الرئيسية / أقلام / نداء تونس..حزب فائز ولكنّه جبان
نداء تونس..حزب فائز ولكنّه جبان

نداء تونس..حزب فائز ولكنّه جبان

بقلم مصطفى القلعي: كاتب وباحث سياسي

مصطفى القلعي

مصطفى القلعي

الأحزاب التي تفوز بالانتخابات في العادة تكون في أعلى درجات اندفاعها وحماسها وشجاعتها. ولم يحدث في التاريخ أن ندم حزب على فوزه بالانتخابات. فالفوز الانتخابي تكليف بالحكم. ولكنّ التردّد والارتباك اللذين بدوا على حزب نداء تونس يدلاّن على كونه خاف من فوزه أو ندم عليه. وكشف عن كونه حركة وليس حزبا بهياكل ومؤسّسات وبرامج وأهداف ومناهج عمل.

بدأ التردّد والارتباك يبدوان على نداء تونس من خلال خطاب رئيسه السابق ومحراره الأوّل الباجي قايد السبسي. فالسبسي بين الدورتين الرئاسيّتين زار الجبهة الشعبيّة في مقرّها والتقى الناطق الرسمي باسمها الرفيق حمّه الهمّامي، وأخبره محراره بأنّ الجبهة لن تسير في ركب المهلّلين له كما يشتهي. وقبيل خوض الجولة الثانية، تكلّم السبسي في إحدى الإذاعات الخاصّة عن الــ69 مقعدا لحركة النهضة والتي في رأيه تفرض عليه وعلى حركته احترام النهضة والتعامل معها. ويومها لم يقصّر في التمييز بين مفهومي الشراكة والتحالف. طبعا، كان السبسي يغازل القاعدة الانتخابيّة للنهضة التي مالت في الجولة الأولى مع  منصف المرزوقي.

وفي الأثناء لم تهدأ خطّة الاستقطاب الانتخابي التي قادها السبسي بنفسه بمساعدة محسن مرزوق ولزهر العكرمي ومنذر بالحاج علي وغيرهم من سياسيّي النداء ورجاء بن سلامة وألفة يوسف خاصّة من مثقّفي النداء إضافة إلى مثقفين آخرين كثر طبعا. كان خطاب الاستقطاب مخيفا للتونسيّين ومدمّرا لبقيّة الأحزاب. وكانت الجبهة من أكبر ضحايا هذا الاستقطاب. وعبثا دفع الجبهويّون التونسيّين إلى تحكيم ضمائرهم فقط في التصويت فلقد كان خطاب الاستقطاب عنيفا عاتيا.

ومؤخّرا، بعد كشف نوايا نداء تونس في الحكم، نرى تغيّرا في موقف ألفة يوسف إلى خيبة أمل من الحزب الذي دعمته بشدّة فيما عبّرت رجاء بن سلامة عن عدم ندمها على ممارستها خطاب الاستقطاب رغم أنّه ساهم في تضليل الرأي العام وفي مغالطة الناخبين التونسيّين وفي التأثير في نتائج الانتخابات.

لقد تواصل التردّد والارتباك بعد الرئاسيّة وفوز السبسي إذ فاجأ نداء تونس الرأي العام بسقوطه الغريب في الخلط بين المسارات وبين مسؤوليّات الحكم. فالهيئة التي تطوّعت لمساندة السبسي في الرئاسيّة هي نفسها التي باشرت المشاورات حول الحكومة في خلط مريب بين المسارين الرئاسي والحكومي وبين وجهي السلطة التنفيذيّة، الحكومة ورئاسة الجمهوريّة! ولكنّ كلّ من كانوا في هذه الهيئة لم يكن لهم دور في اختيار رئيس الحكومة، لا بل إنّ حزب نداء تونس نفسه يبدو ألاّ دخل له في هذه المهمّة الكبرى.

كان المتابعون للشأن العام ينتظرون أن يتمّ فضّ جوقة مساندي السبسي بعد انتهاء المهمّة الانتخابيّة. وأن يشرع الحزب في مشاوراته الحكوميّة مع من كان يسمّيهم حلفاءه الطبيعيّين. ولكنّ ذلك لم يحصل واكتفى نداء تونس بآفاق تونس والوطني الحر والتوهامي العبدولي وسمير الطيّب وعبد الرزّاق الهمّامي وبقيّة مساندي السبسي. وكان هناك ضيق واضح بالجبهة الشعبيّة بسبب برنامجها المختلف. وانطلقت حملة الهرسلة ضدّ الجبهة بدواعي كثيرة منها عدم واقعيّة برنامجها الاقتصادي (خميس قسيلة) ومنها سيطرة العقليّة الشبابيّة عليها (لزهر العكرمي)…إلخ

