب تتعلّق بالكفاءة والحياد وبالتالي فإنّ طعونا عديدة صدرت في هذا الخصوص لم تحظ للأسف بالأهمية اللاّزمة من طرف الهيئة العليا للانتخابات الشيء الذي دفع المرصد التونسي لاستقلال القضاء بإصدار بيان أكّد فيه قراره برفع سبعة قضايا ضدّ هذه الأخيرة متّهما إيّاها بالقيام بإخلالات على مستوى تكوين الهيئات الفرعية للانتخابات ملاحظا في الآن نفسه أنّ نشر القائمات النّهائية لهذه الهيئات سواء بتونس أو بالخارج يوم 16 جوان 2014 لم يؤدّ حتى بعد دراسة الاعتراضات إلى التّخفيف من حدّة الانتقادات الموجّهة إلى عدد من الهيئات الفرعية على المستويين المحلي والخارجي.

لكن لئن كانت الهيئات المتواجدة داخل تونس تحظى بمتابعة كبيرة تكاد تكون لصيقة ويومية بحكم توفّر آليات الرقابة الميدانية فإنّ الوضع يختلف بالنسبة لتلك التي وقع تركيزها بالخارج أين الآليات المذكورة تكاد تكون غائبة.

هذه الوضعية تمنح فرصة لأولئك الذين يعتمدون الحيل الرخيصة للسطو على الأصوات لكن من حسن الحظ أنّ هنالك عيونا يقظة تترصّد تحرّكاتهم وتقتفي خطاهم لكي تفضح ألاعيبهم وذلك بالرغم من صعوبة التنقل والتواصل. حسب بعض الملاحظين، قد تكون من بين هذه العوائق البعد عن المركز الذي بدا معزولا ساعدت الهيئة العليا للانتخابات على تمرير بعض الأسماء المشبوهة ضمن القائمات ظنّا منها أنّ الأمر لن يفتضح. إنّ سوء النّيّة التي يتّهم بها هؤلاء هذه الأخيرة قد تجد ما يدعمها باعتبار أنّه كما أسلفنا، العديد من الأطراف المدنية والسياسية توجّه إليها نفس الاتّهامات خصوصا الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية الذي اتّهم صراحة خلال ندوة صحفية رئيسها بتنفيذ أجندة النهضة.

في هذا الإطار فإننا تمكّنّا عبر مصادرنا الخاصّة من التّفطّن إلى إخلالات كبيرة في تكوين هيئة إيطاليا حيث أنّ رئيستها شقيقة نائبة عن حركة النهضة وعضوين من ضمن ثلاثة ينتميان إلى نفس هذا الحزب السياسي، الأول كان ممثله في انتخابات 23 أكتوبر في دائرة “بولزانو” والمنسق العام الحالي للمركز الثقافي الاسلامي بـ “سارونو” قرب “ميلانو” أين وقع اقتناء أرض بقيمة ما يقارب 5 مليارات لتشييد المبنى. أمّا الثاني فإنه ملاكم قديم ونهضاوي جديد معروف بوشاياته للبوليس الإيطالي، هداه الله مؤخّرا فالتحق بـ”الجماعة التي تخاف ربي”.

إذن إذا كان ثلاثة أعضاء من ضمن أربعة من هذه الهيئة ينتمون إلى حزب سياسي فهل يمكن لنا توقّع تكوين مكاتب الاقتراع على أساس موضوعي وبالتالي إجراء انتخابات نزيهة وشفّافة وحرّة؟ قطعا لا. هنا يكمن الدّاء حيث كلّما كانت هذه الهيئات الفرعيّة متحزّبة كلّما كان خطر الاستحواذ على هذه المكاتب كبيرا وحتى التّطمينات المقدّمة من طرف الهيئة العليا للانتخابات في هذا الخصوص لا تطمئن. إذ أنّ الاستئناس بآراء قنصليّاتنا في اختيار أفرادها مثلما كان الشّأن في المرّة الفارطة لن يكون مجديا لأنه علاوة على الخلل الموجود على مستوى تركيبة بعض الهيئات الفرعية فإنّ التمثيليات القنصلية الأكثر أهمية من حيث عدد أفراد الجالية التونسية تتبع أحزاب الترويكا خصوصا منها النهضة وذلك في كلّ من فرنسا والسعودية وليبيا. هذا الأمر يستدعي أكثر من أيّ وقت مضى ضرورة القيام بمراجعات فوريّة للتّسميات الحزبيّة داخل مؤسّساتنا الديبلوماسية والقنصلية حسب ما تقتضيه خارطة الطريق.

