الرئيسية / أقلام / انتخابات 26 أكتوبر: النّتائج واتّجاهات تطوّر الأوضاع
انتخابات 26 أكتوبر: النّتائج واتّجاهات تطوّر الأوضاع

انتخابات 26 أكتوبر: النّتائج واتّجاهات تطوّر الأوضاع

بقلم: علي الجلولي

imagesباحت صناديق الاقتراع بأسرارها وبذلك تنتهي فترة عصيبة مرّت بها البلاد والشعب بعد خلع الدكتاتور في 14 جانفي 2014، وبهذا البوح تظهر معطيات جديدة أعادت تشكيل المسرح السياسي وموازين القوى بين مختلف الفاعلين الاجتماعيين والسياسيين، وهو تشكّل انعكست فيه بوضوح سمات اللحظة التاريخية التي انعقدت فيها الانتخابات، كما انعكست فيها بهذا القدر أو ذاك سمات المسار الذي انخرطت فيه بلادنا خاصة في العامين الأخيرين.

المناخ العام للانتخابات

  لا يختلف عاقلان أنّ نتيجة الانتخابات- أيّ انتخابات- تتأثر بالمناخ الذي تجري فيه، فنسبة الإقبال تعكس استعدادات الجماهير ومزاجها في تلك اللحظة، ونتائج التصويت تعكس أيضا ميولات الناس ومواقفهم، ونحن نستطيع أن نجزم أنّ هذه الانتخابات جرت في إطار وضع يتّسم عموما بارتفاع منسوب الإحباط لدى قطاع هام من الجماهير التي بدأت تقتنع أنّ أهدافها تبخّرت وأنّ مصالحها ضاعت مع الحكّام الجدد الذين استشرى في عهدهم الخوف والرّعب في أبعاده الأمنية وأيضا وأساسا الاقتصادية والاجتماعية بحكم ارتفاع معدّلات التّفقير والبطالة والتدهور اللاّمسبوق للمقدرة الشرائية، فضلا عن اتّساع رقع الفساد واستغلال النفوذ  وبروز مافيات جديدة في عالم الأعمال والتّهريب وحتى في السياسة. إنّ هذه المعطيات فضلا عن تعطّل تنفيذ اتّفاقات خارطة الطريق المتعلقة بإعداد الشروط لانتخابات نزيهة وشفّافة وديمقراطية وتجلّى ذلك في الشّبهات الكبيرة حول الهيئات الفرعية للانتخابات المخترقة عموديا وأفقيا من قبل أحزاب الترويكا وأساسا حركة النهضة والذي بدأت ثماره في البروز منذ اليوم الأوّل لانطلاق التّصويت في دوائر الخارج، إضافة إلى انسياب المال السياسي الفاسد بشكل غير مسبوق من قبل قائمات بارونات رأس المال المحلي والاقليمي والدوليأس المالأاس .

مجمل هذه الظروف خيّمت على يوم 26 أكتوبر الذي وإن كانت نسبة الإقبال فيه أفضل من 2011 (99, 59% داخل تونس) فإنّ جلّ المتتّبعين لاحظوا ضعف المشاركة الشبابية مثلا وهو مؤشر يعكس ضعف ثقة الشباب بالعملية الانتخابية والسياسية برمّتها، الشباب الذي كان في صدارة الحراك الثوري والاحتجاجي قبل 14 جانفي وبعدها، إضافة لذلك فقد تأثرت عملية التصويت بالمزاج العام للمقترعين الذي انقاد جزء منهم بمنطق التصويت العقابي لجوقة الفاشلين الجدد، وسيادة منطق التصويت الناجع كما وقع التسويق له عند جزء هام منهم، بما أفرز لنا خريطة نيابية وبالتالي سياسية جديدة اندثرت فيها بعض القوى وبرزت قوى أخرى بما سيساهم في تغيير المشهد. فما سمات الخارطة الجديدة؟

قوى تخبو وقوى تصعد

  أهمّ ما يميّز نتائج هذه الانتخابات هو الأفول اللاّفت للنظر لقوى تربّعت لمدة 3 سنوات على المشهد وعلى صناعة القرار في البلاد، ويهمّ الأمر خاصّة حزبي التكتل والمؤتمر اللذين تمكّنا من كتلتين هامتين في انتخابات 2011 بما مكّنهما من مشاركة النهضة في الحكم، إذ تمكّن الأوّل من رئاسة المجلس التأسيسي والثاني من رئاسة البلاد، لكن مباشرة إثر تشكيل الترويكا عرف الحزبان تصدّعات حوّلتهما إلى مجرّد عناوين لا دور لها إلاّ تنفيذ إرادة النهضة والتبعية الذليلة لها على أمل العودة إلى المشاركة في الحكم بعد 26 أكتوبر،  لكن للمقترعين رأي آخر إذ تعرّضا إلى “تشنيع” انتخابي حوّلهما إلى “جماعة صفر فاصل” (التكتل له مقعد والمؤتمر 4 مقاعد)، وبذلك يكونان قد دفعا غاليا فاتورة مشاركتهما النهضة الحكم والذوبان فيها، فعند عديد الناس هما من ساعدا النهضة على التغوّل وشكّلا مجرد رافعة لها، وإن كان الاتجاه العام لعملية التصويت انطبع بمنطق معاقبة تجربة الثلاث سنوات الفارطة التي لم يعرف فيها شعبنا سوى الخيانة لمطالبه وتطلّعاته.