وحسب الدستور التونسي الجديد رئيس الحكومة سيكون هو الحاكم الفعلي لتونس. ورئيس الجمهوريّة صلاحيّاته ودوره أصغر من رئيس الحكومة. طبعا هذا لا يروق لرجل مثل السبسي صاحب مقولة “أنا ما يحكم معايا حد”. كان لابدّ من حلّ يجعل الحكم الفعلي في يده ويجعل رئيس الحكومة عونا من أعوانه لا صاحب سلطة موازية لسلطته بل تفوقها حجما وصلاحيّات ومهامّا. الحلّ نفسه الذي يستجيب لهوى السبسي ومفهومه للحكم ولتوزيع السلطات بين أجهزة الدولة وللديمقراطيّة يجب أن يستجيب أيضا لغمزة السبسي لحزب الــ69 “بُقْعة” بعبارته العاميّة.

وكان حبيب الصيد هو “العصفور النادر” بعبارة النهضويّين الذي يستجيب لصورة رئيس الحكومة كما رسمها السبسي ومن معه، طيّع مقواد مطيع لا يرى نفسه حاكما بل منفّذا لأجندتين؛ أجندا السبسي ونداء تونس، من جهة، والذي يكون أحسن رسالة لجماعة الـ69 بقعة، من جهة ثانية. لم يكن النهضويّون يحلمون بأكثر من أن يكون الحاكم الفعلي لتونس الجديدة في الجمهوريّة الثانية قريبا منهم، وكانت لهم عليه دالّة في حكومة الجبالي وكان له عليهم أياد بيضاء في نفس الحكومة.

كان تكليف حبيب الصيد بمثابة الحجر الأوّل الذي ألقي في مياه النداء الراكدة. وكان أيضا الهديّة الثمينة الأولى التي تلقّفتها النهضة وشرعت في ممارسة التكتيك اللاّزم لغنم المزيد الذي انتهى بعد نسختين من الحكومة إلى استقرار النهضة في وجهي الحكم، البرلمان والحكومة في انتظار تمكّنهم من النفاذ إلى قرطاج بجوار السبسي. وهكذا يكتمل مفهوم الشراكة الذي نظّر له السبسي طويلا.

طيّب، لا يمكن أن يكون تفسير كلّ هذا المسار من المناورات بين النداء والنهضة، والذي بدأ قبل الانتخابات ومازال مستمرّا إلى حدود النسخة الثانية من حكومة الصيد، بما فسّره بعض الندائيّين الأغرار أو المكلومين أو الذي يستمرّون في مغالطة الرأي العام من أنّ الجبهة الشعبيّة هي من دفع النداء لإشراك النهضة في الحكم. ولكن هناك أمور أخرى واتفاقات سابقة لاشكّ أنّ دوائر المال والقرار في الخارج لها يد فيها.

ولكنّ الأوضح لعيان المتابعين والمحلّلين أنّ حزب نداء تونس ليس أكثر من حركة لم تنجز مؤتمرها التأسيسي واشتغلت بأساليب دعاية مستوردة من مراكز التدريب والتكوين المشبوهة وقائمة أساسا على المغالطة وتزييف الحقائق وبنت استراتيجيّتها على التخويف من الخصوم السياسيّين. أمّا الحقيقة الأكثر سطوعا أنّ نداء تونس حركة جبانة لم تخرج من جبّة الأب المؤسّس وسرعان ما ترنّحت أمام تهمة التغوّل وخافت من حجم النهضة والمرزوقي الانتخابي. بهذا المعنى فقط نفهم أنّه لا يمكن لرجل قضّى حياته في حزب الدستور المحافظ أن يسمح لحزبه الوليد بأن يغامر مع الجبهة الشعبيّة في حماية الشعب التونسي من صناديق النهب ومن دوائر القرار المتآمرة. وكيف يفعل مع داعميه الذين ساهموا فيما وصل إليه هو وحزبه!؟

لم تطلب الجبهة الشعبيّة المستحيل، بل دعت إلى مراجعة الديون وتدقيقها لكشف الديون الحقيقيّة من الديون الكريهة. وطالبت بعدم رفع الدعم وبتجميد الأسعار وبإعفاء الفلاّحين الصغار من ديونهم الصغيرة. هذه المطالب الشعبيّة أخافت نداء تونس ورئيسه وجعلته يسلّم بأنّ الارتماء في حضن النهضة بمآسيها في الترويكا أفضل من الشراكة مع الجبهة الشعبيّة بمطالبها الشعبيّة. فلتكن زيجة مباركة ولتمض الجبهة الشعبيّة في قيادة المعارضة بشرف كالعادة ولتشرع في مشروع الهيكلة والتنظّم ولتخطّط لمنازلة البلديّات المقبلة بإحكام..

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×