الرئيسية / صوت الوطن / عودة إلى قانون المصالحة: النّهوض بتونس يمرّ عبر القطع مع منظومة الاستبداد وليس عبر التّصالح معها
عودة إلى قانون المصالحة:  النّهوض بتونس يمرّ عبر القطع مع منظومة الاستبداد وليس عبر التّصالح معها

عودة إلى قانون المصالحة: النّهوض بتونس يمرّ عبر القطع مع منظومة الاستبداد وليس عبر التّصالح معها

أُحيل مشروع قانون المصالحة الذي أعدّته رئاسة الجمهورية على لجنة التّشريع بالبرلمان لتناقشه. ومن المنتظر أن تُنهيالإفتتاحية اللّجنة هذا النّقاش بسرعة ليعرض المشروع على الجلسة العامّة للمصادقة. ومن المعلوم أنّ مشروع هذا القانون يعود إلى جويلية 2015. ولكن الاحتجاجات والاعتراضات المختلفة التي أثارها دفعت الرّئاسة إلى سحبه. ومنذ ذلك الوقت وهي تتحيّن الفرصة لإعادة طرحه. ومن الواضح أنّها تريد اليوم تمريره بأيّة طريقة كانت. وقد جنّدت أعوانها وعملاءها في وسائل الإعلام للدّفاع عنه وتقديمه على أنّه “ضروري” و”ملحّ” لـ “معالجة” الأزمة الاقتصاديّة والاجتماعيّة التي تعيشها البلاد بدعوى أنّ “المصالحة” ستعود بالفائدة على الاستثمار وعلى عمل الإدارة. كما جنّدتهم لشنّ حملة على معارضي المشروع وتشويههم وتقديمهم في صورة “الحقودين” الذين لا يريدون، حسب زعمهم، توحيد التونسيّين في هذه الظروف ليكرّسوا اهتمامهم بقضايا التنمية ويُخرجوا البلاد من الأزمة الخ…

ولكن المتتبّع للشّأن العام يدرك جيّدا أنّذ هذا الكلام لا أساس له من الصحّة بل هو كذب في كذب، فالذين يردّدونه لهم غايات أخرى وهم آخر من يفكّر في مصلحة البلاد وفي وحدة الشّعب وفي إيجاد الحلول الملائمة للأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تتحمّل الطبقات والفئات الكادحة والشّعبية تبعاتها الخطيرة. فلو تعلّق الأمر حقّا بتسريع عمليّة المصالحة الاقتصادية والماليّة، كما تُروّج لذلك أبواق الرّئاسة، فإنّ قانون العدالة الانتقاليّة ضبط الإطار القانوني لهذه المصالحة وكان بإمكان السّلطة التنفيذيّة المساهمة في التّسريع بها بالتّعاون مع هيئة الحقيقة والكرامة. وأكثر من ذلك فقد قدّمت الجبهة الشعبيّة مبادرة تشريعيّة في الغرض ولكنّ الأغلبيّة البرلمانيّة تركتها جانبا ولم تعرضها للنّقاش. ولكن الرّئاسة كما الأغلبيّة الحاكمة ليس همّها المصالحة كما جاءت في قانون العدالة الانتقالية أي المصالحة القائمة على كشف الحقيقة وعلى المساءلة والمحاسبة بهدف تفكيك منظومة الاستبداد والفساد لتحصين التونسيّات والتونسيّين منها مستقبلا.

إنّ هدف الباجي قائد السّبسي والزّمرة المحيطة به هو ضرب مسار العدالة الانتقالية والالتفاف عليه لتشريع عودة رموز الاستبداد والفساد سواء كانوا من رجال الأعمال أو من الإداريّين أو السّياسيّين أو الإعلاميّين أو الأمنيّين السّابقين الذين خدموا نظام بن علي وارتكبوا جرائم على حساب الشّعب ومصالح البلاد، لإعادة تشغيلهم في مواجهة الشّعب والقوى الدّيمقراطية والتقدّمية. لقد بدأ هؤلاء في الظّهور منذ مدّة وفيهم من أُعِيد توظيفه كما أنّ فيهم من التحق بصفوف حزب “نداء تونس” الذي انحصرت اليوم انتداباته في رجال الماكينة التجمّعية القديمة، هذا دون ذكر الذين ساهموا في تمويل الحملات الانتخابيّة لأحزاب الائتلاف الحاكم. وما يُراد اليوم هو تشريع عودة هؤلاء جميعا إلى السّاحة لإعادة ترميم المنظومة القديمة واستخدامها ضدّ الشعب والقوى الديمقراطيّة والتقدميّة المتمسّكة بالمسار الثّوري وباستحقاقاته. إنّها الثورة المضادّة الزّاحفة.

إنّ قوى المعارضة الديمقراطية والتقدّمية تجد نفسها اليوم أمام تحدٍّ جديد وهو إفشال هذا المسعى المحموم للائتلاف اليمينيّ الرّجعي الحاكم. ولا سبيل إلى ذلك إلاّ بتوحيد الصّفوف وتصعيد النّضال وتحقيق انخراط أوسع الطّبقات والفئات الكادحة والشعبيّة في هذه المواجهة مع الائتلاف الرّجعي الحاكم الذي يسرق ثورة الشّعب ويدفع بالبلاد من جديد نحو الاستبداد ويغرقها في التّبعيّة والفساد لصالح الكمبرادور ومافيات التّهريب.

إنّ النّهوض بتونس وإخراجها من الأزمة التي أغرقها فيها تحالف “النّداء” و”الإخوان” يمرّ عبر القطع مع منظومة الاستبداد والفساد القديمة ومع خياراتها الاقتصاديّة والاجتماعيّة المعادية للشّعب والوطن وليس عبر التّصالح معها. إنّ الاحتجاجات الاجتماعيّة تشقّ البلاد طولا وعرضا وهي الدّليل على فشل الائتلاف اليميني الحاكم، وما على الجبهة الشعبيّة وقوى المعارضة الدّيمقراطية والتقدميّة إلّا أن تجعل من هذه النّضالات سندا لها لمواجهة مخطّطات هذا الائتلاف الذي أصبح من مصلحته تسريع وتيرة الالتفاف على المسار الثوري.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×