وإن كانت حركة النهضة مستهدفة أساسا من هذا التوجّه العقابي، فإنّ آلتها التنظيمية وزخمها العقائدي مكّنها من الاستمرار بكتلة هامة عدديا رغم التراجع، وحدها الأحزاب الذليلة دفعت الفاتورة، مقابل هذا برزت للوجود قوى جديدة مثل حزب آفاق والتيار الديمقراطي الذين تمثلا بمجموعة مقاعد (8 و5)، مقابل صعود محترم للجبهة الشعبية التي تتمثّل بكتلة من 15 نائبا وهو ما لا يعكس بالمرّة حقيقة وزنها وأدائها وحجم حضورها وتأثيرها في صياغة الوضع السياسي بالبلاد منذ سنتين، والمعطى المهم في نتائج الانتخابات هو “الصعود الصاروخي” لحزب نداء تونس الذي برز للوجود منذ أقل من سنتين، والكتلة الهامة للنداء تعود إلى عدّة أسباب منها القناعة الواسعة التي طالت جزءً من التونسيين بكون هذا الحزب مؤهّل أكثر من غيره لتعديل الكفة مع حركة النهضة الرجعية، لذلك استفاد هذا الحزب من الاتّجاه العقابي للتصويت، هذا وقد اشتغل حزب النداء طيلة المدة الفارطة على هذا الجانب موظفا إمكانيات مادية رهيبة ليس أقلها تجربة  بعض رموزه في الحكم قبل وبعد 14 جانفي، فضلا عن صياغة خطاب ايديولوجي استفاد من سقطات الإسلام السياسي محليا وإقليميا إضافة إلى التصويت الجماعي لأحزاب التّناسل الدستوري لصالح النداء ضمن خطة تكتيكية يبدو أنها صيغت في آخر لحظة. على هامش المشهد برزت للوجود كتل لا عنوان سياسي لها إلاّ عنوان المال المشبوه، فيما غابت عن المشهد قوى سياسية تقليدية مثل الحزب الجمهوري (مقعد واحد) وحزب المسار(لا مقعد) وتراجع قوى حديثة التكوين كالتحالف (مقعد واحد) وحركة وفاء (لا مقعد)  وقوى أثار صعودها المفاجئ الريبة والشك (مجموعة الهاشمي الحامدي).

نتائج 26 أكتوبر والمهام المطروحة علينا

إننا اليوم بصدد خريطة نيابية وسياسية جديدة، وإن لم تتمكن أيّ قوّة من الحصول على الأغلبية المطلقة لتشكيل الحكومة والتّربّع على سدّة الحكم، فإنّ التحالفات ستكون محددة للمستقبل السياسي للحكم كما للمعارضة، وإن لم تتشكل هذه التحالفات بعد، فإنّ عديد السيناريوهات تبقى مطروحة مثل تحالف النداء والنهضة، أو تحالف النداء مع تيارات أخرى، أو تحالف النهضة مع قوى أخرى. وإن كان السيناريو الأخير مستبعد بحكم التشكيلة الحالية للمجلس النيابي، فإنّ الإمكانيتين الأولتين تبقى واردتين، على أنّ الإمكانية الأولى تبقى الأخطر على الإطلاق. ونحن نعتقد أنّ شعبنا سيجد نفسه مرة أخرى محكوما بقوى لم تخرج من رحم الثورة ولا من أحشاء المطالب الشعبية، فسواء حكم النداء أو النهضة، أو كليهما فإنّ نفس الخيارات النيوليبرالية ستبقى سائدة كتعبير عن تواصل تحكّم نفس التحالف الطبقي في مفاصل القرار بالبلاد، فكليهما يعبّر عن مصالح الطبقات الرجعية السائدة. أمّا التّعبيرات الشّعبية فهي تجد نفسها مرّة أخرى ضعيفة، صحيح أنّ للجبهة الشعبية اليوم كتلة نيابية، لكنها ضعيفة العدد وإن كانت من الناحية النوعية تعتبر الأفضل بحكم تكوّنها من قيادات الصف الأوّل في الجبهة القادرة على الدعاية والتحريض البرلمانيين.

إنّ البرنامج الشعبي يتّجه نحو أخذ مكانه في تصدّر المعارضة دفاعا عن مطالب الشعب وتطلعاته، إذ أنّ مساندة الحكومة أو المشاركة فيها بالنسبة لنا تبقى مشروطة بالبرنامج الأدنى للحكم الذي يمكن أن تتفق حوله بعض القوى السياسية، وهو برنامج يجب أن يشمل كلّ مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والدبلوماسية والثقافية من جهة الإجراءات الأساسية والضرورية التي من شأن تحقيقها تحسين الحالة المادية والمعنوية للجماهير الواسعة في المدن والأرياف. أمّا إن كان مقصودا بالحكم مواصلة نفس خيارات التبعية والتفقير والاستبداد فإنّ الجبهة ستقاومه وتتصدّى له وتوحّد الشعب على أساسه من أجل مواصلة المسار الثوري دفاعا عن المصالح الحيوية للشعب. إنّ الجبهة تتّجه اليوم إلى معركة الانتخابات الرئاسية ومن المؤكّد أنّ نتائج 26 أكتوبر ستخيّم بظلالها على اتّجاهات التّصويت للرئيس، فهل سيصحّح شعبنا اتّجاه السير وينتصر لبرنامج الثورة الذي يمثله ويعبّر عنه مرشّح الجبهة الشعبية القائد حمّة الهمامي؟ هذا ما ستجيب عنه الايام القليلة القادمة.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×