بيروقراطيّة الهيئة العليا للانتخابات

حرصا منّا على اعتماد مبدأ الموضوعية في عملنا الاستقصائي وذلك بالاستماع إلى كافّة الأطراف المعنيّة والمتداخلة في هذه العملية الانتخابية، فإننا توجّهنا إلى مقر الهيئة العليا للانتخابات حتى تردّ على الاتّهامات الموجّهة إليها وتجيبنا عن بعض التّساؤلات لكي نتمكّن من إنارة الرّأي العام الوطني. توجّهنا إلى المقرّ الرّئيسي يوم الثلاثاء الفارط قبل السّاعة العاشرة صلاحا لمقابلة رئيسها فأبٌلغنا أنه غير متواجد عندها طلبنا الاتّصال إمّا بالعضوة المسؤولة عن الاتّصال (والتي ليس لديها أيّ شهادة في الاتّصال) أو بالناطق الرسمي لكنه قيل لنا أنّ كليهما في اجتماع. اعتبرنا الأمر عاديّا بالنظر لقرب الموعد الانتخابي ولكثافة الأنشطة والمهام الملقاة على عاتقهم فغادرنا المكان. ونظرا إلى أنّ الأمر ملحّ عدنا إلى المقر في حدود الساعة الواحدة بعد الظهر. عندها وجدنا أنّ السيد الرّئيس قد عاد فانشرحنا ظنّا منّا أنه سوف يستقبلنا ويمدّنا بالمعلومة المرجوّة خصوصا عندما ناولنا الحاجب سماعة الهاتف للتحدث إلى سكريتيرته لطرح الموضوع الذي نريد الاستفسار حوله. لكن لم تمض بعض دقائق حتى أعلمتنا عبر هذا الأخير أنه سوف يقع الاتصال بنا لاحقا. عندها تذكّرنا الجملة البيروقراطية الشّهيرة والتي خلناها ولّت دون رجعة “ارجع غدوة”. عفوا أيّها الرئيس، لم نطلب منّة ولا امتيازا بل حقّا يكفله القانون.

إنّ العمل الصحفي عمل يومي يتطلّب السّرعة في مدّ المعلومة للرّأي العام خصوصا فيما يتعلّق بالانتخابات في هذه الأيام العصيبة والمصيرية أين كلّ ساعة بل كلّ دقيقة لها وقعها وتأثيراتها على بقيّة المسار. كيف يمكن لرئيس الهيئة وأعضائه أن يتصرّفوا بهذه الطريقة في حين أنّ الظرف لا يسمح بالتأجيل ويحتّم التعجيل حتى يتمّ احترام الآجال التي ضبطها الدستور مثلما انفكوا يذكّرون به ويردّدونه صباحا مساء. ألم يؤكّدوا أنّ نجاح الانتخابات يتطلّب تظافر كلّ الجهود والتنسيق خاصة مع الإعلام حتى يتمكّن من أداء واجبه بإنارة المواطنين حول كلّ ما يتعلق بهذه العملية الانتخابية؟

قد يقول البعض أنّه كان علينا طلب موعد مسبق. نقول لهؤلاء أننا فعلنا ذلك مؤخّرا لمّا كان الأمر يتعلّق بإجراء حوار حيث قمنا بالاتّصال برئيس الهيئة قبل بضعة أيام لضبط يوم محدّد. لكنّ الأمر الذي نريد الاستفسار عنه هذه المرّة غاية في الأهمّيّة بما أنه يهدّد الانتخابات بالتّدليس والتّخريب الشيء الذي يتطلّب إجابة سريعة وشفّافة وصريحة. إننا نرى في هذا الأسلوب أمرين، إمّا لامبالاة وإمّا عدم امتلاك للإجابة المقنعة وفي كلتا الحالتين فإنّ الهيئة العليا للانتخابات ورئيسها مدانان.

                                                                                                                                                                                                                                                        

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×